صحيفة الجمهورية
العالم كلّه ما زال مشغولاً في قياس مدى «صدقيّة» الضربة الأميركية ـ البريطانية ـ الفرنسية ضدّ سوريا ونظام بشار الأسد، ولا جوابَ شافياً حتى الآن حيال حقيقة ما جرى في الأجواء السورية، وكذلك ما يُجرى في الكواليس الدولية. أما في لبنان الذي يبعد مسافة عشرين يوماً عن انتخابات السادس من أيار، فيبدو أنه مصابٌ بمرضٍ عُضال لا شفاءَ منه، يحقنه أداءُ السلطة الحاكمة بأوبئةٍ إضافيةٍ تجعل من هذا الاستحقاق محطةً تأسيسيّةً لمستقبلٍ لبنانيٍّ قاتم، تطرح علاماتِ استفهام حول أيِّ مستقبلٍ للبنان، صاغته ارتكاباتُ بعض النافذين ومحاولةُ تفصيل هذه الانتخابات على مقاس مصالحهم وشهوتهم القاتلة الى السلطة والتحكّم بمصير اللبنانيين.
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، أعادت بكركي اطلاقَ صرختها امام الأداء المقيت الذي يتعاظم على الخطّ السياسي، واستحضر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مقدّمةَ الدستور اللبناني ليؤكّدَ على ما تنصّ عليه لجهة أنّ «الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية».
وانطلاقاً من وضوح المشهد الانتخابي وما يعتريه، دعا البطريرك الجميع إلى «ممارسة حقّهم الدستوري، وأن يدلوا بصوتهم الحرّ، والمحرَّر من كل خوف أو ترهيب أو إكراه أو وعيد أو إغراء، ويختاروا أمام الله والضمير مَن هو الأصلح لخير الوطن والشعب، ومَن هو المميَّز بتجرّده وثقافته وأخلاقيّته، استناداً إلى خبرتهم معه واختبارهم له، لا إلى مجرّد وعوده الكلامية الانتخابية». ورأى أنّ «لبنان يمرّ في حالٍ غير عادية، ولذلك يستدعي رجالاتِ دولةٍ غيرِ عاديّين».
واللافت في عظة الأحد، تحذيرُ الراعي المتجدّد للسياسيين «من خطورة الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي والسياسي» وانتقاده كلّ تجاوزاتهم في ظلّ غياب خطة إنقاذية واضحة المعالم».
وناشد الراعي «السياسيين تحمّلَ مسؤوليتهم التاريخية قبل الإنهيار الإجتماعي الكامل. مجدّداً التحذير من المادة التي أُدرجت في قانون الموازنة التي تمنح إقامةً في لبنان لكلّ عربي وأجنبي يشتري شقة، وضمن شروط، ويستفيد من هذه الإقامة هو وزوجته وأولاده القاصرون، مع ما يستتبع هذه الإقامة من حقوق، والكلّ على حساب الشعب اللبناني». داعياً الى وجوب إلغائها وتعديل قانون تملّك الأجانب وتعليق العمل به، لأنّ عدد هؤلاء بات يفوق حالياً نصفَ شعب لبنان».
بري
على الصعيد السياسي والانتخابي، انتقد رئيسُ مجلس النواب نبيه بري أداءَ وزارة المغتربين، معتبراً أن «لا أحد من المسؤولين في السلطة يعرف معنى الاغتراب ومعاناته».
ودعا بري المغتربين للتصويت في الانتخابات النيابية، وقال في كلمة خلال المؤتمر الاغترابي السنوي لحركة «أمل»: «لا تخافوا من الانتخابات بل خافوا على الانتخابات وصوّتوا بلا تردّد وبلا خوف، وأعلم الضغوطَ التي تمارَس عليكم وأعلم انّ الاستهداف هو للمقاومة أولاً».
وأضاف: «هم يعرفونكم كطائفيين لا كلبنانيين ويعرفونكم كتجار لا ككادحين والحقيقة أنّهم لا يعرفونكم أنّكم لبنان الحقيقي».
فرنجية
الى ذلك، أكد رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية أن «محاولة الغاء دولة الرئيس ميشال المر ستؤدي الى تعاطف الناس معه لأن أهل المتن لا يخضعون للترهيب». وقال: هذا الأمر سيزيد التأييد للمر وسنرى النتائج. والأمر نفسه ينطبق على آل سكاف في زحلة، فعندما تحصل محاولات إلغاء لبيت ايلي سكاف ومحاولة إقفاله سيخلق هذا الامر موجة تعاطف مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف».
وأشار خلال حديثٍ له أمس لقناة «الجديد»، الى»أننا كلنا في المحور الذي أنتمي إليه نؤيد أي امر جيد يعزز سيادة لبنان»، لافتاً الى «أننا طبعاً أول من دان العدوان على سوريا»، مضيفاً: «الصواريخ التي أطلقت على سوريا كانت صواريخ لحفظ ماء الوجه».
وأكد «أنني مع وصول أي شخص من محورنا الى رئاسة الجمهورية عدا باسيل» وقال: «ما تحدثت عنه مع رئيس الحكومة سعد الحريري في باريس يطبق اكثر منه اليوم».
أما عن موضوع التعرض للحريات، فأشار الى أن «هذا التصرف خطأ، ونرفض كل حالة سُجن فيها صاحب رأي حر».
ورأى فرنجية أن «الصوت التفضيلي يخلق حساسية بين المرشحين «، معتبراً أن «التحالفات الجديدة لـ»التيار الوطني الحر» هي تحالفات الخوف من الخسارة واعترفوا بذلك»، مضيفاً: «لم تركب «الكيميا» بين 90 في المئة من سياسيي لبنان وبين باسيل ما عدا الله و»حزب الله»، ولا يمكن لباسيل ان يصنف الآخرين».
ولفت الى أنه «بعد تحالف التيار مع رئيس «حركة الإستقلال» ميشال معوض وتيار «المستقبل» استطاع باسيل ان يؤمن الحاصل الانتخابي»، مضيفاً: «عام 2009 صوّت «التيار» ضدّنا في الانتخابات النيابية».
وسأل فرنجية «لماذا تطرح المعركة النيابية كأنها معركة رئاسة جمهورية؟»، كاشفاً «أنني سأصوت للرئيس بري لرئاسة مجلس النواب».
وقال: «في السياسة الاستراتيجية لا خلاف مع «التيار الوطني الحر» والرئيس عون بقي على موقفه»، موضحاً « أننالم نلغِ انفسنا لمصلحة الرئيس عون بل لصالح مشروعنا السياسي».
وكشف فرنجية أنه «إذا خيّروني بين باسيل وجعجع للرئاسة أختار باسيل لأنه من محورنا»، مضيفاً: «في حال وصول جعجع للرئاسة من المؤكد سيكون معنا احسن من باسيل»، مشيراً الى أن «باسيل لا يأتي بشخص «لا يخصّه».
واعتبر فرنجية أن «الفساد يكافح بالنظام الاقتصادي وليس بالاشخاص»، كاشفاً «أنني «أشمّ رائحة طبقية» في المادة 50 من قانون الموازنة».
مناوراتٌ عونيّة
يأتي ذلك في وقت، ما زال ضجيجُ الماكينات الانتخابية يهدر في كل الدوائر، والفاضح فيها ماكينات النافذين في السلطة وما ترتكبه من موبقات مكشوفة بحقّ الناس والقانون.
واللافت في هذا السياق، الارباك الذي يصيب الماكينات الانتخابية التابعة لـ»التيار الوطني الحر»، والذي ظهر جلياً خلال مناورة أجراها لماكيناته الانتخابية في كل لبنان.
وفي معلومات لـ»الجمهورية» أنّ ماكينة «التيار» تعاني من إشكالاتٍ تنظيمية بسبب «الحروب» المشتعلة بين «الأخوة» على الأصوات التفضيلية التي قد تحول دون «قسمة الحقّ» بين «رفاق الصفّ البرتقالي»، وسطوة بعض المرشحين على الماكينة المناطقية فيتحكّمون ببلوكات كبيرة من الأصوات التفضيلية ما يحرم بقية المرشحين الحزبيين من تَرف هذه الأصوات ويسبّب الإشكالات في ما بينهم، الى جانب تراجع حركة التطوّع بين صفوف المؤيّدين غير الملتزمين.
أما الإخفاق الثاني الذي يخشى بعض العونيين من وقوع قيادته في مطبّه، فيتمثل بالتقديرات المبالغ بها في تحديد نتائج «التيار» يوم السادس من أيار، ما قد يصيب المشاركين في عمل الماكينة بصدمة سلبية ما يؤدّي الى تعليق نشاطها قبل إقفال صناديق الاقتراع.(تفاصيل ص 4)
في هذا الوقت، ردّ رئيس بلدية رميش فادي مخول على تصريحات رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل التي أكّد أنه يعمل لاستعادة حقوق مسيحيّي مرجعيون وحاصبيا وقرى الشريط الحدودي.
وقال مخول في بيان: «نحن نعيش في بلدتنا بكامل كرامتنا، ونحافظ على أحسن العلاقات مع محيطنا، ونحصل على حقوقنا وغير مهدَّدين بلقمة عيشنا كما ذكر باسيل، ونأسف للكلام الذي صدر على لسان معاليه خلال زيارته لبلدتنا حيث توجّه لنا مهدِّداً بعدم قرع ابواب وزاراته لمتابعة أيّ طلب في حال كانت اصواتُنا في الصناديق لصالح اللوائح المنافسة للائحة «الجنوب يستحق» والتي يدعمها التيار».
الحدثُ الدولي
دولياً، حدثٌ يغطّي على حدثٍ آخر. لا الضربة الأميركية ـ البريطانية ـ الفرنسية ضد سوريا غيّرت في الواقع السوري، ولا القمّة العربية التي انعقدت أمس في مدينة الظهران السعودية، غيّرت في الواقع العربي.
فما كان مُرتقباً، حصل، ونفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة عسكرية في سوريا مُعتبراً أنها حقّقت اهدافها. ومع ذلك توّعدت واشنطن بتنفيذ ضربات، في حال أقدَم الرئيس بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، معلنةً عبر السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي بأنّ الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا حتى تُنجزَ أهدافَها التي تتمثل في «ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية بأيِّ طريقة من شأنها تهديد المصالح الأميركية، هزيمة «داعش»، وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران».
تطمينٌ روسيّ
وفيما ندّدت موسكو بالضربة العسكرية، وأكّدت بلسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أنه تمّ التخلّص كلياً من الترسانة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي، طمأن مصدر ديبلوماسي مطّلع على أجواء موسكو الى «أنّ لبنان ما زال محيَّداً عن حروب المنطقة، وروسيا تريد هذا الأمر أيضاً، وتعلم طبيعة علاقته مع الغرب وحساسية الموقف اللبناني، لذلك هي تعمل ما في وسعها للحفاظ على أمنه واستقراره، ولا تعمل لكي يصبحَ ساحةَ نفوذ لها».
وكشف المصدر لـ «الجمهورية» أنّ الاتّصالات بين موسكو وواشنطن لم تنقطع طوال الأسبوع الماضي وحتى تنفيذ الضربة العسكرية، وقد استمرّت حتى بعد تسديدها، كذلك جرت اتّصالاتٌ بين روسيا والدول الكبرى المشارِكة في تنفيذ الضربة وقد زُوِّد الروس بالمعلومات الكافية للإبتعاد من مراكز توجيه الضربات، فحصل القصف من دون وقوع خسائر».
وأوضح المصدر أنّ «روسيا تفهّمت حاجة الولايات المتحدة الأميركية الى عمل كهذا لكي تقول واشنطن إنها موجودة في المنطقة، ودورُها واضح، وهي حاضرة في لعبة تقاسم النفوذ، كذلك فإنّ المواقع التي استُهدفت وأهمّها المراكز العلمية والتطويرية، تُريح إسرائيل، وهذا الأمر لا تعارضه موسكو لأنّ العلاقات الروسية- الإسرائيلية هي في عصرها الذهبي».
وشدّد المصدر على أنّ «سوريا تمثّل إحدى أهمّ ثوابت روسيا في السياسة العالمية، و يظهر ذلك جلياً من خلال العقود التي أبرمتها مع النظام من أجل البقاء في القواعد العسكرية لمدةٍ تصل الى 99 عاماً، وهذا الأمر يتمّ بعلم واشنطن والدول الكبرى».
وأكّد المصدر أنّ «الضربة لن تؤثر في العلاقات الأميركية- الروسية، لأنّ واشنطن غير متحمِّسة أصلاً لإسقاط الأسد، وهي لم تتحرّك لدعم المعارضة منذ نشوء الأزمة السورية عام 2011».
الحزب
الى ذلك، قال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ الهجوم العسكري على سوريا «سيعقّد الحلَّ السياسي وسيؤدّي الى تأزيم العلاقات الدولية ومسار جنيف إن لم يؤدِّ الى نسفه كلياً».
القمّة
وبعد أقلّ من 48 ساعة من حدوث الضربة العسكرية، انعقدت القمّة العربية في مدينة الظهران السعودية، والتي أطلق عليها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تسمية «قمّة القدس»، ودان في افتتاح أعمالها «الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في المنطقة العربية»، مجدِّداً رفضَ «تدخّلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية».
وفي كلمته في الجلسة المغلقة للقمّة، تخوّف رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون من «وجود ملامح سياسة تُرسَم لمنطقتنا ستنال منّا جميعاً في حال نجاحها»، وسأل: «هل ننتظر حدوثَها لنعالِج النتائج أم نقوم بعملٍ وقائيّ لنمنع وقوعها»؟ وأكّد أنّ «الحاجة الى مبادرة إنقاذ من التشرذم الذي نعيش فيه أصبحت أكثر من ضرورة»، متسائلاً: «هل تنطلق من أرض المملكة مبادرةٌ عمَلية رائدة تلمّ الشملَ وتعتمد الحوارَ سبيلاً لحلّ المشكلات»؟
واعتبر أنّ القضية الفلسطينية هي أساسُ اللاإستقرار في المنطقة، وحذّر من ضياع القدس ودعا الى البناء على المبادرة العربية للسلام.
وعلى هامش القمّة أجرى عون سلسسة لقاءاتٍ أبرزها مع الملك سلمان في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.تطمينٌ روسي: لبنان ما زال محيَّداً عن حروب المنطقة رئيس بلدية رميش: باسيل هدّدنا في حال كانت أصواتنا لصالح اللوائح المنافِسة ضجيجُ الماكينات يهدر والفاضح ماكيناتُ النافذين في السلطة وما ترتكبه