وقالت جنبلاط، في مقابلة مع تلفزيون "فلسطين" أجراها الإعلامي هيثم زعيتر في برنامج "من بيروت"، خصصت لتناول التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية": "ليس هناك عالم عربي، وليس هناك جامعة عربية، والأمم المتحدة اليوم في مكان آخر. لقد تغيرت الأمور، وأهم ما ضاع في القضية الفلسطينية هو الوحدة الداخلية بين "فتح" وحماس"".
وشدد على "الوحدة الداخلية بأي ثمن، كي تمر هذه العاصفة، لأن العاصفة طويلة جدا جدا. ولذا، يجب الخروج من هذه الحساسيات، فالوحدة الوطنية تمكن، ثم نرى".
وردا على سؤال، أجاب جنبلاط: "حاول أبو عمار وحاول أبو مازن بناء هذه الإدارة - السلطة الفلسطينية، لكن في ظل هذه الإدارة، الاستيطان كان يأخذ الأراضي. واليوم، قرر أبو مازن فك الارتباط وقد يكون أفضل، فليحتلوا، وليكن الشعب الفلسطيني محتلا أفضل من صورة الدولة هذه التي لم تستطع وقف الاستيطان، فالقضية طويلة".
وعن وجود إمكانية في العالم اليوم للضغط على المحتل الإسرائيلي، قال جنبلاط: "ليس هناك عالم اليوم مع فلسطين والقضية الفلسطينية، نتيجة التشتت العربي والانقسام العربي، حيث لم يبق شيء من العالم العربي، في الوقت الحاضر هناك مواقف مبدئية لكن أشك القيام بالضغط".
وتعقيبا على دعوته لضرورة الوحدة الفلسطينية الداخلية، قال جنبلاط: "على الفريقين حماس والجهاد الإسلامي، وفتح تقديم تنازلات والوصول إلى الحد الأدنى من التفاهم، ولا يكون هذا فقط بأن يأتي فريق وينضم إلى فريق آخر، ثم لا بد من انتخابات، والتجربة الديمقراطية، إذا صح التعبير في الانتخابات داخل الاحتلال نجحت، فلماذا لا تكرر؟ وبغض النظر عمن يكسب، فالمهم فلسطين".
وعما يمكن للاشتراكية الدولية أن تقوم به من أجل فلسطين، قال: "لست متفائلا، الاشتراكية الدولية كلها مواقف نظرية، وفعليا على الأرض لا شيء، وحسنا أنه لا تزال فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة. ومع الوقت، تنفرج الأمور، لكن تحتاج إلى الصبر والوحدة الوطنية. وشخصيا، ماذا أستطيع أن أفعل ضمن حدودي في لبنان؟ لقد حاولت ومستمر ضمن الممكن أن أتصدى لهذه الهجمات العنصرية من اليمين اللبناني المعروف والمتعدد الأنواع في قضية التوطين وفي قضية تضخيم أرقام الوجود الفلسطيني، فوفق أرقام الأونروا هناك 190 ألف فلسطيني في لبنان، ربما بعض العائلات لم تسجل، فيرتفع العدد إلى حوالى 220 أو250 ألفا، ولكن ليس هناك في لبنان 500 ألف فلسطيني".
وشدد على "ضرورة أن يعطى الفلسطيني المقيم في لبنان حق العمل"، وقال: "لقد استصدرنا قانونا بمساعدة الرئيس نبيه بري منذ سنوات، لكنه لم يطبق".
وعن وجود أكثرية داعمة للقضية الفلسطينية في مجلس النواب اللبناني، قال جنبلاط: "كله نظري، فليطبقوا القانون، وليتجرأ أي وزير عمل ويطبق القانون".
أضاف: "لا بد من غرفة عمليات مشتركة لموضوع المخيمات، فكمال جنبلاط عندما كان وزيرا للداخلية عام 1969 خلق غرفة عمليات مشتركة فلسطينية مع الدولة اللبنانية لمعالجة - آنذاك - التجاوزات، وحينها كانت السلطة المعادية. اليوم، المطلوب تعاون أمني من الجهتين، ولا مهرب من ذلك فهذا شعب موجود على أرضنا".
وردا على سؤال عما تغير طوال العقود الماضية وبعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بيهودية الدولة الإسرائيلية وعاصمتها القدس الموحدة، قال: "لم يتغير شيء، فقط إنهم يخططون، ونحن العرب نعيش على الأمجاد، عندما أعلنوا وعد الوطن القومي، كان هذا الوطن محصورا ثم توسع وتوسع، وأتت فترات الثورات في فلسطين في الثلاثينيات، ثم خرج الكتاب الأبيض، فمشروع التقسيم ومراحل عدة، ولكن كسبوا الجولات في التوسع، وهذا لا يعني أننا لم نواجه، فقد واجهنا في حرب 1973 وفي الانتفاضات المتتالية التي كانت ممتازة، ثم من المقاومة الوطنية اللبنانية، فالمقاومة الإسلامية، لكن نحتاج إلى نفس طويل وعالم عربي موحد، ولكن لا عالم عربيا. شكلت "لجنة القدس" على أساس أن تجمع أموالا لمنع بيع أراضي العرب للمنظمة الصهيونية، فماذا فعلت؟ لا شيء، لجنة نظرية".
وعن كيفية الضغط على الدول العربية والغربية، جدد التأكيد متسائلا: "أي دول عربية؟ فهي مطوقة. الدولة الأم كانت مصر - وآنذاك - حررت مصر واستعادت كل أراضيها من خلال كامب ديفيد، لكن الثمن كان إخراج مصر من الصراع. فكان يقول كمال جنبلاط: "ادعموا مصر اقتصاديا وماليا كي تصمد وتبقى في العالم العربي"، لكنها خرجت وقامت - آنذاك - قمة الصمود والتصدي، لكنها بقيت كلاما".
أضاف: "ربما هناك أصوات في المجتمع الدولي لا تزال مع القضية الفلسطينية، لكنني ما زلت على رأيي بضرورة وحدة الموقف الفلسطيني والتنازل من السلطة و"حماس" مهما كانت الأمور، وإجراء انتخابات جديدة ومجلس وطني جديد وفك الارتباط نهائيا، فأي نفع له، وماذا أعطى هذا الارتباط مع الأميركيين؟ وأي نتيجة عملية له لصالح القضية؟".
وأكد جنبلاط أن "لا حل إلا بدعم القضية الفلسطينية، لكن فلنطرح أن فلسطين هي دولة تحت احتلال ونعد إلى نظرية إدوارد سعيد دولة مزدوجة المواطنة عربا ويهودا، هذا كان طرحه، فلتكن".
وتوجه جنبلاط إلى العرب الموحدين الدروز داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالقول: "إذا كان البعض يعيش على الأحلام أنه سيبقى على أرضه، فليتذكر ماذا فعلت المنظمة الصهيونية في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وكيف أن الأراضي الجميلة بعظمها اشترتها المنظمة. وفي المقابل، أسرت الدروز بالخدمة العسكرية لأنهم خسروا الأرض".
أضاف: "المسلسل سيستكمل، ولا أرى مستقبلا للدروز في فلسطين، وعليهم أن ينتبهوا ويتوحدوا، كما توحدوا مع القائمة العربية الموحدة مع أيمن عودة".
وعن سبب اختياره الذكرى ال40 لاستشهاد كمال جنبلاط لإلباس الكوفية الفلسطينية لنجله النائب تيمور جنبلاط، قال: "كمال جنبلاط مشى في هذه القضية منذ أن بدأ في العمل السياسي. مشى في هذا التحالف الوطني العربي - الفلسطيني - اللبناني بالدم. هذا تراث المختارة. كمال جنبلاط شهيد فلسطين. ولذلك، أقول لتيمور، استمر في مسيرة جدك الأكبر".
وعن رفع صورة للشهيد الرمز ياسر عرفات إلى جانب كمال جنبلاط والشهيد الخالد جمال عبد الناصر في مكتب الحزب، قال: "هناك صورة لعرفات وعبد الناصر، لكن ليس في كل المكاتب، فهذا تراثنا العربي، هذا نضالنا منذ البدايات في السياسة، وكنت أشارك في المظاهرات في الجامعة الأميركية. آنذاك كان هناك يسار ويمين. وهنا، أذكر المظاهرات الكبيرة التي حصلت بالنسبة إلى معركة الكرامة، وعندما اغتالوا القادة الثلاثة في بيروت خلال عام 1973".
واستذكر جنبلاط "المناضل الراحل محسن إبراهيم الذي كان سندا كبيرا لكمال جنبلاط، هو وجورج حاوي، وأسسوا سويا الحركة الوطنية اللبنانية التي ضمت هذه التشكيلة العربية القومية في مواجهة المشروع الانعزالي، واستمرت إلى أن قتل كمال جنبلاط. عندما قتل كمال جنبلاط استشرتهم، ماذا أفعل؟ في النهاية الجغرافية السياسية تحكم عليك. إما البحر أو "إسرائيل" أو العمق السوري. ذهبت إلى سوريا، ومن خلال سوريا والإتحاد السوفياتي استطعت أن أحافظ على عروبة الجبل، ونفتح سويا طريق دمشق إلى بيروت. هذا الأمر طبعا انعكس على الوحدة الوطنية اللبنانية، وأدى إلى شرخ في الجبل. وكانت المصالحة في عام 2001 مع البطريرك صفير. عندما أتى السوري إلى لبنان رسميا وعملنا على تطبيق الطائف، انسحب محسن ابراهيم استراتيجيا من اللعبة الداخلية السياسية اللبنانية، كنا نرى بعضنا البعض أسبوعيا، لكنه لم يتدخل في اللعبة الداخلية. كان همه فلسطين، ولا يريد أن يضيع في أزقة بيروت، وحسنا فعل. كان همه الأساسي فلسطين، وبقي على اتصال دائم بالرئيسين أبو عمار وأبو مازن، هذه القضية بدمه. محسن إبراهيم هو الذي عرف ياسر عرفات على جمال عبد الناصر".
أضاف: "في كل مناسبة في ذكرى اغتيال كمال جنبلاط، كان محسن حاضرا منذ عام 1977 لغاية 2016. ومنذ عام 2017، لم يحضر، إذ كان يعاني من وضع صحي".
وعن أسباب إعلان "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982 من منزل الشهيد كمال جنبلاط، اعتبر جنبلاط أن "الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط، كانت نواة وأساس المواجهة مع "إسرائيل" في الجنوب. اليوم، بعض الفصائل الجديدة في مقاومة "إسرائيل" تنسى أنها استمرار للماضي واستمرار للحركة الوطنية اللبنانية واستمرار لتلك الأحزاب التي ضحت وقاتلت. ولذلك، اختاروا منزل كمال جنبلاط عام 1982. ولاحقا، كنا سويا في حصار بيروت، وودعنا، أيضا سويا، عرفات بالدموع، عندما خرج. الشعب الفلسطيني شعر بالخوف، وترجم هذا الخوف بمجازر صبرا وشاتيلا، وهو الذي وعدت بعض الدول بحمايته، وتخلت عنه، وكانت المجزرة. هذا كان المخطط الجهنمي، وهو مثل دير ياسين وغيرها من مجازر فلسطين، كان الهدف تخويف الفلسطينيين لتهجيرهم".
وعن النضالات التي جمعته مع الراحل محسن إبراهيم، قال جنبلاط: "في الأيام الصعبة كنت دائما أستشير محسن إبراهيم. كان يأتي إلى كليمنصو أو المختارة، أو أذهب إلى مكتبه، حيث تعرض المكتب إلى تفجير سيارة وذهب ضحيته عشرات القتلى آنذاك. ذكريات طويلة وليس هناك من شيئ محدد. لكن كان من ألطف الناس ومشينا سويا. برحليه لم يبق من الحركة الوطنية القديمة إلا فؤاد شبقلو، وسمير صباغ، وتوفيق سلطان، وأنا شخصيا، هذه الحياة".
وردا على سؤال حول كيفية تخليد ذكراه، قال: "لا بد من الحد الأدنى الذي نستطيع أن نقوم به من أجل تكريمه، وسنرى ذلك مع العائلة، خصوصا مع خروج بعض الأصوات السخيفة، أو العميلة التي تدين نضال محسن إبراهيم".
واعتبر جنبلاط أن "إعلان الحداد الفلسطيني بعد وفاة إبراهيم هو تقدير كبير من الشعب الفلسطيني وأبو مازن لمحسن. وكما قلت محسن ابراهيم خرج من المعمعة الداخلية اللبنانية أيام الوجود السوري، وسخر وقته لمساعدة فلسطين، وكيف يستطيع مع عرفات وغيره أن يجدوا طريقا. كان - آنذاك - طريق أوسلو المليء بالأفخاخ الدولية، وبدأت في الوقت ذاته الأفخاخ العربية".
وفي ذكرى إتمام إطباق الاحتلال الإسرائيلي على ما تبقى من فلسطين في حزيران 1967، أكد جنبلاط أنه "لا يمكن هزيمة الشعب الفلسطيني، إرادته قوية، كما كل إرادة الشعوب المحتلة. هذا الشعب الذي قدم عشرات الآلاف من أكثر من قرن من التضحيات، لن يموت. لكن لا بد من النظر إلى مستقبل تغيير أساليب النضال، مع التشديد مجددا على الوحدة الوطنية وتجديد الدم الفلسطيني من خلال إجراء انتخابات. لا بد من دم جديد".
وعن منع المؤسسات الفلسطينية بمدينة القدس من القيام بأي مهمة سواء انتخابات أو غيرها، قال: "من الممكن في مدينة القدس أن يحدث ذلك، لكن يستطيعوا أن يقوموا بالعمل من خلال طرق أخرى كالتعيين، فهل كانت هناك انتخابات في الماضي؟".
وحول إذا ما كانت القضية الفلسطينية ستبقى تراوح مكانها في ظل "صفقة ترامب" إلى حين إجراء الانتخابات الأميركية، سأل جنبلاط: "مَن هو الرئيس الأميركي الذي قدم شيئاً للقضية الفلسطينية؟ لا أحد. لماذا دائماً نراهن على الانتخابات الأميركية؟ هذه الأسطوانة أعرفها منذ بدأت في السياسة، وحتى في لبنان. أي رئيس أميركي قد يتحرر من الضغط الصهيوني؟ هذه أكبر كذبة في التاريخ. يجب أن نعود ونقرأ في ثقافتنا كيف نشأت الحركة الصهيونية، وتغلغلت ورافقت الحركات اليمينية المسيحية - الصهيونية في أميركا. هذا حلمٌ قديم حتى قبل "وعد بلفور"، وقبل "مؤتمر بازل". هذه إرساليات إعطاء فلسطين لليهود، ثم على اليهود أن يعتنقوا الديانة المسيحية خوفا من حدوث يوم القيامة. إنها نظرية قديمة عقائدية يتشارك فيها الصهاينة والمسيحيون الجدد، إذا صح التعبير، لكن يختلفون لاحقا على القيامة".
وعن الديموقراطية الأميركية، أكد جنبلاط أنها "فشلت فشلا ذريعا. وتبين التمييز العنصري، وهذه قصة قديمة تعود إلى الحرب الأميركية الأهلية في القرن التاسع عشر. صحيح - آنذاك - أن ابراهام لنكولن أعتق، نظريا، السود من الرق، لكن عمليا لا شيء، جونسون قام بخطوات، لكن فعليا ما زالت الشريحة الأكبر من الشعب الأميركي السود، ومعهم أيضا العرب المسلمون واللاتينيون، يعتبرون درجة ثانية. هذا هو التفوق والعنصرية للعرق الأبيض".
في الختام توجه جنبلاط إلى الفلسطينيين بالقول: "من خلال تجربتي في لبنان، حيث مررنا بجولات وجولات، صمدنا. لا بد من الصمود، وأن يعودوا إلى التراث العربي الفلسطيني، وأن يقرأوا التاريخ، ليعرفوا كيف نشأت الصهيونية. الشعب الفلسطيني يملك كفاءات علمية هائلة. التعايش والتلاصق بين اليهود والفلسطينيين 1948، علمهم الكثير، والدليل هو القائمة العربية الموحدة، الطريق طويلة".
وللشعب اللبناني توجه جنبلاط بالقول: "لا تراهنوا على الذين يريدون تمزيق الوطن اللبناني، ولتكن اليوم الأولوية للاصلاح السياسي والاهتمام بالمعيشة وتغيير النظام الاقتصادي من خلال الضرائب التصاعدية، لكن لا تلهيكم شعارات ثانية، كقرار 1559 وغيره. هذا هو الفخ الأكبر المنصوب لنا".