الحكومة تستعجل الخطة الاقتصادية.... عناوين فضفاضة ولا مفر من صندوق النقد الدولي

الحكومة تستعجل الخطة الاقتصادية.... عناوين فضفاضة ولا مفر من صندوق النقد الدولي
الحكومة تستعجل الخطة الاقتصادية.... عناوين فضفاضة ولا مفر من صندوق النقد الدولي
قد يكون الردّ "البارد" لمجموعة الدعم الدولية بعد اجتماعها مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئبس الحكومة حسان دياب، هو من دفع الحكومة الى الاسراع في البدء في البحث في الخطة الاصلاحية التي وعد اللبنانيون بها مع انطلاق العمل الحكومي.

قد استرعت الانتباه أمس "فوعة" إصلاحية "وكركبة" للأوراق المالية في السراي، في سبيل تسريع خطوات إقرار خطة الحكومة الاقتصادية والمالية الإصلاحية المنتظرة، وأوضحت مصادر وزارية لـ"نداء الوطن" أنّ هذا الاستنفار الحكومي إنما أتى نتيجة ما شهده اجتماع قصر بعبدا مع سفراء مجموعة الدعم الدولية صباح الاثنين، من إرباك وارتباك في صفوف السلطة إثر سؤال السفراء عن "خطة الحكومة التي لم تبصر النور بعد وعن تفاصيلها وبعض البنود التي ستتضمنها، غير أنّ الإجابات الرسمية اللبنانية لم تكن حاضرة سوى بالعناوين العريضة"، وكذلك الأمر بالنسبة لاستفسار سفراء مجموعة الدعم عن مصير الإصلاحات التي طالب بها المجتمع الدولي وشدد عليها لمساعدة لبنان، "فاقتصر الجواب اللبناني على تأكيد العمل على بلورتها والتذرع بأزمة كورونا باعتبارها أخّرت إنجازها".

وتحت وطأة هذا الإحراج الذي تعرض له الجانب اللبناني أمام سفراء "الدعم"، لفتت المصادر إلى أنّ "رئيس الحكومة حسان دياب طلب استعجال طرح البنود الإصلاحية والمالية وتسريع خطوات إنجازها وتفعيل الملفات المتصلة بها، فطُرحت الورقة التي كان قد طرحها وزير المال غازي وزني وضمّنها عدداً من العناوين الإصلاحية ومن بينها إصلاح النظام الضريبي، وتقرر الاتجاه نحو الجمع بين الورقة الإصلاحية والخطة الاقتصادية لتكوين مشروع حكومي، يدمج بين هذه الخطة والرؤية المالية والإصلاحات البنيوية المطروحة ضمن إطار هذه الورقة، والتي تتمحور في عناوينها حول سبل تحويل الاقتصاد اللبناني من ريعي إلى منتج، بالإضافة إلى مسائل متصلة بالتدقيق بحسابات المصرف المركزي وإعادة هيكلته، وإعادة هيكلة النظام المصرفي والدين العام".

عناوين الخطة
وفي حين تستعد الحكومة لمواصلة البحث في الورقة الاصلاحية في اجتماع يعقد اليوم، تبدو متطلعة نحو كسب رضى صندوق النقد الدولي، لكن تبقى العبرة في التنفيذ. وتفيد المعلومات التي استقتها "النهار" من داخل فريق العمل المشرف على الخطة الإنقاذية، بأنها في طور الإنجاز بعدما قُدّمت المسوّدة الثانية للمقترحات التنفيذيّة. ويعمل على الخطّة كلّ من فريق رئاسة الحكومة ووزيري المال والاقتصاد، وتتقدّم الوزارات باقتراحات تخصّ القطاعات المسؤولة عنها. وتولي الخطّة أهميّة للتسريع في إقرار مشاريع القوانين، ومنها سلسلة مشاريع قوانين لا بدّ من إقرارها وهي تحتاج إلى مراسيم تطبيقيّة. وتشدّد الخطّة على اتخاذ إجراءات مالية عامة منها رفع السرية المصرفية عن موظفي القطاع العام، في ظلّ مشروع قانون أقرّته الحكومة في هذا الصدد وأرسلته إلى مجلس النواب.

ويعوّل مواكبو الخطّة على تقليص حجم القطاع العام بنسبة تقارب 6% سنوياً، من طريق الالتزام بالقرار المتّخذ بعدم التوظيف، ما يقلّص حجم القطاع تزامناً مع بلوغ موظفين سنّ التقاعد سنوياً. وهناك اتجاه نحو إعادة النظر في مصير خمسة آلاف موظّف دخلوا الملاك. وتدخل الخطّة في تفاصيل كيفية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مع تقويم المصرف المركزيّ أوضاع كلّ مصرف وحاجته إلى السيولة وتصنيف المصارف المتعثّرة منها، ما يؤكّد الاتجاه نحو دمج بعض المصارف أو شرائها من مصارف أخرى. وعُلم أن هناك أكثر من رأي واتجاه داخل الحكومة في موضوع التعامل مع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، إذ ثمة وجهات نظر وزارية تدعم تحرير سعر الصرف، وأخرى مع الحفاظ على سعر الصرف الحاليّ. ويحتاج هذا التفصيل في النهاية إلى مشاورات واسعة وقرار واضح من مجلس الوزراء، علماً أن المسار الحاليّ للبلاد ينحو باتجاه التعامل المستقبلي بالدولار بحسب سعر السوق.
وتتنوّع المقاربات الوزارية أيضاً في موضوع الودائع، إذ لم تتوصل الخطّة إلى اتجاه واضح في هذا الإطار، لكن الاقتراح الأكثر قابلية للاختيار هو تحويل نسبة من الودائع إلى أسهم، وقد أجريت أكثر من دراسة حول كيفية التحويل وسقفه من الودائع، علماً أن ثمة مقترحات وزارية تؤيّد تجميد الودائع مدّة خمس سنوات مع صفر بالمئة فائدة من دون الاحتكام إلى أي اقتطاع أو تحويل. وتتنوّع المقترحات حول كيفية تطبيق تحويل الودائع إلى أسهم، ومنها من يدعم مقترح تحويل نسبة من الودائع البالغة مليون دولار وما فوق، وهناك مقترحات أخرى تناولت سقف الودائع ما فوق 500 ألف دولار. وترتبط آلية التطبيق بالنسبة المحوّلة من الودائع إلى أسهم، وكلّما انخفضت النسبة كلّما شملت عملية التحويل ودائع أكثر.

ويرى مشاركون في إعداد الخطة أن ولادتها أصبحت قريبة، ويرجّحون أن تبدأ المفاوضات مع صندوق النقد خلال أشهر قليلة، علماً أن مرحلة المفاوضات طويلة وقد تستدعي تطوير الخطة التي لا بدّ أن تليها - في حال الاتفاق- رقابة "الصندوق" على تنفيذ الاجراءات وتقديم أموال كلّ ثلاثة أشهر. ويخلص المواكبون أنفسهم إلى أنّ ثمة إجراءات تنفيذية متعلّقة بالقطاعات يمكن المباشرة بتنفيذها راهناً، وثمة إجراءات أخرى تحتاج تحضيراً ووقتاً للتنفيذ حتّى وإن بُتّت قرارات بها اليوم.

لا مساعدات دولية بشروط عون وحزب الله

ونظراً لاستعجال الخطة ضمن توجه رسمي لاستقدام المساعدات المالية، كشفت مصادر دبلوماسية لـ"اللواء" أن سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان في لقائهم مع رئيسي الجمهورية والحكومة في بعبدا لم يلمسوا أي جديد يمكن البناء عليه ووضعه موضع التنفيذ، وكل ما سمعوه من الرئيسين لا يخرج عن تكرار للمواقف السابقة باستثناء طلبات إضافية لمساعدات طبية وصحية لمواجهة ازمة تفشي وباء كورونا، بينما لوحظ انه تم تجاهل شبه كلي للتوصيات وقرارات وشروط الاجتماع الاخير لمجموعة الدعم في باريس للسلطات اللبنانية لكي تباشر الحكومة اللبنانية الجديدة فورا بإجراء سلسلة اصلاحات هيكلية في مؤسسات الدولة لكي يتم البدء بتطبيق قرارات مؤتمر سيدر وإجراء مفاوضات سريعة مع صندوق النقد الدولي للمساعدة في معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان حاليا. 

وباستثناء ما قاله رئيس الحكومة عن استمرار الحكومة بالعمل لوضع خطة الانقاذ المالي والاقتصادي ووعده بالمباشرة بالاصلاحات المطلوبة، خرج سفراء المجموعة بانطباع مفاده أن الرئيس عون والمسؤولين اللبنانيين يرفضون تنفيذ شروط وتوصيات المجموعة الدولية بتسريع الاصلاحات المطلوبة للحصول على مساعدة المجتمع الدولي لاسيما وانه كان هناك متسع من الوقت للمباشرة بهذه العملية وهم يريدون الحصول عليها بلا شروط أو بدون ضوابط وهذا مرفوض كليا كما تم ابلاغ المسؤولين اللبنانيين على اختلافهم مرارا. 

وفي احاديثهم ولقاءاتهم الجانبية قبل وبعد اللقاء المذكور نصح هؤلاء السفراء المسؤولين اللبنانيين بعدم اضاعة المزيد من الوقت والمباشرة فورا بإجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي للتفاهم على برنامج لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، لانه لم تعد تنفع الشكاوى وطلبات المساعدة من دون ضوابط وشروط دولية ملزمة. فعبارات المجاملة أو التذاكي أو الاستعطاف لم تعد تنفع في اقناع اي دولة او منظمة مالية دولية لمد يد المساعدة كما كان يحدث من قبل ضمن صيغة مركبة على الطريقة اللبنانية وبكل بساطة نقول ان زمن تقديم المساعدات المالية أو الاقتصادية بلا ضوابط وشروط مشددة انقضى ولن يتكرر بعدما تملص لبنان من وعوده ولكي لا تتكرر سيناريوهات صرف هذه المساعدات المالية في غير محلها وتذهب الى جيوب السياسيين والمتنفذين الذين لا يشبعون. 

لقد جربنا مساعدة لبنان في مؤتمر باريس واحد ثم باريس اثنان وباريس ثلاثة، وفي كل مرة يعطل السياسيون وقوى الامر الواقع شروط تنفيذ هذه المؤتمرات المرتكزة على اجراء الاصلاحات الضروية في كافة مؤسسات الدولة وكانت نتائجها تذهب سدى بلا اي نتائج. ولم يكن مصير قرارات مؤتمر سيدر افضل من سابقاته لان الاطراف ذاتها أو المتحالفة معها بالسلطة حاليا وضعت العصي في دواليب المؤتمر قبل انعقاده وبعده لاعاقة تنفيذه برغم المناشدات الدولية والالحاح المستمر من الدول المشاركة للمباشرة بتنفيذه ولكن هذه المرة تم تكرار سيناريو تعطيل التنفيذ الى ان انزلق لبنان الى أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخه. واليوم المسؤولون الذين ساهموا بتعطيل تنفيذ شروط مؤتمر سيدر هم يطالبون المجتمع الدولي بالمساعدة. كيف يتم ذلك؟ بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وغير ذلك لم يعد ينفع. فات أوان تكرار التجارب الفاشلة مرة جديدة مع استمرار الأطراف المعطلين للمؤتمرات الدولية السابقة في سدة الحكم أو بقوة الامر الواقع. لا تحرجونا نكرر نصيحتنا اذهبوا الى صندوق النقد الدولي للمساعدة قبل فوات الأوان.

وفي هذا السياق، عزا مصدر مسؤول عبر "الشرق الأوسط" السبب إلى أن التباطؤ في التفاوض مع صندوق النقد يعود إلى أمرين، الأول يتوقف على انتهاء الحكومة من وضع خطة الإنقاذ، والثاني يعود إلى ربط التعاون بشروط لبنانية عبّر عنها "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل. وكشف أن مجموعة الدعم لم تربط مساعداتها للجيش والقوى الأمنية بالخطة الإنقاذية الموعودة ولا بملف النازحين السوريين. وقال إن هذه المساعدات ليست مشروطة مع أن الدول الغنية التي يراهن لبنان على دعمها غارقة حالياً في مكافحة "كورونا" ومحاصرة انتشاره.
مجلس الوزراء

وكان مجلس الوزراء بدأ امس بحث خطة الاصلاح المالي والنقدي التي اعدها وزير المال غازي وزني، والتي ستكون من ضمن خطة الاصلاح والنهوض الاقتصادي والمالي والاداري والقضائي الشاملة، التي يفترض ان تنتهي منتصف الشهر المقبل، وقد عرض الوزير وزنة ومدير عام المالية آلان بيفاني العناوين العامة للخطة على ان يستكمل مجلس الوزراء بحثها تفصيليا في جلسات متتابعة بينها جلسة في الرابعة من عصر اليوم قبل اقرارها وعرضها على جلسة اتخاذ القرار في القصر الجمهوري. وفي جلسة غد الخميس، حيث تستمر المناقشات الى الثلاثاء المقبل، الى حين التمكن من الاحاطة بكافة جوانبها بعد ماقشتها مع الوزراء وابداء الملاحظات عليها، على امل اقرارها بصيغتها النهائية يوم الثلاثاء في الاسبوع المقبل.

وذكرت معلومات من داخل الجلسة ان الوزيرين عباس مرتضى وعماد حب الله سجلا اعتراضاً على عدم توزيع مشروع الخطة على الوزراء مسبقاً للاطلاع عليها ودرسها، فكان الجواب انها ستوزع عليهم لاحقاً لهذا الهدف ولوضع الملاحظات ولوضع برنامج كل وزارة ضمن هذه الخطة، التي يبدو انها ستكون كثيرة حسب التسريبات لا سيما لجهة اعادة الهيكلة الشاملة المالية والنقدية والمصرفية وانعكاساتها لا سيما على المواطنين والمودعين في المصارف والارتهان لصندوق النقد الدولي اوالبنك الدولي ومواءمة ذلك مع مصلحة لبنان وشعبه.
وفي حين تكتم بعض الوزراء الذين اتصلت بهم "اللواء" عن عرض أي تفاصيل حول مسار النقاش، وقال احدهم: نحن ندرسها وسنقرها بالسرعة اللازمة لكن من دون تسرع. فيما ذكرت معلومات اخرى ان خطة الوزير وزني تقوم على تنظيم السياسة المالية، وهي تقضي بإصلاحات هيكلية مالية ونقدية وإصلاح القطاع المصرفي بما فيه من مصرف لبنان والمصارف الخاصة وتلقائيا التدقيق في حسابات المصرف المركزي. وبهدف تحقيق فائض اولي سريع وتنمية الانتاج المحلي والاستثمارات ،اضافة الى اعادة هيكلة الدين العام بالليرة وبالدولار بما يؤمّن خفضه، اضافة الى دعم الاسر الفقيرة والقطاعين الصحي والتربوي. 

المعارضة تشكك
في المقابل، تفسر أوساط معارضة أسباب تشكيكها في المسار الحكومي من منطلق أن قوة العضلات المفتولة تقاس عبر حمل الأثقال لا عرضها افتراضياً، في قولها لـ"النهار" إن المؤشرات الإصلاحية الجدية المنجزة بحسب تعبير رئيس الحكومة لم يبرز ثقلها للعيان، إما هي ضئيلة إلى درجة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وإما هي غير موجودة في الأساس.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى