كورونا يحمي الحكومة من غضب الشارع

كورونا يحمي الحكومة من غضب الشارع
كورونا يحمي الحكومة من غضب الشارع
لم يكن مقدرا لموضوع التعيينات المالية أن يفجر الحكومة من الداخل وأن يسقطها، فلا البلد يتحمل تطورا سياسيا دراماتيكيا من هذا النوع وفي هذا الوقت، ولا القوى السياسية لها مصلحة في سقوط الحكومة الآن، وأي منها لا يملك البديل وليس جاهزا لـ«سيناريو ما بعد دياب».

حصل ما كان متوقعا حصوله: سحب ملف التعيينات من التداول ونزع فتيل الانفجار السياسي وتمرير أول قطوع جدي واجهته الحكومة وفي الوقت غير المناسب.

ولكن ما جرى كان كافيا لتبيان التبدل الحاصل في المشهد السياسي والتوازن الجديد الذي يحكم الحكومة من داخلها وخارجها، فجاءت الوقائع والحسابات السياسية على النحو التالي: 1 - الاعتراض الأساسي على التعيينات جاء من جهتي الرئيس سعد الحريري والوزير سليمان فرنجية.


الحريري يخوض صراعا مستترا مع دياب الذي يشكل تحديا مباشرا له، خصوصا إذا ثبت في رئاسة الحكومة لمدة تفوق التوقعات وبدأ يرسخ وجوده ونفوذه في الإدارات ويكسب احترام الرأي العام.

وأكثر ما يعني الحريري في كل ما يفعله دياب هو التغيير الذي يطرأ على المواقع السنية الأساسية، وأكثر ما يستفزه هو المس بنفوذه و«رجالاته» في الدولة، وأن يحصل خرق للتعهد الذي أعطاه له الرئيس نبيه بري عند تشكيل الحكومة بألا يتعرض المحسوبون عليه في المؤسسات، خصوصا منها الأمنية والمالية، للمحاربة والإقصاء.

ولذلك لم يكن الحريري مستعدا للتساهل والتهاون مع الخرق الأول الذي حصل بإقصائه عن تعيينات مصرف لبنان، لأنه إذا فعل فإن السبحة ستكر، وسيبدأ دياب في بناء وضعه ونفوذه داخل الدولة ليصبح الذي دخل صدفة نادي رؤساء الحكومة منافسا جديا وجزءا من المعادلة.

وهذا ما يفسر كيف أن الحريري ذهب في موقفه الى الحد الأقصى، الى حد التهديد باستقالة نواب كتلته وإسقاط ميثاقية المجلس والدفع باتجاه انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة.

أما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فانه يخوض صراعا مكشوفا مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

وهذا الصراع يتجاوز التعيينات والحكومة التي يحتكران تمثيلها مسيحيا مع اختلاف الحجم، ويمتد الى رئاسة الجمهورية المقبلة، ومن خلفية أن الرجلين مازالا يتصرفان أن معركة الرئاسة مازالت محصورة بينهما، وأن كل التطورات والمتغيرات، بما في ذلك انتفاضة 17 تشرين، لم تغير في الواقع وفي المعادلة شيئا.

وفرنجية الذي تحركه حسابات رئاسية ليس في وارد التساهل مع باسيل وإعطائه فرصة لاستجماع قواه وإعادة بناء وضعه، لا بل يرى فرصة متاحة للإجهاز سياسيا عليه وضرب عملية استئثاره بالحصة المسيحية وعملية التقارب والتنسيق بين باسيل ودياب إن وجدت.

ويلقى فرنجية مساندة بري الذي لا ينسجم مع ثنائية عون دياب التي قبلها على مضض ويتعاطى معها كأمر واقع، ومازال محبذا لفكرة عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، ولفكرة إعادة ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية.

ولذلك، فان فرنجية في معركته ضد غريمه المسيحي يساند الحريري في معركته ضد غريمه السُني، ويبدو فرنجية حريصا جدا على صيانة علاقته مع الحريري والرهان عليها مستقبلا.

2 - حزب الله هو من يدير اللعبة والتوازنات الدقيقة، بعدما اكتسب خبرة في هذا المجال وصار متمرسا، وهو من دفع باتجاه إغلاق ملف التعيينات.

ولا يهم هنا السبب المباشر الذي دفعه الى ذلك وما إذا يعود الى فشله في التوسط والتوفيق بين حليفيه باسيل وفرنجية، أم يعود الى تهديد دياب بالاستقالة أو الاعتكاف في مواجهة الضغوط التي تمارس عليه ولرمي كرة المسؤولية في ملعب الآخرين.

من الواضح أن حزب الله حسم موقفه وحدد أولوياته: الأولوية المطلقة وحتى إشعار آخر هي «الحرب ضد كورونا»، والتي تفترض إعطاء حيز أساسي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

الحكومة خط أحمر وممنوع سقوطها، ليس فقط لأن سقوطها يعني نكسة سياسية له، وإنما لأن لا بديل عنها وسيناريو عودة الحريري ليس جاهزا، والبلد لا يحتمل حكومة تصريف أعمال.

من أولويات حزب الله «حسان دياب» بصفته «رجل المرحلة» والشريك السني حاليا، وأداؤه جيد رغم كل الضغوط التي تمارس عليه والظروف التي يواجهها.

وإلى الأولويات هناك ثوابت: الحفاظ على التواصل مع الحريري لحفظ العلاقة السنية الشيعية، وان كان الحزب لديه ملاحظات على تسرع الحريري وانفعاله في الأيام الأخيرة، والحفاظ على العلاقة مع باسيل كحليف مسيحي أساسي، وان كان الحزب غير راض على الطريقة التي يدير بها الأمور، والحفاظ على دور الرئيس بري وإبقاء الهامش المتاح له لتسيير شؤون اللعبة السياسية ولحفظ التماسك والاستقرار داخل الطائفة الشيعية.

الرئيس بري يلعب في هذه المرحلة دور ضابط الإيقاع والتوازنات بين دياب والحريري، بين باسيل وفرنجية، وبين الحكومة والمعارضة الجديدة متمثلة بالثلاثي «الحريري جعجع - جنبلاط».

3 - رئيس الحكومة حسان دياب ربح جولة التعيينات.

في الظاهر ما جرى يحسب على الحكومة وليس لها ويسجل نقطة سلبية جديدة، إذ تثبت أنها حكومة اللجان وليست حكومة القرارات، وأنها تهرب الى الأمام عبر سياسة تأجيل الملفات أو تجميدها (التعيينات التشكيلات القضائية الكابيتال كونترول خطة الكهرباء...).

ولكن في الواقع، وفي لغة السياسة، نجح دياب في تحويل خسارة محققة الى «ربح افتراضي» عندما أعلن انتفاضته على المحاصصة السياسية ونال تصفيق الوزراء الذين يظهرون أكثر فأكثر رغبة التحرر من الأحزاب والقيادات التي جاءت بهم الى الحكومة، وبدأوا يضيقون ذرعا بها.

وعندما أظهر دياب أنه بدأ يتمرس في اللعبة السياسية، ومقابل هروبه الى الأمام في موضوع التعيينات، خطا خطوة الى الوراء في المواجهة السياسية غير المتكافئة التي يخوضها متفاديا استفزاز فرنجية وخسارة طرف مسيحي أساسي، ومتفاديا استفزاز الحريري وتصعيد المواجهة في ظل افتقاده للغطاء السني، ومتفاديا استفزاز الشارع الذي هاله أن يكتشف أن حكومة دياب هي حكومة تكنوقراط بالاسم وحكومة السياسيين والأحزاب بالفعل، وأن ذهنية ونمط حكم ما قبل ١٧ تشرين لم تتغير.

فكل العناصر المحركة لعودة الشارع صارت متوافرة، وليس من حام للحكومة ومن رادع للشارع الا الـ«كورونا».

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟