مشهدية التصفيق... هكذا يكون التضامن

مشهدية التصفيق... هكذا يكون التضامن
مشهدية التصفيق... هكذا يكون التضامن

ليست المرّة الأولى التي يتجاوب فيها اللبنانيون مع أي مبادرة إنسانية، ولن تكون الأخيرة.

مشهدية الساعة الثامنة من مساء أمس كانت رائعة، وهي وحدّت اللبنانيين بالفكر والنوايا، وعبّرت عن تضامنهم مع الجسم الطبي والتمريضي وكل شخص قرر أن يضحي بوقته وراحته ليكون في الصفوف الأمامية لمواجهة هذا الفايروس الخطير، الذي إجتاح العالم. قرروا التضحية ليكونوا إلى جانب المصابين لكي يخففّوا عنهم الآمهم وعذاباتهم في مصابهم، فأستحقوا منا كل تقدير وإحترام وإعترافًا بالجميل، وهذا اقل الإيمان حيال من يتحلّى بالشجاعة الكافية للإنخراط في معركة غير سهلة ضد عدو غادر، وبأقل قدر ممكن من إسلحة غير فاعلة، إلى حين توافر ما يمكن أن يقضي على هذا الـ"كورونا" قضاء حتميًا.

هذه المشهدية، التي جمعت بين جميع اللبنانيين، في مختلف المناطق، ذكرّت كثيرين باليوم الذي تداعى فيه مواطنون من كل لبنان وشبكوا الأيدي في وقفة تضامنية رمزية للمطالبة بحقوق مهدورة وبحياة كريمة تليق بالإنسان الساعي إلى لقمة عيشه بعرق الجبين.

بالأمس صفّق اللبنانيون لمن يدافع عنهم ولمن يحميهم من عدّو لا يعرف أحد كيف يتسلل إلى الذين لا يلتزمون الحجر المنزلي الطوعي، لأن عدم الإلتزام الطوعي بهذا الحجر يعني حتمًا الوقوع فريسة سهلة لهذا المرض الذي يتربص بنا عند أول هفوة تصدر منا.

وحدهم هؤلاء الجنود المجهولون، من أطباء وممرضين ومساعدين، يوصلون ليلهم بنهارهم، متجندين في كتيبة محاربة هذا العدو الخبيث، الذي أرعب العالم قاطبة، ولم يوفرّ أي بلد إلاّ وغزاه، زارعًا الخوف والموت، حيثما حلّ.

وحدهم هؤلاء الذين صفقّنا لهم بالأمس وإنحنينا أمام كِبر تضحياتهم وأمام شجاعتهم الفريدة والإستثنائية، قرروا من تلقاء أنفسهم الإنخراط في صفوف المحاربين الشجعان، دفاعًا عن كل مريض يقاوم، ويقفون إلى جانبهم لكي يتغلبوا على مرضهم، بكثير من الصبر والإيمان والشجاعة.

هذه الوقفة الرمزية ليست عادية وليست سطحية لأنها تخفي في طياتها عمق التضامن الوطني، الذي يتمظهر بأبهى وجوهه في الأوقات الصعبة، وهي ستكون كثيرة متى تخطّينا مرحلة الـ"كورونا"، إذ ما بعد هذه المحنة لن يكون كما قبلها، وقد نكون مقبلين على مرحلة جديدة تبدّلت فيها المفاهيم وتغيرّت فيها الأولويات، بعدما ساوت هذه المحنة بين الجميع، بين الفقير والغني، وبين الكبير والصغير، وبين الرجل والمرأة، بين البعيد والقريب، بين شمال وجنوب.

يُضاف إلى هذه الوقفة الرمزية التضامنية وقفات أخرى تجّلت بتبرعات سخية أقدم عليها مؤمنون بأهمية التضامن الإنساني، في خطوة معبّرة تنمّ عن روح عابرة للطوائف والمناطق، تجمع بين أبناء الوطن المتكاتفين في مواجهة هذا العدو المتربص بهم، على أمل أن تنسحب هذه المبادرات في الأوقات العادية، لما لها من مفاعيل قادرة على مساعدة اللبنانيين على تخطّي أزماتهم المالية والإقتصادية متى إنحسر هذا الوباء إلى غير رجعة.

يوم أمس سيدخل في ضمير الوطن، وسيكون محطة من بين غيرها من المحطات، التي ستذكر في كل مرة سنقول فيها "تنذكر هذه المحنة وما تنعاد".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى منخفض جويّ متمركز فوق اليونان... هذا موعد وصوله إلى لبنان