خبر

المشنوق يصرف مفرداته في غير محلّها

ميسم رزق – الاخبار

ما الذي أصابَ نهاد المشنوق؟ ماذا حصل معه في لحظة التخلي تلك، ليصِف، خلال لقاء انتخابي، منافسي تيار “المُستقبل” في دائرة بيروت الثانية بـ”الأوباش”؟ أياً يكُن ما يؤمن به المشنوق أو ما يتحلى به من “نمطية خاصة”، وبمعزل عمّن يؤيّده أو يعارضه، لا يُمكن لسقطات كهذه إلا أن تكون مُكلِفةً، سواء اعتذر صاحبها أو لم يعتذر. فالخطاب، سواء أكان مباشراً أم بصيغة بيان، يفترض أن يكون محسوباً بعناية شديدة. فكيف إذا جاء على لسان سياسي مخضرم يملِك عقلاً سياسياً وعينَ إعلامي في رؤيته الواقع ومتطلباته، وقدرة على دوزنته؟ حينئذٍ تُصبح المسؤولية مُضاعفة، والمحاسبة كذلك!
الزمن هو زمن انتخابي. وبحكم القانون الانتخابي “الغريب والعجيب”، بات لزاماً على المرشّحين التخلّي عن المنابر والمنصّات والنزول إلى الميدان. الصوت التفضيلي يتحكّم في رقاب الجميع. بسببه، تنتفي حجّة الظرف الأمني. نراهم في الشوارع. في المقاهي. في البيوت. في الأسواق. في الأحياء الفقيرة. يقتحمون منازل البسطاء والفقراء والمنسيين (نموذج منير الصياد الرجل الوطني البيروتي العريق وأحد رموز مقاومة الاحتلال في عام 1982). صار الاستماع إلى كل هؤلاء وغيرهم فرض واجب في أيّ حملة انتخابية. لم نرَ مرشحاً الى الانتخابات يشذّ عن هذه القاعدة. المشنوق واحد من هؤلاء المرشحين، الذين أبدعوا في الفترة الأخيرة في مخاطبة الناس والتقرّب منهم. لكن ما سمعناه منه ــ وما نسمعه من غيره ــ يطرح سؤالاً وجيهاً عن نوعية الخطاب السياسي الذي يجري تسويقه حالياً. خطاب يُباع في طول البلد وعرضه بمناسبة الاستحقاق الانتخابي المُقبل. فهل لم يعُد لدى أيّ مرشّح موهبة إقناع ناخبيه بالخطاب التقليدي؟ وهل بات من الصعب جدّاً إقناع الناس بالسياسة، وجعلهم يستمعون الى محدّثهم من دون مهازل لغوية أو سياسية؟
لا يخرُج كلام المشنوق، خلال لقاء جمعه مع سيدات من بيروت وبشامون في خلدة أول من أمس، وقوله إن هناك “45 ألف صوت بلوك واحد، حركة أمل وحزب الله والأحباش، وفوقهم شوية أوباش”، عن سياق هذه “المهزلة”. وقع المشنوق ضحية اللغة، وهو الشاطر لا بل الأنيق في اختيار مفرداتها، أو ذهب ضحية شعبوية يفسّرها تعامل الجمهور الحاضر بحماسة مع كلمة أضحكت إلى هذا الحدّ. لكن فات المشنوق أن مغامرة من هذا النوع ليست “ربّيحة” دوماً.

لم يخرُق المشنوق “البروتوكول الانتخابي” الدارج هذه الأيام، وقال ما يطلبه المستمعون. فعل ذلك “بطلاً لا مُكرهاً”. أشعل مواقع التواصل الاجتماعي تأييداً ورفضاً، وفي الحالتين، سجّل دعاية انتخابية لصالحه (لصالح ابنه أن يفيده في تقييم الأمر). مع ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى الآتي:
أولاً، المشنوق هو وزير داخلية كل لبنان، ولو كان اسم رئيس حكومته سعد الحريري.

ثانياً، المشنوق رأس وزارة الداخلية المشرفة على سير العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها. وبذلك يكون قد أقحم الوزارة في بازار سياسي في غنى عنه. فمن هاجم المشنوق، أمس، هاجمه بصفته وزيراً للداخلية، لا مرشحاً عن دائرة بيروت الثانية. كذلك، فإن هذه الوزارة هي المشرفة على عمل هيئة الإشراف على الانتخابات، التي تدخل ضمن مهماتها مراقبة الخطابات السياسية للمرشحين. وبالتالي، يكون الوزير قد وضع الهيئة في موقع “المُحرَج”. فهل لهيئة أن تُحاسب مسؤولاً عنها، أقله في لبنان؟ ولو قررت أن تفعل ذلك، ماذا تكون النتيجة؟ ولو أرادت الانتفاضة لكرامتها، هل يكون أقل من استقالة رئيسها وباقي الأعضاء؟
ثالثاً، المشنوق هو الوزير الذي ينتمي إلى أصحاب فكرة ربط النزاع مع الفريق الآخر (المعني هنا حزب الله). وهو الوزير الذي كان من أشد المؤيدين لفكرة الحوار الثنائي بين تياره والحزب. وإذا كان المشنوق قد قصد بكلمة الأوباش “سرايا المقاومة”، لا يعفيه ذلك من خطأ “إهانة” جمهور بيروتي يرى في هذه السرايا ومن فيها والمسؤول عنها جهة تعنيه وتمثّله، وبالتالي وجد نفسه مقصوداً بهذه الكلمة.

حينَ ظهرت “براءة” الممثل البيروتي زياد عيتاني، كان المشنوق أول المُسارعين إلى الاعتذار منه، ومطالبة اللبنانيين بذلك. قال حينها “لا يعرف الظلم إلا من يُكابده”. أول من أمس، أحسّ جمهور، بمعزل عن وزنه، بظلم سياسي بفعل هذا التوصيف، فهل شعر المشنوق بشيء منه؟ فعل الاعتذار في حالة كهذه، يا معالي الوزير، كبير وكبير جداً، ولو خسّرك بضعة أصوات تفضيلية.