نقولا ناصيف – الأخبار
من قصر الأمير أمين في بيت الدين ـ لا من المختارة ولا من دير القمر ـ تعلن اليوم، الحادية عشرة والنصف، لائحة ائتلاف الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والوزير السابق ناجي البستاني في دائرة الشوف ـ عاليه
بائتلاف رعاه النائب وليد جنبلاط، مفاوضه الاول، ترفع لائحة الشوف ـ عاليه عنواناً لها هو “الشراكة والمصالحة”. ما خلا لوائح الثنائي الشيعي في الجنوب والبقاع الشمالي، تكاد تكون اللائحة الانتخابية الاقل ضجيجاً وصخباً واشتباك شركائها، قياساً بالتي تحوط بائتلافات الدوائر الاخرى. مثيرة للانتباه اذ تجمع افرقاء متناقضين تمكنوا من تنظيم تقاسم المقاعد الـ13. كل طرف فيها اكتفى بالحصة الطبيعية، المنطقية له، واقرّ بحصة الطرف الآخر.
هذه المرة، يخوض الشوف بالذات انتخابات غير مسبوقة. لا تشبه ما قبلها حتى: في ظل اتفاق الطائف كان وليد جنبلاط محدلة الدائرة. يأذن بمَن يصعد عليها او ينهي، وإن في حضور نفوذ دمشق متفهّمة هواجسه. في انتخابات عقود الستينات حتى عام 1972، كان الشوف النموذج الاسطع لصراع الزعيمين الاوسع تأثيراً في البلاد لعقود طويلة: كميل شمعون وكمال جنبلاط، وكان واحدهما يُشعر الآخر بأن الشوف يتسع لهما معاً، وإن هما على خلاف وتناحر طويل لا يرتوي ولا نهاية له.
في استحقاق 2018 يُقدم وليد جنبلاط على مجازفتين، بالكاد يسع سواه احداهما:
اولاهما، محاولة انتقال زعامة البيت الى نجله تيمور على الحياة. تصرّف لم يسبق ان خبره في تاريخه البيت الجنبلاطي منذ فؤاد الى نظيرة الى كمال الى وليد. كانت عباءة الزعامة في الاول في العائلة: ايام الست نظيرة عندها، وذهبت النيابة الى صهرها حكمت قبل ان يخلفه بعد وفاته كمال عام 1943. الزعامة في مكان والنيابة في مكان. جمعهما كمال جنبلاط بعد رحيل والدته عام 1951 حتى اغتياله، ثم عاود وليد الجمع بينهما منذ عام 1991. ها هو اليوم يستعيد مع ابنه، وارثه، تجربة تعايش جدته ووالده: يُفسح في الزعامة للحفيد كي يصعد بها على مهل بلا اي اتشاح.
ثانيتهما، اعادة الاعتبار الى التنافس السياسي في جبل لبنان الجنوبي، وتعدّد قواه وتنوّعها على غرار حقبتي الستينات ومطلع السبعينات، بحيث يستعيد الشوف خصوصاً تعدّد بيوته السياسية، فلا تعود المختارة ـ وهو ما تخلّص منه جنبلاط ـ محدلة تقيم في امارة مغلقة. كانت الدعوة الاولى في انتخابات 2005.
بيد انها الآن اكثر اكتمالاً. وهو ما يفسّر اعلان اللائحة خارج المختارة ودير القمر.
ما انتهت اليه لائحة “الشراكة والمصالحة”:
ـ مرشحو الحزب التقدمي الاشتراكي: تيمور جنبلاط ومروان حمادة عن المقعدين الدرزيين وبلال عبدالله عن المقعد السنّي في الشوف، واكرم شهيب عن المقعد الدرزي في عاليه، الى نعمة طعمة عن المقعد الكاثوليكي في الشوف وهنري حلو وراجي السعد عن المقعدين المارونيين في عاليه.
ـ مرشحا تيار المستقبل: غطاس خوري عن المقعد الماروني ومحمد الحجار عن المقعد السنّي في الشوف.
ـ مرشحا القوات اللبنانية: جورج عدوان عن المقعد الماروني في الشوف، وانيس نصار عن مقعد الروم الارثوذكس في عاليه.
ـ ناجي البستاني عن المقعد الماروني في الشوف.
ـ مقعد درزي شاغر في عاليه متروك في الغالب للنائب طلال ارسلان.
في ظل القانون الجديد للانتخاب والصوت التفضيلي الذي يرجّح كفة الفوز، اختار جنبلاط بلوغ بضعة خيارات تجعله في التقويم السياسي ـ كما الحسابي ـ رابحاً رئيسياً بلا عداوات، في منطقة باتت مفتوحة على اكثر من خصم سياسي مسيحي، وماروني تحديداً:
1 ـ الابقاء على ثلاثة مقاعد درزية على ان يكون رابعها شاغراً بارادته، تالياً الامساك بالبيت الدرزي في البرلمان على نحو ما هو عليه الآن. الا ان المرحلة المقبلة ستكون بين ايدي تيمور. ظل الشوف عنده ونصف عاليه، واوصد دون الوزير السابق وئام وهاب احتمال اختراق مقعد درزي. في صلب تعاونه، للمرة الاولى، مع ناجي البستاني انهاء اي ائتلاف محتمل بينه ووهاب على مقاعد الشوف من شأنه بلوغ حاصل انتخابي ونصف حاصل، ما يجعل فرصة اختراق مقعد درزي متاحاً. باجتذاب البستاني اليه، عطّل جنبلاط تماماً اي مغزى لترشّح وهاب وفوزه.
2 ـ رغم الالتباس الذي لا يزال يحوط بإبعاد برجا عن اللائحة، عبر مرشحين من شحيم احدهما بلال عبدالله في حزب جنبلاط والآخر الحجار في تيار الحريري، الا ان تعاون الزعيمين الدرزي والسنّي افضى الى مقايضة اكسبت كليهما: انابة الماروني خوري في مقابل المقعد الدرزي في الدائرة الثانية من بيروت. بيد ان لهذه المقايضة تتمة تقود الى دائرة اخرى: انور الخليل في لائحة الرئيس نبيه برّي في حاصبيا ـ مرجعيون. بذلك لا يكتفي جنبلاط بحماية البيت الدرزي فحسب. بل يحوز حصة الطائفة كاملة تقريباً في مقاعد البرلمان كما في كل الحالات: سبعة من ثمانية، ما يجعله الزعيم السياسي الاكثر تمثيلاً لطائفته. ليس الاول فقط، لكنه الوحيد الى حد كبير.
3 ـ حافظ كذلك على المقعدين المارونيين في عاليه والمقعد الكاثوليكي في الشوف، وثبّت ما كان اخذ به في انتخابات 2009 بتخليه عن مقعدين مارونيين لحزبين هما القوات اللبنانية وحزب الوطنيين الاحرار. أُخرِج الاخير من المعادلة بابداله بمرشح للحريري، وحافظ على بقاء عدوان في لائحة الائتلاف زائداً المقعد الارثوذكسي في عاليه، وكان في انتخابات 2009 في حصة حزب الكتائب. البارز هذه المرة تخلي جنبلاط عن المقعد الماروني الثالث الذي كان لا يزال منذ عام 2009 يحتفظ به، وحلّ فيه النائب ايلي عون.
4 ـ على ان للائحة الاقل اضطراباً وتفاوضاً شاقاً، وجهاً آخر معاكساً تماماً، هو انها لائحة متنافرين في المواقع والمواقف السياسية، واحياناً الخيارات: تجمع الندّين المتباعدين تيار المستقبل والقوات اللبنانية اللذين اخفقا في التحالف في معظم الدوائر ما خلا عكار والبقاع الشمالي. هو نفسه التناقض بين جنبلاط وحزب سمير جعجع “غير المهضوم” في حساباته السياسية، والتناقض بين القوات اللبنانية وناجي البستاني اذ ناوأت تحالف الزعيم الدرزي معه. اضف تناقضاً ملموساً بين جنبلاط وناجي البستاني رغم ان بين العائلتين ماضياً تناقضت حقبه منذ ثلاثينات القرن الفائت امتداداً الى ثمانيناته الى البارحة: علاقة وطيدة جمعت نظيرة جنبلاط بالمطران اغوسطين البستاني، انتقلت من ثم في الحقبة الشهابية الى كمال جنبلاط ابان التصاقه بها والمدّعي العام التمييزي نبيه البستاني والد ناجي، وصولاً الى الافتراق في علاقة وليد جنبلاط بزاهي البستاني شقيق ناجي رأس فريق الرئيس بشير الجميّل والمدير العام السابق للامن العام، انتهاء بالتنافس الانتخابي في الشوف بين موارنة البيت الجنبلاطي وناجي البستاني على رأس لائحته في انتخابات 1996 و2000.