خبر

«المستقبل» و«القوات»: ما بعد 7 أيار لا كما قبله

هيام القصيفي – الاخبار

خريطة التحالفات بين تيار «المستقبل» و«القوات» اللبنانية باتت واضحة، وكذلك توضحت صورة الاتفاق السياسي بينهما. وكلا الطرفين ينتظران 7 أيار، ليُبنى عل الشيء مقتضاه، فهل يمكن رئيسَ الحكومة أن يتخطى القوات حكومياً كما تخطاها نيابياً؟

توقف التفاوض الانتخابي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية في الساعات الأخيرة، ليقفل الباب على تفاهم انتخابي ثنائي يشمل بالحدّ الأقصى دائرتي عكار والبقاع الشمالي، وتفاهم ثلاثي مع الحزب التقدمي الاشتراكي في بعبدا والشوف ـ عاليه.

فشل الوزيران غطاس خوري وملحم الرياشي خلال المفاوضات الماراتونية التي خاضاها طول الأسابيع الماضية، في كسر الجو السائد حول الرئيس سعد الحريري، ولا سيما من جانب مستشاره نادر الحريري. فالأخير يؤيد عدم التحالف في أيٍّ من الدوائر مع القوات، مفضِّلاً التعاون الانتخابي مع التيار الوطني الحر، رغم شروط الأخير التعجيزية. علماً أن خوري كان ميالاً إلى تعميم تجربة التحالف الثنائي في دوائر أخرى، حيث تقتضي مصلحة الطرفين.

بعد عودته الأخيرة من السعودية، كان الحريري منفتحاً على مروحة من الاتصالات من أجل إعادة تزخيم الحالة الانتخابية لفريقه وتحقيق فوز لا يقلّ عن عشرين مقعداً. وحين بدأت الاتصالات، ظهر وكأن الحريري يتجاوب مع رغبة الرياض في تمتين تحالفه مع أصدقائها في لبنان، و«القوات اللبنانية» في مقدمها. وعلى هذا الأساس، فتح الحوار الانتخابي مع القوات، بعد قطيعة سياسية، وتكرست أول خطوة عملية، في التفاهم في بعبدا وعاليه ـ الشوف. علماً أن المستقبل والاشتراكي هما اللذان صاغا التفاهم، فيما كانت «القوات» تعارض ترشيح النائب وليد جنبلاط للوزير السابق ناجي البستاني، لمصلحة غطاس خوري. لكن المستقبل لم يبادر إلى تبني مطالب «القوات»، بل أرسى تفاهمه مع جنبلاط، لتعود «القوات» وتؤكد متانة علاقتها به، بمعزل عن «المستقبل»، وتتبنى التفاهم الانتخابي معه في جبل لبنان.

بعد هذه الخطوة، ظهر وكأن حظوظ التفاهم ستعزز في أكثر من دائرة، ولا سيما أن المفاوضات بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، لم تكن قد وصلت إلى تفاهمات جدية، لخلافات حول المقاعد المسيحية والحصص الكبيرة التي يطالب بها التيار، ويرفض المستقبل إعطاءها له. لكن ما حصل هو العكس.

شكلت دائرة الشمال الثالثة (الكورة والبترون وزغرتا وبشري) تحدياً انتخابياً للتيار الحر والقوات معاً، في حوارهما الانتخابي مع الحريري. فهذه الدائرة تشكل عصباً مسيحياً قوياً، وهي كما سبق وقيل، ساحة الاستحقاق الرئاسي للقوات والتيار والمردة على السواء. وساد اعتقاد في أوساط سياسية، أن المستقبل سيقسّم أصواته ولن يتخلى عن «تيار المردة»، نظراً إلى العلاقة التي ربطت الحريري بسليمان فرنجية وترشيحه له لرئاسة الجمهورية.
ومع تبيان خريطة المرشحين النهائية، والمفاوضات التي قادها «التيار الوطني» مع «المستقبل»، وشخصيات مسيحية شمالية، انحاز الحريري إلى حلفه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فرجحت كفة هذا التحالف على حساب التفاهم بين «القوات» و«المستقبل». وظل الكلام عن احتمال تحقيق خرق قواتي مستقبلي في دائرة الشمال الثالثة مجرد احتمال، فيما ظهر أن الاتفاق بين باسيل ونادر الحريري كان أقوى و«أعمق». وبذلك يمكن استخلاص الصورة الأخيرة قبل الإعلان النهائي للوائح:

عملياً، انحصر تحالف «القوات» و«المستقبل» في دائرتي بعلبك ـ الهرمل وعكار. رشحت «القوات» فيهما جنرالين سابقين في الجيش اللبناني، العميد سليم كلاس قائد اللواء الثامن سابقاً، وهو كاثوليكي، والمرشح الماروني طوني حبشي، والعميد وهبه قاطيشا في عكار للمقعد الأرثوذوكسي.

في الدوائر التي ترى «القوات» أن لها فيها ثقلاً أساسياً، كدائرة الشمال الثالثة، تحالف المستقبل مع «التيار الوطني»، كما في زحلة وبيروت الأولى، وينتظر استكمال تحالفه معه في جزين. فيما تحالفت «القوات» مع حزب الكتائب في دائرتي زحلة وبيروت الأولى، ورغم أن مساعي التفاهم في الشمال الثالثة قائمة لتعزيز حظوظ الفوز للطرفين، إلا أنهما لا يبدوان متفائلين بإمكان تحقيق تقدم جدي في هذا الإطار. ولم تتحالف «القوات» مع «التيار الوطني»، في أيٍّ من الدوائر الانتخابية، والكلام بينهما حول الانتخابات شبه متوقف، وكذلك الأمر لا تحالف انتخابياً مع تيار «المردة». فيما تحالفت «القوات» مع مستقلين كما في دائرة المتن.

سياسياً، تكرس الجو القائم منذ أشهر بأن لا اتفاق سياسياً بين «المستقبل» و«القوات»، رغم الحوارات المتواصلة وقنوات الاتصال المفتوحة. فلا الاجتماع المفترض بين الحريري وجعجع عُقد، ولا لبى الحريري تمنيات الرياض، ولا نجح التواصل بين الطرفين في تحقيق تفاهم انتخابي شامل، يكرر تجربة عام 2009. لا بل إن الانقلاب الفعلي حصل عام 2018 بتفاهم الحريري – باسيل على حساب تفاهم الحريري – جعجع، ولا سيما أن تفاهم الحريري مع باسيل، قدَّم إلى رئيس الحكومة ضمانات حتى الآن تتعلق برئاسة الحكومة اليوم وما بعد الانتخابات، إضافة إلى ترتيبات اقتصادية ومالية وإدارية متنوعة عبر شبكة مصالح بين الطرفين باتت أمراً واقعاً.

لكن انتخابات 6 أيار تأخذ بعداً آخر، لأن استحقاقاً آخر ينتظر «القوات» و«المستقبل»، فما لم يأخذ به الحريري من نصائح سعودية قبل الانتخابات هل يأخذ بها بعد صدور النتائج، وعند تشكيل الحكومة الجديدة؟ الأكيد أن 7 أيار 2018 سيكون يوماً آخر لكلا الطرفين، ومعه تبدأ مرحلة جديدة من الحوارات ما دام الاتفاق السياسي مجهول المصير.