"العنف يقابله العنف"، هذه خلاصة مشهد تحرّكات ليل أمس، ففائض العنف الذي مارسته القوى الأمنية في الأيام السابقة على المتظاهرين، لم يدفعهم إلى الوراء وإنّما جاء بنتيجة عكسية، فهؤلاء لم يعودوا يخشون لا القنابل الحارقة ولا الرصاص المطاطي ولا التوقيف.
انتقادات عدّة وجّهت، للشبان والشابات الذين قابلوا هجوم مكافحة الشغب بهجوم مماثل، حتى تحوّلت الساحة إلى معركة، بين الباحثين عن الحقوق، وبين المدافعين عن آكلي هذه الحقوق، وفق ما يصفهم المتظاهرون.
3 مسيرات سلمية فمواجهة
تحرّكات يوم أمس بدأت بـ3 مسيرات، توزعت نقاط انطلاقها بين البربير وساحة ساسين والدورة، أما البوصلة فكانت مجلس النواب. نصف ساعة هو الوقت الفاصل بين وصول المتظاهرين إلى مداخل المجلس واندلاع المواجهة، التي استمرت حتى الساعة الـ10 مساء. وذلك بعد تدخل الجيش اللبناني ومرافقته بعض المجموعات من المتظاهرين التي تراجعت بفعل دخان القنابل حتى جسر الرينغ.
القنابل المسيلة للدموع كانت تتساقط في كل مكان يتواجد فيه المتظاهرون وبعشوائية، وكذلك الرصاص المطاطي، أما الرد فكان يأتي بالحجارة والمفرقعات. وعلى هامش كل هذا الاحتدام بين "الشغب" والشعب"، تسللت مجموعة من حرس مجلس النواب وأحرقت الخيم تحت مبنى العازارية.
"مرتزقة"..
"بيروت للبيارتة"، "بيروت لأهلها"، هي التعابير التي ألصقها رئيس الحكومة سعد الحريري باللائحة التي دعمها في الانتخابات البلدية عام 2016، وذلك في مواجهة "بيروت مدينتي". في حينها العديد من المستقبليين استخدموا مصطلح "الجلب".
تعبير "المرتزقة"، ومع محاولة بعض "المستقبل" تلطيفه، معللين بأنّ الحريري يقصد المندسين، قُرأ في الشارع، على أنّ المقصود به، طرابلس وعكار والبقاع، إذ توافد العديد منهم يوم أمس إلى بيروت للمشاركة في التحركات. وهذه القراءة ليست تجنّياً على من فزر بيروت يوماً بين "الأصل" و "الجلب".
وفيما استذكر الحريري حلم الشهيد، غاب عن باله حلم "المرتزقة"، هؤلاء الذين لم يبقَ لديهم أيّ شيء في هذا الوطن، إلاّ هذه الثورة، فآثروا التعلق بها حتى الرمق الأخير.
هؤلاء المرتزقة، هم أساتذة، طلاب جامعات، مهندسون، أطباء، "أبناء بيوت".. هؤلاء قبل شهور عدّة لم يعرفوا الشغب وما أرادوا أن يعرفوه لولا ضاق عليهم الوطن بفساده وانهياره ومحاصصة زعمائه... هؤلاء المرتزقة هم الوطن و"المستقبل".. فطوبى للمرتزقة.