وحذّر جنبلاط من أن الاقتصاد اللبناني على باب الانهيار إن لم يكن ينهار، ودعا إلى مقاربات مختلفة لمجمل هذا الملف تخرج عما كان سائدا في الخدمات والسياحة والانتقال إلى قطاعات إنتاجية والزراعة. وتحدث جنبلاط عن الكلفة الكبيرة التي التب رتبها قطاع الكهرباء على خزينة الدولة، مستغرباً عدم إنشاء معامل جديدة رغم الإمكانات. ولفت إلى أن الحديث عن استعادة الأموال المنهوبة يجب أن يبدأ من المطالبة بقضاء مستقل نزيه.
ودعا جنبلاط المغتربين إلى مدّ يد الشراكة والدعم لتوفير الحاجات الأساسية للصمود، وقال: "ليكن شعارنا الصمود الاجتماعي، الصمود على أرضنا وزراعتها، والصمود في دعم مؤسساتنا، ودعم التعليم".
جنبلاط الذي تحدث عن خطة لتطوير وتحديث الحزب التقدمي الاشتراكي؛ وذكّر بكثير من المراحل التاريخية التي خاضها الحزب، أمل أن يتمكّن الحراك الحالي في لبنان من تحقيق نتائج على مستوى إلغاء الطائفية السياسية وإنتاج نظام مدني، وأن يصلوا إلى قانون انتخابات على أساس غير طائفي.
كلام جنبلاط جاء في حديث عبر اتصال هاتفي مع عدد من أبناء الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا؛ قال فيه إنّ الحزب التقدمي الاشتراكي "بحاجة إلى تحديث وتغيير على صعيد وسائل الإتصال وفي طريقة التعاطي للوصول إلى الحداثة أو العصرنة والإنفتاح على الشباب". وأضاف: "ثورة 2005 التي كانت آنذاك موجهة ضد الوجود السوري هي غير ثورة 2019، وقد بدأتُ بالمعالجة بهدوء آخذًا بعين الاعتبار أن ثمة رفاق كانوا معي على مدى أربعين سنة من النضال، وبصراحة لست مستعدًا لأن أضحي بهم، فسأجد طريقة بأن يأخذ كل منهم مكانه، او يتراجع، وسيكون هناك مجلس قيادة جديد للحزب قريباً".
وقال جنبلاط إنّ "الاقتصاد على باب الانهيار إن لم يكن ينهار، بالأساس لبنان لا يمكن ان يستمر كما استمر عبر عشرات السنين بلد خدمات وسياحة وفنادق ومطاعم ومصارف دون إنتاج، هذا غير صحي، وأنتم في الولايات المتحدة الاميركية تخوضون اليوم حربًا لحماية الانتاج الوطني مع الصين وغير الصين، فكيف في لبنان دولة تستورد عشرين مليار دولار في السنة وتصدر 2 مليار فقط؟! هذا غير صحي وغير منطقي، وبرأيي المتواضع لا بد من حماية الزراعة والصناعة ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا ينقص اللبناني الكفاءات في الدخول في العصر الجديد وغيره".
ولفت جنبلاط النظر الى أنه "لا بد ايضا من السيطرة على المعابر الشرعية وغير الشرعية، لأن مصدر الدخل في لبنان له معايير مختلفة"، وأعطى مثالاً على الفرص الضائعة في مرفأ بيروت، الذي كان على باب ان يتوسع، "فمرفأ بيروت جداً مهم للاقتصاد اللبناني، دخلت عناصر داخلية وخارجية منعت توسيع المرفأ عندما كان غازي العريضي وزيراً الأشغال، واليوم نكتشف بأن الروس سوف يستثمرون 500 مليون دولار في مرفأ طرطوس من أجل توسيعه، الذين يزايدون طائفيا في لبنان غالبيتهم يعملون بشكل او بآخر لصالح الاقتصاد السوري".
وتابع جنبلاط: "أهم أسباب العجز 40% من عجز الكهرباء، وهذا الأمر ما قبل انتخاب ميشال عون، عندما ومع الأسف يبدو جرى تفاهم ما بين سعد الحريري وجبران باسيل قبل انتخاب عون وأتت تلك البوارج التركية. ومنذ اكثر من ثلاث سنوات لم نستطع ان نبني معمل كهرباء في لبنان. خيرة المهندسين وخيرة الشركات في السعودية وغير السعودية وفي كل مكان وصل بها ان تبني عشرات معامل الكهرباء، وفي لبنان لم نستطع، ومُنعنا ان ننشأ معمل كهرباء كي نستقل".
وحول مطالب الحراك قال جنبلاط إن "تغيير الطبقة السياسية جداً مهم، لكن حاول كمال جنبلاط على مدى ثلاثين سنة تغييرها وإلغاء الطائفية السياسية عبر قانون انتخابي لا طائفي وبقانون احوال شخصية مدني وبمجلس شيوخ طائفي ليحقق توازن. آمل ان يصل الحراك لأننا كلنا متهمين من قبله بأننا فاشلون- ولا مشكلة بأن نقبل التهمة، آمل أن يصل الحراك الى هذه النتائج، اهمها قانون انتخاب لا طائفي، وهنا لا أعتقد وهذا شك او هذا حدس من قبلي، لا أعتقد أن الحريري او الكنائس او حزب الله يريدون التغيير لصالح إلغاء الطائفية السياسية، فهم يتناغمون على بقاء الطائفية، هذا رأيي بالرغم من مظاهر الشارع".
ورأى جنبلاط أنّه في "آخر ثلاثة أيّام أخذ الإعتراض على تسمية حسّان دياب منحى العنف الغير مقبول، وتسكير الطرقات، وهذه أيّام خطيرة ومزعجة، لكن نعم للتظاهر السلمي، انما تسكير الطرقات كما تعلمون هو اولاً على الذين يذهبون إلى اشغالهم وقد يخلق توترات مذهبية بغنى عنها".
وحول نتائج الإستشارات النيابية قال جنبلاط: "في ما يتعلق بتسمية رئيس الوزراء الجديد أنا مع التغيير، لذلك اخترت نواف سلام، فهو رجل محترم وخارج الطبقة السياسية المعروفة، واستغرب لماذا سعد الحريري لم يدعم نواف سلام، واستغرب ايضاً لماذا القوات لم تؤيد نواف سلام، ولكن غلطة الشاطر بألف، الا اذا كانوا يريدون البقاء على النظام القديم".
واعتبر جنبلاط أنّ "الجبل ولبنان على مشارف الجوع، ولذلك فإن خطوات الحزب الأولية التي يقوم بها هي دعم الأسر المحتاجة بالمازوت على مدى أربعة أشهر، توزيع حصص غذائية ابتداءً من أول كانون أول، المبادرة بتشجيع زراعة القمح والعدس والحبوب، وهذا سوف يعطي نوعا من الاكتفاء الذاتي عند الحصاد، تأمين مخزون للأدوية لأن بعض الادوية فقدت، الاهتمام قدر الامكان بالحالات المرضية في المستشفيات. أقول قدر امكانات الحزب، والمطلوب من الجالية في الخارج اذ امكن دعم المؤسسات (مستشفى عين وزين، مستشفى الايمان). والمساعدة انتم ونحن في خلق افكار جديدة لفرص عمل لمتوسطي الدخل، ودعم اللجنة الاجتماعية للمجلس المذهبي ودار الطائفة الدرزية، العرفان والاشراق، هذه بعض الافكار، وأفضل ان يكون الدعم مركزي موحد، نحن ببداية ازمة طويلة وطويلة جداً لبنان القديم انتهى ولكن الأهم الصمود في الجبل".
وردّاً على سؤال قال جنبلاط: "حددت مجلات الدعم، المؤسسات المعروفة والناجحة، دعمها مالياً وبالادوية، ودعمها طبياً من اجل صمود المواطن، ثم هناك حاجة لخطة مستقبلية، الجبل كان يعيش مثلما كان يعيش كل لبنان على الخدمات الكويتية والسعودية إلخ.. نحتاج الى اقتصاد منتج، استبدال الاقتصاد الاستهلاكي باقتصاد منتج لصغار ومتوسطي الدخل، هناك مؤسسات موجودة او ايجاد اخرى من اجل ان اعطاء قروض صغيرة بفوائد مقبولة من اجل دعم صغار المنتجين وصغار المحتاجين".
وحول كيفية الوصول إلى تحقيق الدولة المدنية أيّ فصل الدين عن الدولة واستقلال القضاء؛ اجاب جنبلاط: "شعارات الثورة جميلة جداً في هذا المجال لكن لم يحددوا الوسيلة الى الوصول الى فصل الدين عن الدولة او الى الدولة المدنية، تجربتي السابقة مبينة على تجربة كمال جنبلاط، انا متشائم قليلا، حتى الزواج المدني الاختياري مُنع من قبل الكنائس والجوامع، لذلك لا ارى املا مع الاسف، ربما اذا حصل قانون انتخابي جديد ووصلت طبقة سياسية جديدة يمكن التغيير من الداخل، اما في ما يتعلق بالقضاء لدينا قضاة ممتازين، لكن عليهم ان يكونوا مستقلين عن السلطة السياسية، "ما بتمشي" سلطة القانون اذا لم يستقلوا عن الوصاية السياسية، وهذا ممكن ويلزمه جرأة، واعطي مثلا، في ايطاليا منذ 20 عاما هناك قاض اسمه ديبيتروا حارب المافيا وتقريبا انهكها بعد ان رأت السلطة السياسية ان المافيا سرطان، الامر مطلوب نفس الشيء من قبل السلطة السياسية في لبنان، لكن لم ار في حياتي ومن خلال تجربتي سلطة سياسية اسوء من تلك السلطة التي اتتنا آخر ثلاث سنوات".
وردّاً على سؤال الى متى سيستمر احتكار حزب الله للقرار الداخلي في لبنان ومتى يأتي دور مقولة المعلم كمال جنبلاط بدون تمرد لن نبني لبنان، قال جنبلاط: "ليكن شعارنا الصمود الاجتماعي، الصمود على أرضنا اليوم، زراعة الارض، الصمود في دعم مؤسساتنا دعم التعليم، الصمود الجسدي في ارضنا، التمرد كلمة سهلة، اصطدمنا بسوريا وبالجيش اللبناني وبكل هذه الامور، حزب الله باق، انتم تعلمون ان حزب الله معادلة اقليمية اكبر منا، واذا هناك احد يعتقد ان الدول الكبرى الا فرنسا مهتمة في لبنان، فلبنان بالنسبة لغير دول مسرح تتفاوض او تحارب على ظهرنا، فدعونا نتواضع قليلا، صمودنا الداخلي كمجموعة صغيرة في البلد - طبعا لسنا وحدنا، نحن والمواطنين واخواننا اللبنانيين، لكن انا احدد منطقة الجبل والبقاع الغربي واقليم الخروب الخ".
وعن قرار الحزب عدم المشاركة في الحكومة وتأثير هذا القرار على خدمة مجتمع الجبل اقتصادياً، قال جنبلاط: "بالأساس عندما كنا بالحكومة كنا نستطيع ان نخدم، لكن تخدم واحداً او اثنين ويبقى مئة من غير خدمات، وأنتم تعرفون قدرتنا على التأثير كأقلية درزية وكأقلية حزبية، محدودة جدّاً، دعونا نعمل معكم على برنامج صمود على المدى الطويل في كل المجالات الصحية الاجتماعية الاكاديمية وعليكم مساعدتنا كذلك بخلق أفكار، كيف نضع قاعدة انتاجية في الجبل، قاعدة انتاجية متوسطة طبعاً، دائماً تتم مطالبتي بفتح معامل كبيرة، كلمة جميلة، لكن المؤسسات الصغيرة أفضل، بأيّ مجالات؟ ليس لدي جواب بالوقت الحاضر، اقوم بعمل دراسة".
وعمّا إذا كان يعتقد ان الحكومة العتيدة قادرة على اصلاح البلد وانقاذه من الوضع الاقتصادي وملاحقة الفاسدين وما هو موقف الحزب واللقاء الديمقراطي من هذه الحكومة؛ اجاب جنبلاط: "اخذنا موقفا بعدم المشاركة. لا هذه الحكومة ولا غيرها من الحكومات السابقة، عندما كان سعد الحريري موجودا، من دون تحالف وتفاهم لا حكومة وصلت الى نتيجة، كانت النتيجة التي وصلوا اليها الهروب الى الامام، بيع القطاع العام (الخصخصة) لكي يجلبوا بعض الاموال و"يشدوا الاثنين" هذا اسهل الحلول واسوأ الحلول".
وعن زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل الى لبنان وما يمكن ان تقدمه واشنطن من دعم الى الحكومة والشعب اللبناني، اجاب: "حتى الآن الحكومة الاميركية تدعم ايجابيا لبنان من خلال دعم الجيش اللبناني، وتعلمون ان في مرحلة معينة تأخر دعم الجيش ثم اعادوا الاعتبار وقرروا دعمه وهذا مهم جدا، لان هناك اوساطًا في لبنان لا تريد الدعم الاميركي للجيش. أمّا في ما يتعلق بدعم هذه الحكومة فتعلمون ديبلوماسيا يجيبونك هذا أمر يعود اليكم، لذلك أقول وأستغرب مجددا وأكرر انني واضح في السياسة، اذا كانوا لا يريدون - معظم المسؤولين السُنة، لا يريدون حسان دياب فليقولوا له نحن لا نريدك بطرق اكثر حضارية-، وأذكّر بأننا خسرنا فرصة سمير الخطيب، كان يمكن على سمير الخطيب ان يؤلف حكومة مؤقتة ولديه كفاءة كبيرة، وحسان دياب ايضا، ولكن سمير الخطيب كان ممكناً، صدرت اصوات العائلات البيروتية وغير البيروتية ترفض سمير الخطيب، هذا لعب بالنار لأنه في كل يوم الاقتصاد يتراجع".
وعن الأسماء التي يمكن ان توّزر في الحكومة من الطائفة الدرزية وموقف الحزب العام من كل التطورات قال جنبلاط: "عندما تقرر شيئاً عليك ان تقرر ان تكون متضامنا مع نفسك. نحن لن نشارك ولن نسميّ، من يرغبون بتسميتهم من الدروز ليس لي علاقة، انتهى الموضوع، نحن لا نسمي لأنه اتهمنا من بعض الحزبيين وغير الحزبيين، "كلن يعني كلن". نحن لن نشارك، لدينا عملية إصلاح أهم من المشاركة، وهي كيفية دعم صمود اهل الجبل، اما التطورات الاقليمية او غيرها، احيانا المرء ينظّر ولكن خلينا عالارض".
وردّاً على سؤال اين اصبح موضوع الموقوفين في حادثة قبرشمون، قال جنبلاط: "معنويات الموقوفين عالية، والحزب يهتم بكل شيء وبعائلاتهم، لا توجد مشكلة، القضية طويلة، كنا نأمل بعد اجتماع المصارحة والمصالحة في بعبدا أن نخطي خطوة للمعالجة، عبر إسقاط الحق الشخصي في ما يتعلق بالشويفات وقبرشمون والبساتين ولكن لا اريد التعليق".
وحول التحديث في الحزب؛ قال: "لدينا خطة، لكن لا اريد حرق المراحل"، مضيفا: "بعض الذين نزلوا الى الحراك من الحزبيين حراكهم مفيد، ولكن حراكهم ينسى 40 او 50 عاما من التضحيات للحزب في شتى المجالات، ينسى فكر كمال جنبلاط وآلاف الشهداء وكيف كنا حتى في ظل الحكم السوري نعاند ونقاوم السوري، ينسى حرب المخيمات ومعارك سوق الغرب، فجأة كله صار منسيا، ماشي الحال ما في مشكل، كأننا حزب اتى من القمر". اضاف: "كمال جنبلاط اول من أسقط حكم الفساد عام 52 عندما اسقط بشارة الخوري مع كميل شمعون وغسان تويني وعبدالله الحاج، وقتها كان بجبهة النواب السبعة، المسألة تحتاج الى تفكير، لا اريد الآن الإنفعال، سوف اعمل جهدي بتطوير الحزب، لم اقل إصلاحاً، يوجد الكثير من المناضلين في الحزب، كل واحد يأخذ دوره وفي الوقت المناسب يتقاعد".
وعن اقتراحاته لاستعادة الاموال المنهوبة؛ أجاب جنبلاط: "استعادة الاموال المنهوبة تحتاج الى قضاء مستقل وآلية معينة واتهام واضح، اليوم بالشعارات جميعنا صرنا سارقين. اتهام واضح، طبعا تقنيا، الذي وضع امواله بسويسرا لا اعتقد يرجعها، لكن الذي ما زال يستمر في السرقة خاصة في مجال الكهرباء او بموضوع الزبالة تستطيع محاسبته، ولمحاسبته نحتاج الى حكومة وقضاء، نقطة الصفر هي القضاء".
أخبار متعلقة :