عاش لبنانُ، خلال اليومَيْن الماضيين، أوقاتاً عصيبة بعدما غزت الحرائق أحراجه من شماله إلى جنوبه، ومن جبله إلى بقاعه، وسط جهود جبارة بذلها فرق الدفاع المدني والمتطوعون وحدات الجيش إلى جانب مبادرات فردية من قبل الأهالي، للعمل على إخماد الحرائق في محاولة للحفاظ على "لبنان الأخضر".
وقد استمرّت عمليات إخماد الحرائق حتّى اليوم، فيما بقيت نشبت حرائق متفرّقة في مناطق مختلفة. وفي هذا السياق، تواصل وحدات الجيش والقوات الجوية بالإضافة إلى الطوافات القادمة من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة قبرص، أعمال إخماد الحرائق لمنع تجدّدها في مناطق: مزرعة يشوع، ملتقى النهرين، داريا وبعورتا، بحسب بيان صادر عن قيادة الجيش.
وفيما شهد لبنان ارتفاعاً في درجات الحرارة في الأيام الماضية، مصحوباً بجفاف التربة والأعشاب واشتداد سرعة الرياح، أبلغت مصلحة الأرصاد الجوية "لبنان 24" أنّ درجات الحرارة ستعود إلى طبيعتها الموسمية بمعدّل 28 درجة مئوية وهو الحدّ الأقصى للمعدّل الطبيعي في مثل هذه الأيام.
قد يكون كل ما سبق من كلام عن أحوال الطقس بات مشهداً عادياً بالنسبة للكثيرين، خصوصاً في بلد اعتاد اللبنانيون فيه على التكيّف مع الظروف والمصائب، حتى حوّلوها إلى نكات ومزاح في كثير من الأحيان أو حتى في غالبها. هو المشهد المؤسف المبكي الذي يضعنا في خانة العجز عن إصلاح أنفسنا، فيما الفساد يتآكلنا من "رأسنا وحتّى أخمص قدمينا"...
وأمام هذا المشهد يمكن القول إنّ الحرائق التي "ألهبت" خريف لبنان شكّلت "جرس إنذارٍ" لدولة كانت تثبت يوماً بعد يوم أنّها مهترئة بكامل بنيتها ومؤسّساتها وأجهزتها، جوفاء قرارتها، دولة لا قيمة لحياة الإنسان فيها، في غالب جوانب الحياة، من النفايات إلى الغذاء إلى المحروقات والرغيف والدواء وصولاً إلى أزمة المطار المتجددة من حين إلى آخر... دولة يتآكلها الفساد والصّدأ، وعبثاً تحاول قلّة قليلة التغيير في وقت يتقاذف فيه السياسيون المسؤوليات من دون أن يكون لديهم الجرأة في تحمّلها. أمّا فلا حول له ولا قوّة، يبقى الحلقة الأضعف في الحرب والسلم، في الانكماش وحتى الرخاء إنْ توفر.