خبر

جعجع: الأسد والإيرانيون لا يريدون عودة النازحين

في لبنان المحاصر بالنزاعات الإقليمية، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يربط نزاعاً مع القضايا السياسية، وينصرف الى الخطر الداهم: انهيار الدولة تحت وطأة العجز الاقتصادي. ولكن وبلغة الواثق يؤكد ان “ثورة أرز” جديدة يمكن ان تندلع بلحظة “إذا تخطى البعض حدوده”. ثابت في موقفه من النظام السوري ويعتبره فصيلاً من الفصائل المتناحرة في سوريا، وجزءا من منظومة إيران في المنطقة. برأيه المواجهة العربية مع إيران تحتاج الى ان تلقي مصر بثقلها في المعركة. اما “حزب الله” فلن يستطيع نسخ تجربة “الحشد الشعبي” في العراق، ولا إحداث أي تغيير في بنية النظام اللبناني. جعجع في حديثه الى “اندنبدنت عربية”، يجعلك في منزلة بين منزلتين. ويترك لنزعتك الشخصية ان تشدك إما الى التفاؤل او الى التشاؤم. وهذا هو الحوار الذي عليه تبني المقتضى.

ما مصير هذه الحكومة في ظل أن “حزب الله” وحزب الرئيس عون يحاصران رئيس الحكومة بتهم الفساد وتنازع الصلاحيات؟

لا يمكن أن نعتبر أن الأمور وصلت إلى هذا الحد. فقد حصل بعض الإشكالات ما بين “التيار الوطني الحر” ورئيس الحكومة، إلا أننا لا يمكن أن نعتبرها حتى الآن خلافاً أو تنازعاً على الصلاحيات. وبكل الأحوال دعوني أقول إنه منذ أيام الجمهوريّة الأولى حتى اليوم، لطالما كان التنافس على توزيع الصلاحيات إحدى سمات نظامنا اللبناني، إلا أن المعطى الجديد الذي ظهر مؤخراً هو أن الحرب على الفساد التي أعلنها “حزب الله” كأنها تبدو غير جديّة. وكأنها تحمل في طياتها أهدافاً سياسيّة أكثر من الأهداف التي ترتبط بمسألة مكافحة الفساد. إلا أنه في كل الأحوال أفضِّل أن ننتظر الأسبوعين المقبلين من أجل أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وما استوقفني هو موقف “حزب الله” في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الذي كان مؤشراً بالنسبة إليّ، لذا أقول إنني لا أعرف مدى جديّة الحزب في عمليّة مكافحة الفساد والإصلاح، إلا أنه يجب علينا عدم إطلاق الأحكام النهائيّة، وما سيحصل في الأسبوعين المقبلين في جلسات مجلس النواب ومجلس الوزراء سيحدد من هي الأطراف الجديّة في عمليّة محاربة الفساد.

هل هناك بلد في العالم كلّه اعتمد سياسة ربط النزاع وتمكّن من إرساء مؤسسات الدولة وأوجد الاستقرار السياسي واقتصادي؟ فالسياق يُظهر في الأعوام المنصرمة أن عمليّة ربط النزاع والمهادنة في مسائل الفساد وقيام الدولة لم تصل إلى أي نتيجة؟

لم أعنِ بالانتظار قبل إطلاق الأحكام النهائية، المهادنة أو ربط النزاع، وإنما لنرى مدى جديّة الأطراف كافة في محاربة الفساد، وإذا ما كان الأمل سيكون كبيراً أو متوسطاً أو ضئيلاً في عمليّة الإصلاح في الدولة. لا أنكر أن المؤشرات الأولى غير مشجّعة.

إذا كان الأمل ضئيلاً فما الخطة البديلة؟

سنكمل بما توافر لدينا من وسائل.

هل صورة التحالف تبدّلت لدى “القوّات اللبنانيّة” في معركة محاربة الفساد عن المعركة السياسيّة؟ بمعنى أن الحليف في مكافحة الفساد، ليس هو نفسه الحليف السياسي في المسائل المتعلّقة بالإستراتيجيات الأساسيّة؟

ليس بالضرورة، فحليفنا السياسي هو “تيار المستقبل” وهذا أمر واضح ونحن نتمنى كثيراً أن يكون هو نفسه حليفنا في عمليّة إصلاح الدولة ومكافحة الفساد. إلا أن الأمر لم يكن على هذا النحو في ملف الـ 2000 أستاذ والدرجات الست التي أقرّت في مجلس الوزراء في الأسبوع المنصرم. إلا أن هذا الأمر لا يحتم أن يكون مماثلاً في كل القضايا الأخرى. لذا أعيد وأكرّر أن ما حصل أعطى إشارة غير واعدة وعلينا الانتظار لنرى إلى ماذا ستؤول الأمور.

كيف تفسّر موقف النظام السوري حالياً، في حصره دخول رجال الدين الدروز إلى سوريا بشخصية دينية درزية معينة، وفي إدراجه اسم رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري على لائحة الإرهاب والمطلوبين في سوريا؟

يهمني جداً في هذا الإطار التوجه إلى الرأي العام اللبناني تحديداً والرأي العام العربي في شكل عام. نحن نسمع في الأسابيع والأشهر الأخيرة دعوات عديدة في لبنان للتطبيع مع نظام الأسد. ودعوات أخرى من قبل بعض الوزراء لمطالبة جامعة الدول العربيّة بإعادة تفعيل عضوية سوريا من خلال هذا النظام. إلا أن وضع رئيس الحكومة اللبناني ومعه بعض الشخصيات الأخرى على لائحة الإرهاب، هو أكبر دليل على أن هذا النظام لا يعدو كونه مجموعة من المجموعات المتناحرة على الأراضي السورية. وهو لا يمثل السلطة أو الدولة في سوريا. إلا أن الحادثة التي أتت لتؤكد هذا الأمر في شكل قاطع، هي الموقف من شيخ عقل الطائفة الدرزيّة الكريمة. فأي دولة من دول العالم تسمح لنفسها بالتدخل في مسألة مماثلة؟ واعتماد هذا الشيخ العقل وليس الشيخ العقل الآخر؟ أو هذا المطران وليس ذاك المطران؟ أو هذا البطريرك وليس ذاك البطريرك؟ هناك طائفة درزيّة كريمة في لبنان، وهل يكون لدى النظام السوري الحد الأدنى من مفاهيم الدولة عندما يقول إنه لا يعتمد أي رأي درزي سوى الذي يأتيه من قبل شيخ العقل ناصر الدين الغريب مع كل الاحترام له؟ وبالتالي هذه الواقعة تدل على أنه لا وجود للدولة في سوريا في الوقت الراهن، إنما هناك مجموعات متناحرة ومجموعة بشار الأسد تمثل إحداها. لذا فأي تنسيق يجب أن يتم مع سوريا عليه أن يكون عبر الإدارات في ما بينها، لأنه لا وجود لأي شيء يمثِّل سوريا على المستوى السياسي في الوقت الراهن. من هنا، أعتبر أنه من المعيب أن يطالب أي شخص من لبنان بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، لأنه لا يوجد (مؤسسات) دولة تمثل سوريا في الوقت الراهن، من أجل إعادة تفعيل عضويتها.

هناك موقف جديد لوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يقول إنه لا إمكان الآن لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، هل هذا يعني أن هذا الأمر سينعكس على لبنان الذي تنقسم أساساً فيه الآراء في مسألة التعاطي مع نظام الأسد؟

عندما يكون موقف السعودية على هذا النحو، وهي تشكل وزناً ثقيلاً بما لديها من تأثير عربي في جامعة الدول العربيّة ودول الخليج، يجب عندها أن نأخذ هذا الأمر في الاعتبار. ومن جهة أخرى، فتجربتنا المباشرة مع نظام الأسد التي كان آخرها هذا التدخل السافر في الشؤون الداخليّة للطائفة الدرزيّة الكريمة في لبنان، دليل آخر نملكه بين أيدينا، إذ من الواضح بالنسبة إلينا أن لا دولة في سوريا في الوقت الراهن. ويجب انتظار الحل السياسي من أجل أن تُطرح بعده مسألة عودة الدولة التي تمثل الشعب السوري إلى جامعة الدول العربيّة.

من يجب أن يطالب اليوم بتأمين السيادة اللبنانيّة واتخاذ موقف إزاء هذه الخطوة؟

للأسف من عليه اتخاذ الموقف الحاسم هو بالدرجة الأولى الحكومة اللبنانيّة التي يجب ألا يقبل أي وزير فيها بزيارة سوريا طالما أن رئيس حكومته إضافة إلى مجموعة من الشخصيات اللبنانيّة الأخرى لا تزال زوراً وبهتاناً مدرجة على لائحة الإرهاب في سوريا. ومن جهة أخرى، يجب ألا يقبل أي وزير بزيارة سوريا طالما هناك تدخل من قبل نظام الأسد في شؤون طائفة كالطائفة الدرزيّة الكريمة في لبنان.

في وقت من الأوقات كان يتم الحديث عن تطبيع خليجي مع نظام الأسد. هل توقفت مسألة التطبيع مع نظام الأسد؟ وهل أدّت زيارة الأسد إلى إيران إلى تجميد محاولات التطبيع؟

إن التطبيع العربي مع نظام الأسد توقف بحكم التصاريح التي نسمعها يومياً من قبل المسؤولين العرب. ربما قوي الكلام على التطبيع على أمل أن يبتعد نظام الأسد عن إيران، ولكن نحن رأينا، ومنذ البداية، في هذه المسألة أن نظام الأسد أصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الإيرانيّة في المنطقة، وتالياً من العبث التفكير في فك الارتباط ما بين هذا النظام وإيران، بحكم أنه جزء من منظومتها التي أمَّنت له الاستمرار حتى اليوم. وفي اللحظة التي ترفع هذه المنظومة يدها عن هذا النظام يسقط. من هنا نرى أن طرح مسألة إعادة التطبيع مع نظام الأسد لم تكن في مكانها، وأكبر دليل أن هذه المسألة انتهت إلى ما انتهت إليه.

مواجهة إيران أولويّة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركيّة ودول الخليج التي تطالب بالحد من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، في حين أن لبنان يشكل ساحةً أساسيّة لطهران عبر أدواتها هنا، ومؤتمر “وارسو” كان لتحديد كيفيّة هذه المواجهة ولبنان لم يشارك فيه، فهل هذا يعني أننا خارج المواجهة مع إيران؟

نحن كنا مع عدم مشاركة لبنان في هذا المؤتمر كي نكون منسجمين مع أنفسنا، باعتبار أن الحكومة متّفقة على سياسة النأي بالنفس، لذلك على بقية الفرقاء اتخاذ مواقف مماثلة. من هنا، نرى أنه من الطبيعي ألا يشارك لبنان في هذا المؤتمر، إلا أن هذا الأمر لا يعني أبداً أن لبنان خارج اللعبة.

كيف سيواجه لبنان إيران في هذه الحال؟

ليس مطلوباً من لبنان مواجهة إيران، بقدر ما هو مطلوب منه أن يكون لبنانياً. وبقدر ما هو مطلوب من الحكومة اللبنانيّة أن تكون حكومة لبنانيّة، تضع في سلّم أولوياتها مصالح الشعب اللبناني، وليس أية مصالح أخرى، الأمر الذي لا يحصل في شكل دائم.

والأسباب؟

بحكم أن لدى بعض الفرقاء في لبنان أولويات مختلفة. ولأنه بالنسبة إلى بعض الفرقاء في لبنان “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” وليس صوت لبنان. أي معركة؟ معركة النفوذ الإيراني في المنطقة.

أين أصبح السياديون أصحاب مشروع سيادة لبنان؟

يحاولون القيام بما يمكنهم القيام به.

في هذا الوضع كيف ترى الاهتمام السعودي بلبنان في ظل مشاغله في المنطقة، وهل لا يزال لبنان أولويّة بالنسبة إلى السعودية؟

لا أعتقد بأن لبنان اليوم يشكل أولويّة بالنسبة إلى السعودية انطلاقاً من انشغالاتها خصوصاً في اليمن وسوريا والعراق، ونظراً لإلحاح الملفات الأخرى، إلا أنه بتقديري الشخصي يبقى لبنان ميزان هذه المنطقة، لذا يجب أن يعود ليكون أولويّة لدى الإخوان في السعوديّة والإمارات والخليج والعرب في شكل عام.

هل حمل الموفد السعودي نزار العلولا أي رسالة معيّنة؟ وهل كان لديه أي هدف معيّن من هذه الزيارة؟

كانت زيارة للمتابعة. إن اهتمامات السعودية في هذه الأيام متشعّبة جداً ورأينا كيف أن وليّ العهد السعوي الأمير محمد بن سلمان في الأسبوع المنصرم كان في جولة إلى باكستان والهند والصين. اهتمامات السعودية متشعبة إلى هذا الحد. إلا أنني أرى أنه في ظل هذه الاهتمامات المتشعبة، فلبنان يستأهل اهتماماً أكبر نظراً لوجوده في المنطقة، ومعنى التعايش فيه وقيمته الحضارية والثقافيّة والسياسيّة والإستراتيجيّة.

برأيك ما هي خريطة الطريق العربيّة الفضلى من أجل مواجهة إيران؟

أن يجتمع العرب ولو في شكل أوليّ على المواجهة. حتى الآن هناك جزء كبير من القوّة العربيّة المتمثلة بجمهوريّة مصر العربيّة، التي هي ضدّ التدخلات الإيرانيّة في المنطقة، ولكن حتى الآن لم ترمِ بثقلها في المواجهة القائمة. ربما لم تفعل ذلك لأنها لا تزال منكبّة على أمورها الداخليّة بعد الثورات والانتفاضات التي شهدتها في السنوات المنصرمة، إلا أن هذا لا يغيّر في أن مصر تشكّل وزناً كبيراً جداً في المنطقة.

إذاً أنت تعتبر أن المواجهة مع إيران يجب أن تكون انطلاقاً من مصر؟

لا، انطلاقاً من الخليج الذي هو الآن يخوض هذه المواجهة. ولكن طالما أن هذا الوزن الذي تشكله مصر لم يُلقِ بثقله في المواجهة فلن يتحقّق التوازن في القوى المطلوب. كما يجب ألا ننسى أن إيران دولة بتعداد يفوق الـ 80 مليون نسمة، ومن جهة أخرى لدى إيران جيوش ومجموعات مسلّحة في عدد كبير من دول المنطقة، وليست هناك من دولة أخرى تضع الجهود والجيوش التي تضعها اليوم إيران في المنطقة باستثناء اليمن.

المشهد الخارجي يوحي وكأن لبنان أصبح بيد إيران في شكل كامل، فحلفاء إيران يشكلون أغلبيّة مجلس النواب فيما يطلق على الحكومة صفة “حكومة حزب الله” وبالتالي هل تجد “القوّات اللبنانيّة” نفسها مستفردة ووحيدة في هذه المواجهة؟

أنا شخصياً لست مع هذا التوصيف الذي أعتبره غير دقيق. فأنا أرى الأمور في شكل مغاير. صحيح أن “حزب الله” في الوقت الراهن مع بعض من حلفائه هم الأكثر حركة وتأثيراً في الساحة اللبنانيّة، إلا أن هذا الأمر لا يعني أن لبنان أصبح تحت تأثير إيران. وفي هذا الإطار سأعطي بعض الأمثلة الحيّة، فقد أطل مؤخراً الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطاب طرح فيه مجموعة من الاتفاقات التي كان يريد أن يبرمها لبنان مع إيران، ومنها اتفاقات تعاون في المجالات العسكريّة، والكهرباء، والأدوية وغيرها. وبعد هذا الخطاب بأيام قليلة زار لبنان وزير خارجيّة إيران محمد جواد ظريف ولم توقّع مذكّرة تفاهم واحدة في أيّ مجال من المجالات المذكورة. في حين أننا نرى مئات مذكرات التفاهم المبرمة ما بين نظام الأسد وإيران. من جهة أخرى، وفي ما يتعلّق بالقمة العربيّة الاقتصادية التي عُقدت في لبنان، في يناير (كانون الثاني) المنصرم، الجميع يدرك أن إيران كانت تريد ألا تعقد هذه القمة في لبنان، إلا إذا أُشرك نظام الأسد فيها، في حين أننا رأينا كيف عُقدت القمة ومن دون إشراك نظام الأسد، على الرغم من كل التحركات الداخليّة التي جرت في لبنان. فأين تكون الهيمنة الإيرانيّة على لبنان؟ لذا ما يعطي هذه الانطباعات هو ضعضعة الجبهة التي لا تؤيد إيران في لبنان، أكثر منه سيطرة إيران على لبنان. ضعضعة جبهة “14 آذار” هي الطاغية وليست سيطرة إيران. هناك مسألتين يفكّر فيهما “حزب الله” في شكل جدي، الأولى أن يتم تشريعه، كما تم تشريع الحشد الشعبي في العراق، والثانيّة الوصول بالقانون إلى المثالثة في النظام اللبناني، التي جرّب طرحها بأشكال خجولة، وعندما أدرك أنه لن يصل إلى أي مكان توقف عن طرح المسألة كمجرّد طرح. لقد تم تشريع الحشد الشعبي بعد ثلاث سنوات على تشكيله، في حين أنه لا يتم حتى طرح مسألة تشريع “حزب الله” في لبنان، فمن غير الممكن أن يقبل به أي طرف حتى حلفاء الحزب. انطلاقاً من هنا مقولة الهيمنة الإيرانيّة على لبنان غير صحيحة إطلاقاً.

الجميع يعرف موقف “القوّات اللبنانيّة” من نظام الأسد، ولكن كيف تقول “القوّات” إنها تريد إنهاء مسألة النزوح السوري، وتقف بوجه من يريد أن ينسّق مع هذا النظام من أجل إعادتهم؟

إن أكبر عائق بوجه عودة النازحين السوريين هو نظام الأسد بحد ذاته. فعدد كبير من المنظمات الدولية قامت بإجراء استطلاعات رأي للنازحين السوريين في مسألة العودة والتي شملت أكثر من نصفهم، وتبين أن ما يفوق الـ 95 في المئة من النازحين السوريين يتمنون العودة الفوريّة، إلا أن معظمهم أكّد أن سبب عدم عودتهم هو خوفهم من بطش نظام الأسد، وبالدرجة الثانية خشيتهم من فرض هذا النظام جزية على من تخلّف عن الخدمة العسكريّة، وبالدرجة الثالثة فرض التجنيد مجدداً عليهم، وبالدرجة الرابعة بسبب عدم وجود البنى التحتية. هذا يدل عملياً أن كل الأسباب التي تمنعهم من العودة سببها هذا النظام تحديداً. فما الجدوى من التواصل مع هذا النظام في هذه المسألة، وبشار الأسد يشكل أكبر عائق بوجه عودتهم؟ المسألة بالنسبة إلينا ليست في أننا ضد أو مع التعاطي مع هذه النظام، وإنما مسألة جدوى. ولا نريد أن يتم استغلال ملف عودة النازحين من أجل تبييض صفحة بشار الأسد وتعويمه من دون التوصل إلى حل هذا الملف وعودة النازحين. نحن نتمنى أن يُضغط على بشار الأسد من أجل إعادة النازحين، ونرى أنه لا يمكن سوى لروسيا القيام بذلك. لذلك أدعو فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون خلال زيارته روسيا إلى الطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضغط على بشار الأسد من أجل إزالة المعوقات أمام عودة النازحين.

هل برأيكم المبادرة الروسيّة جديّة؟

برأيي إنها جديّة، ولكن لم تعطِ أي نتيجة حتى الآن.

لماذا؟

لأن بشار الأسد وحلفاءه الإيرانيين لا يريدون إعادة النازحين إلى سوريا. وإذا ما نظرنا إلى الواقع الديمغرافي في الداخل السوري، نرى أن هناك قرابة ستة أو سبعة ملايين سُني على الأراضي السورية، وقرابة ثلاثة أو أربعة ملايين علوي وقرابة المليونين والنصف مليون مسيحي، إضافة إلى بعض الأقليات، الأمر الذي يفرض شبه توازن. إلا أن إعادة قرابة الـ 12 مليون سُني إلى سوريا تُفقد شبه التوازن هذا مجدداً، ولهذا السبب تحديداً لا يريد بشار الأسد ومجموعته السماح بعودة النازحين ومن خلفهم الإيرانيين أيضاً. وفي هذا الإطار أريد أن أذكِّر الجميع أنه في العام المنصرم أعلن “حزب الله” عن تشكيل لجان للمساعدة في عودة النازحين، ولم نعد نسمع عنها اليوم، والسبب أن بشار الأسد لا يريد ذلك، وإلا لكان الحزب قام بإعادتهم باعتبار أنه أكبر صديق لنظام الأسد. لذا هناك من يتذرّع بقضيّة النازحين من أجل إعادة فتح العلاقات مع نظام الأسد، وأفضل ما يمكن القيام به في هذه المسألة هو محاولة إقناع الروس بالضغط على بشار الأسد من أجل القبول بعودة النازحين، ومن هنا أتت دعوتنا للرئيس عون من أجل طلب هذه المسألة من نظيره الروسي خلال زيارته إلى موسكو.

هناك كلام عن عودة السياح الخليجيين إلى لبنان هذا الصيف خصوصاً بعد رفع السعودية حظر السفر الذي كانت فرضته، فما رأيكم بهذا القرار؟

إذا ما سارت الأمور على النحو المطلوب، وتأمّن الحد الأدنى من الانتظام في لبنان، فمن الممكن عودة هؤلاء إلى لبنان. ونحن نتمنى ذلك. ولكن علينا أن ندرك أن عودتهم مرتبطة بحد أدنى من الظروف المواتية، فالأوضاع الأمنيّة مستقرّة والحمدالله، إلا أننا يجب أن نوفر الظروف المعنوية والنفسية لعودتهم التي لا يمكن أن تحصل إن توالت الهجومات بالتصاريح على السعودية والخليج.

لماذا لم يعد “حزب الله” من سوريا طالما أن المدفع هدأ نوعاً ماهناك؟

لأن المشروع الإيراني في سوريا كبير جداً. وأبعد من مجرّد دعم نظام الأسد. فهم لم يمنعوا سقوط النظام كي يقولوا له اليوم “بما أننا اليوم قد اطمأننّا على عدم سقوطك سنعود إلى منازلنا”. بطبيعة الحال هذا لن يحصل. والمشروع الإيراني في سوريا ضخم. بيت القصيد في الوقت الراهن في المفاوضات التي تحصل ما بين الولايات الأميركية المتحدة وروسيا، هو الوجود الإيراني الفعلي في سوريا. من الممكن أن نرى شبه انسحاب أو إعادة تموضع ولكن الانسحاب الكامل غير وارد بالنسبة إلى الإيرانيين.

كيف تقرأ الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافرورف إلى دول الخليج، وهل من الممكن أن نرى عودة لتطبيع العلاقات ما بين هذه الدول ونظام الأسد؟

لا أعتقد بأنه من الممكن أن ينجح ذلك باعتبار أن النظام أصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الإيرانيّة، وتالياً لا يمكن أن يتحقق ذلك. وزيارة الأسد إلى إيران، التي أتت عبر قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وليس عبر وزير الخارجية الإيراني والتي أدت إلى استقالة الأخير أبرز دليل على ذلك.

يشهد بعض البلدان العربيّة، حراكاً يذكّر بحراك “الربيع العربي”، برأيك ما هي الظروف التي يجب أن تتوافر كي لا يؤدي ذلك من جديد، إلى نزاعات مسلحة، ونزاع على الهوية وفلتان للمنظمات الإسلامية المتطرفة؟

في السودان لا وجود لصراع على الهويات في الوقت الراهن. وما نشهده هو حركة سياسيّة بحتة. وهذا الأمر ينطبق على الجزائر أيضاً. ولكن في خضم ذلك إذا تحرّك الإسلاميون المتطرفون في شكل أو آخر، فأنا أعتقد بأن التحرّك الحالي سيفشل، كما حصل في سوريا فأي تحرّك يدخله المتطرفون يفشل.

برأيك كيف يمكن أن ينجح أي حراك سياسي من دون أن يتحوّل حراكاً إسلامياً متطرّفاً؟

يجب على هذا الحراك أن يكون معتدلاً، وهدفه هو المعلن منه فقط لا غير. وليس قيام كيانات “إسلامويّة”. والمثال واضح أمامنا وهو ما حصل في تونس حيث أن كل ما يجري هناك اليوم يأتي في إطار اللعبة السياسيّة العادية لا غير.

هل تتخوّف على الوضع الأمني في لبنان؟

لا

ما مدى إمكان أن نعود لنرى “ثورة أرز” جديدة بقياداتها المعروفة معاً؟

من الممكن حدوث ذلك في أي لحظة، في حال تخطى البعض حدودهم. كذلك إذا عدنا إلى ممارسات شبيهة بالتي كانت تحصل في حقبة الوصاية السوريّة فهذا يؤدي إلى بحث آخر تماماً. أعتقد بأن المشكلة الأساسيّة اليوم هي حسن أو عدم حسن إدارة الدولة وهي خط الفصل الرئيس.

هل تضعون السياسة جانباً اليوم وتذهبون باتجاه الاقتصاد؟

لا هذا التوصيف غير صحيح. الأمور هي التي تفرض نفسها. فنحن لدينا اليوم وضع اقتصادي ومالي إن لم يتم استدراكه في غضون أسابيع، نحن ذاهبون إلى الهاوية. لذا نحن لا نضع السياسة جانباً، ولا يمكن وضعها جانباً، وأكبر دليل موقفنا عندما زار أحد الوزراء سوريا، وردنا على تصريح لوزير الدفاع في مؤتمر ميونخ، هنا عادت لتدخل السياسة إلى اللعبة في شكل مباشر، إلا أن هناك أمراً يطغى على السياسة اليوم وهو الاقتصاد والمال، باعتبار أنه من الممكن للدولة أن تنهار لأسباب إستراتيجيّة سياسيّة، كما من الممكن أن تنهار لأسباب مالية واقتصادية فالانهيار هو نفسه. اليوم يأتينا الخطر الأساس من الوضع الاقتصادي فهل نذهب إلى حل المشاكل السياسيّة التي تستأهل التأني والانتباه والكثير من الوقت والظروف المواتية؟

نقل عن منسّق مؤتمر “سيدر” بأن المسؤولين في لبنان غير جديين ويضيّعون وقت الدول المانحة ووقت الشعب اللبناني، فهل لديك هذا الانطباع؟

إذا استمرت الأمور في الأسابيع المقبلة على ما هي عليه اليوم، ومن دون البدء بالخطوات الأساسيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بعجز الموازنة، سيصبح لدي هذا الانطباع. إن خفض العجز هو أول خطوة أساسيّة وضروريّة.

ماذا يمكن أن تفعل “القوّات اللبنانيّة” منفردة في هذا المجال؟

عندما يطالب المرء بقضيّة محقّة فمن السهل جداً أن يتمكن من استقطاب عدد كبير من الناس لدعم موقفه.