ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداس عيد مار مارون في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران سمير مظلوم، الامين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، امين سر البطريرك الاب شربل عبيد، في حضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان “حبة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، أتت بثمر كثير” (يو 23:12)، جاء فيها: “1. الرب يسوع هو حبة الحنطة التي ماتت على جبل الجلجلة فداء عن الجنس البشري، فأثمرت بقيامته البشرية الجديدة، المتمثلة بالكنيسة. فجعل هكذا حبة الحنطة نهجا للحياة المسيحية، معروفا بسره الفصحي، سر موته وقيامته. وقد أدخلنا في هذا النهج السري بالمعمودية والميرون.
2. والقديس مارون أبو كنيستنا المارونية وشفيعها، هو حبة حنطة مات عن نفسه بالتجرد والنسك والصلاة ما بين مدينة أنطاكية وحلب المسيحيتين، في أواخر الجيل الرابع. فاجتذب بسيرة حياته ومثله وفضائله العديد من الرجال والنساء الذين ساروا على نهجه. فأسس لهم الصوامع والأديار، حتى امتلأت بها تلك الناحية الممتدة على ضفاف العاصي حتى جبل لبنان. وكانت الكنيسة المارونية ثمرة هذا النهج الذي سار عليه.
ذاع صيت قداسته ومعجزاته في تلك المنطقة، فكان يشفي بصلاته أمراض النفس والجسد. كتب سيرة حياته المطران تيودوريتس مطران منطقة قورش في كتابه الشهير أصفياء الله. ومما كتب أن مارون الإلهي غرس لله البستان المزدهر في أنحاء المنطقة. وقد زين هو طغمة القديسين المتوشحين بالله.
3. فيطيب لي أن نحتفل معكم اليوم بعيده، ومع أبناء كنيستنا، تحت كل سماء. فلكم ولهم ولجميع المشاركين بالعيد أطيب التهاني والتمنيات القلبية، سائلين الله بشفاعة القديس مارون، أن ينعم علينا بنعمة الأمانة للإنجيل، ولنهجه وروحانيته. وفي هذا العيد الوطني اللبناني، نرجو أن تظل الكنيسة المارونية، برعاتها وشعبها ومؤسساتها، عاملةً من أجل لبنان كيانًا وشعبًا ومؤسسات. كما نرجو للحكومة الجديدة النجاح الكامل في ما ينتظرها من تحديات، آملين من أعضائها السير في نهج “حبة الحنطة” لكي تكون ثمار أعمالهم وفيرة.
4. من روحانية القديس مارون ونهجه وسيرة تلاميذه المتكاثرين منذ وفاته سنة 410، تكونت هوية الكنيسة المارونية. فهي نسكية النهج، سريانية الروحانية والليتورجيا، أنطاكية اللاهوت والانتماء الرسولي. ففي أنطاكية سمي أتباع يسوع لأول مرة مسيحيين. وفيها أسس القديس بطرس كرسيه، قبل الانتقال إلى روميه. ورومانية العقيدة، لاتحادها الدائم بكرسي روما. وتشمل هويتنا بعدين آخرين: البعد المريمي من مجمع أفسس (431) الذي عاصرته نشأة الموارنة وأعلن السيدة العذراء مريم أم الإله، والبعد الكريستولوجي من مجمع خلقيدونية (451) الذي شارك فيه الموارنة وأعلن أن في شخص يسوع الإلهي طبيعتين متمايزتين، إلهية وإنسانية. إننا نلحظ هذين البعدين في صلواتنا الليتورجية وروحانيتنا. وتشمل هويتنا بحكم موقعها الجغرافي البعد المسكوني في علاقتها وتعاونها مع سائر الكنائس؛ والبعد الحواري مع الديانة الإسلامية وسائر الأديان. وبسبب انتشار أبنائها تحت كل سماء، أصبحت منفتحة على جميع الثقافات والحضارات. أما لبنان حيث استقرت كنيستنا وتأصلت، وكتبت تاريخها على أرضه، فأصبح الوطن الروحي لجميع الموارنة.
5. في عيد أبينا القديس مارون، نجدد التزامنا بهويتنا المارونية بكل أبعادها، ساعين إلى جعلها ثقافة وحضارة حياة تغني كل مجتمع تعيش فيه، سواء في لبنان، أم في المشرق، أم في بلدان الانتشار، لمجد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وفي ختام القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين بالقداس.
أخبار متعلقة :