كل هذه الحلول نماذج لمعالجات يمكن اتّباعها لإعادة القطار الى السكة، والشروع بعدها في عملية تأهيل الوضع الاقتصادي والمالي.
لكن مع الاسف، وصلت الامور في لبنان الى حدّ أنّ هذه المعالجات قد لا تحول دون الوصول الى الهاوية، لأنها تحتاج الى فترة زمنية قد تكون أطول من الفترة التي يمكن للبنان أن يصمد خلالها في انتظار أن تأتي ثمارها. بالاضافة طبعاً الى أنها معالجات مشكوك في تنفيذها، على اعتبار أنها معالجات معروفة ويطالب بها الصغير والكبير في الدولة كل يوم، وحتى الآن لا بوادر أمل في أنها قد تُنفّذ.
في هذا الوضع، هناك لائحة بإجراءات سريعة تتلاءم مع التوقيت (timing) وهو عنصر اساسي في الإنقاذ. لكنها معالجات قاسية في حق الناس، وتعني باختصار أنّ اللبنانيين الذين تعرّضوا للنهب والسرقة وإهمال أموالهم ومصالحهم من قبل القابضين على السلطة السياسية منذ عقود، عليهم أن يدفعوا ثمن جريمة ارتُكبت في حقهم لتحاشي الوصول الى الإفلاس وفقدان القسم المتبقي من أموالهم.
الاجراءات التي تمنع الوصول الى الإفلاس إجراءات طارئة وليست عادية ويمكن إيراد نماذج منها:
أولاً- رفع الدعم عن كل السلع الاستهلاكية والخدمات التي تقدّمها الدولة. (كهرباء، تبغ، قمح، شمندر…)، وهذا يعني رفع تعرفة الكهرباء 3 أضعاف، منذ الآن، وعدم انتظار تأمينها 24 ساعة، لرفع التعرفة.
ثانياً- إلغاء هيئات وصناديق ومجالس تكلّف الخزينة اموالاً طائلة بلا فائدة توازي هذا الإنفاق. والإلغاء والتصفية ينبغي إنجازُهما في غضون أشهر فقط.
ثالثاً – خفض مستوى الرواتب في القطاع العام عبر إلغاء السلسلة، أو من خلال خفض الرواتب بنسبة تراوح بين 20 و 30 في المئة، وتوحيد نظام التقاعد لإلغاء امتيازات غير منطقية يحصل عليها قسم من الموظفين.
رابعاً – فرض ضرائب غير مباشرة على سلع اساسية، مثل زيادة 4 دولارات على كل صفيحة بنزين، وفرض رسوم اضافية على الكحول والتبغ والسكر، وهي مواد مضرة للصحة حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.
خامساً – رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15%.
هذه نماذج من إجراءات يمكن اتّخاذُها فوراً لوقف الاندفاعة نحو الهاوية، وهي إجراءات توفّر حوالى 5 مليارت دولار سنوياً، وكافية لوقف الانهيار.
لكنها في الحقيقة إجراءات ظالمة في حقّ الناس، لأنّ الكارثة المالية لم تكن نتيجة تعرّض البلد الى كارثة طبيعية أو حرب مدمّرة، لكي يشعر المواطن بأنه مُلزم بهذا النوع من التضحية لإنقاذ دولته ونفسه، بل تأتي نتيجة أعمال سرقة منظّمة وإهمال يعكس غياب الوعي والضمير لدى مَن تسلّم إدارة البلاد. ومن البديهي أنّ مَن سرق وأهمل لا يجرؤ على اتّخاذ مثل هذه الإجراءات.