خبر

ما هي الخيارات أمام الحريري؟

وإذ أفضى تدخل حزب الله داعما حلفاءه السنة الى تجميد التأليف ووضعه أمام حائط مسدود، والى إطالة أمد حكومة تصريف الأعمال، لا يعود من خيار إلا التكيف والتعايش مع أزمة فراغ حكومي ستكون أصعب من أزمة الفراغ الرئاسي (بسبب اختلاف الظروف الإقليمية واشتداد الضغوط الاقتصادية). وهذا يتطلب استنباط طرق للتعايش بدأها بري في “تشريع الضرورة” ويستكملها الحريري في “تصريف الضرورة”، أي تفعيل حكومة تصريف الأعمال وإدارتها من السرايا الحكومي، وربما عقد جلسات حكومية في حالات طارئة واستثنائية جدا، ولكن المشكلة أن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل استمرار الوضع الراهن.

3ـ التنازل وإظهار مرونة واستعداد لتسهيل تشكيل الحكومة بدافع من المصلحة الوطنية العليا، وهذا خيار وارد استنادا الى تجارب وأزمات سابقة كانت تنتهي الى تنازل الحريري ورضوخه لميزان القوى الذي يقرر (حسب تعبير جنبلاط) ، ولن تكون المرة الأولى التي يتنازل أو يضحي فيها كما حصل في قضية اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما أعلن بعد الانتخابات موقفا من أمام محكمة لاهاي متسامحا ومتساهلا ومترفعا عن الانتقام والحقد.

والتنازل من جانب الحريري يكون بقبوله مبدأ تمثيل سُنة 8 آذار وفتح نافذة على حل هذه المشكلة، وبالتعاون مع رئيس الجمهورية، ولكن من دون الخوض في كيفية تحقيق هذا التمثيل الذي سيكون خاضعا لدورة مفاوضات جديدة دخل على خطها بقوة الرئيس ميشال عون باستقباله وفد “اللقاء التشاوري” (السُني) وبإيفاده الوزير جبران باسيل لمقابلة السيد نصرالله، كما دخل الرئيس بري أيضا على الخط عندما وجد أن الدعاء ليس كافيا، وأن الوضع الخطير يتطلب تحركا سريعا لتذليل هذه العقبة القابلة للحل.

وحتى حزب الله راغب في إيجاد حل لهذه المشكلة، لأنه يريد حكومة جديدة ومن مصلحته أن تشكل بدلا من أن يكون تعثرها بابا جديدا للضغط عليه، وإذا كان خطاب السيد حسن نصرالله رأى فيه كثيرون ذروة التصعيد والتشدد، ووصل الأمر عند البعض الى رؤية ملامح 7 أيار جديدة، وعند البعض الآخر الى رؤية انقلاب سياسي على الطائف وتلويح بمؤتمر تأسيسي، فإن هذا الخطاب يحتمل قراءة أخرى تفيد بأمرين:

٭ الأول: أن ما ظهر عند السيد حسن نصرالله من نبرة عالية أو استعلاء، ومن انفعال شديد الى درجة توجيه انتقادات شديدة اللهجة وفي كل الاتجاهات تقريبا، والى درجة ممارسة نقد ذاتي للمرة الأولى واعتراف بخطأ التواضع و”الآدمية”، هذه الصورة التي لم تُعهد عند نصرالله، وهذا الوجه الذي يكشفه للمرة الأولى بقدر ما يعكس تشددا وقوة يعكس تضايقا و”حشرة” نتيجة احتدام الضغوط التي تجعله لا يحتمل المزيد. هو منصرف الى ممارسة أقصى الضغوط ولكن ليس الى قلب الطاولة.

٭ الثاني: أن السيد نصرالله بقدر ما أصر على تمثيل حلفائه السنة وإظهار الوفاء لهم والالتزام بهم، وذهب بعيدا في هذا الموقف الذي فاجأ أصحاب العلاقة ورفع معنوياتهم أكثر مما توقعوه، بقدر ما أظهر مرونة ضمنية وأبقى على نافذة للحل وعلى الباب مواربا بطريقة ما، وليس بالضرورة أن يكون التمثيل عبر النواب السنة كممر إجباري. السيد نصرالله وضع الكرة في ملعب الحريري ووضعها أيضا في ملعب “النواب الـ 6”. خطاب السيد مهم جدا، وأهم ما فيه هو آخر سطرين عندما يقول “نحن حزب الله عندما يتصل بنا النواب السُنة ويرسلون موفدا لنا وهم يقولون لنا هذا القرار لم يعد موجودا عند حزب الله. هم يقولون لنا يمكنكم أن تعطوا الأسماء للرئيس المكلف، ساعتها نحن نعطي الأسماء للرئيس المكلف”.. وهذا ما سيحصل.