خبر

رفع عبء “قانون قيصر” عن لبنان: نهاية حصار غير معلن

كتب داود رمال في “الأنباء”:

لم يكن «قانون قيصر» منذ إقراره أداة ضغط أميركية محصورة بسورية، بقدر ما تحول عمليا إلى شبكة عقوبات عابرة للحدود أصابت لبنان في صميم بنيته الاقتصادية والتجارية والمالية، بحكم التشابك الجغرافي والتاريخي والاقتصادي بين البلدين.

من هنا، يكتسب توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إلغاء هذا القانون، دلالات تتجاوز الإطار السوري المباشر، لتفتح نافذة واسعة أمام لبنان لالتقاط أنفاسه بعد سنوات من الخنق غير المعلن الذي فرض عليه من بوابة العقوبات.

وقال مصدر وزاري لـ «الأنباء»: «تلقى الاقتصاد اللبناني ضربة مركبة بفعل قانون قيصر، لأنه وجد نفسه محاصرا بتداعياته من دون أي أدوات حماية، فالقانون الذي صمم لمنع أي تعامل اقتصادي أو مالي أو تجاري مع الدولة السورية أو الجهات المرتبطة بها، أدى عمليا إلى شلل شبه كامل في حركة لبنان البرية نحو عمقه العربي، حيث أغلقت المعابر أمام الصادرات اللبنانية، وارتفعت كلفة النقل إلى مستويات غير قابلة للتحمل، فيما خسر المزارعون والصناعيون والأسواق اللبنانية منفذها الطبيعي نحو الأردن والخليج، ما انعكس تراجعا حادا في الصادرات وتراكما في الخسائر، خصوصا في القطاعات الزراعية والغذائية».

وأضاف المصدر «لم تتوقف الأضرار التجارية عند حدود التصدير، بل طالت الدور البنيوي للبنان كمنصة عبور وخدمات ولوجستيات بين الشرق والغرب، فالمرافئ اللبنانية، التي لطالما شكلت رئة للتجارة الإقليمية، تأثرت مباشرة بتوقف حركة الترانزيت المرتبطة بسورية، فيما جمدت فرص الاستثمار في قطاعات النقل والتخزين والخدمات المرتبطة بها، في ظل مناخ دولي كان يساوي بين أي تعامل مع سورية والتعرض لمخاطر العقوبات».

وأوضح المصدر «على المستوى المالي كانت الضربة أشد وطأة، إذ وجد القطاع المصرفي اللبناني نفسه أمام قيود إضافية فرضت عليه من الخارج، إلى جانب أزمته الداخلية، نتيجة تشدد المصارف المراسلة وتوسيع دائرة الشبهات حول أي حركة أموال لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بسورية. هذا الواقع عطل التحويلات، وأقفل أبواب التمويل، وزاد من عزلة لبنان المالية، وفاقم أزمة السيولة وفقدان الثقة الدولية، في مرحلة كان الاقتصاد اللبناني بأمس الحاجة فيها إلى أي هامش دعم خارجي».

وأكد المصدر أن «قانون قيصر» انعكس أيضا بشكل مباشر على ملف الطاقة في لبنان، إذ عطل أي إمكانية عملية أو رسمية لاستجرار الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، وحول لبنان إلى رهينة حلول مكلفة وغير مستدامة، فيما اضطرت الدولة إلى البحث عن استثناءات ظرفية لم تعالج جوهر الأزمة بقدر ما عمقتها وزادت من كلفة الانهيار على الخزينة والمواطنين.

ورأى أن «إلغاء قانون قيصر يشكل محطة مفصلية بالنسبة إلى لبنان، إذ يفتح الباب أمام إعادة وصل ما انقطع، ولاسيما على مستوى التبادل التجاري وحركة العبور البري، ويعيد للبنان موقعه الطبيعي كممر إقليمي لا كاقتصاد معزول. كما يخفف من الضغوط التي كبلت التجار والمصارف، ويمنح هامشا أوسع لإعادة تنظيم العلاقات الاقتصادية ضمن أطر قانونية واضحة، بعيدا من منطق الالتفاف والاستثناء».

وتابع «الأثر الإيجابي المحتمل لا يقتصر على التجارة وحدها، بل يمتد إلى ملف إعادة الإعمار في سورية، حيث يمتلك لبنان، بحكم الجغرافيا والخبرة ورأس المال البشري، فرصة حقيقية ليكون شريكا أساسيا في هذه العملية. وقطاعات المقاولات، والخدمات الهندسية، والنقل، والمرافئ، وحتى القطاع المصرفي، مرشحة للاستفادة من مرحلة ما بعد العقوبات، إذا ما أحسن توظيف الموقع اللبناني في هذه المرحلة».

ولفت إلى أن «إلغاء القانون ينعكس بصورة غير مباشرة على الاستقرار النقدي والمالي، عبر تقليص منسوب المخاطر المرتبطة بالتعاملات الإقليمية، وتخفيف العزلة عن الاقتصاد اللبناني، ما يسهم في تحسين شروط التفاوض مع الخارج ويمنح الدولة هامشا أوسع لإعادة بناء علاقاتها الاقتصادية على أسس أكثر توازنا».

وختم المصدر الوزاري بالتشديد «على أن هذه الفرصة، على أهميتها، ليست تلقائية، إذ إن استفادة لبنان من مرحلة ما بعد قانون قيصر تبقى مشروطة بقدرته على استعادة الحد الأدنى من الانتظام المالي والمؤسساتي، وتقديم نفسه كشريك موثوق وقادر على الالتزام بالقواعد الدولية. فإلغاء القانون يرفع العقبة الأساسية، لكنه لا يعوض عن غياب السياسات ولا عن الحاجة إلى إصلاحات بنيوية، وحدها القادرة على تحويل الانفراج الخارجي إلى مكاسب داخلية مستدامة، بعد سنوات من دفع أثمان حصار لم يكن لبنان طرفا مباشرا فيه».

أخبار متعلقة :