رغم أنّ رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل استخفّ لحدّ الاستهزاء، في أكثر من مناسبة، بفكرة ترشيح أيّ قيادي "عوني" غيره لرئاسة الجمهورية، ولو أعلن عزوفه على المستوى الشخصي عن خوض "السباق" نحو قصر بعبدا، إلا أنّ هذه الفكرة عادت لتُطرَح "جدّيًا" على طاولة البحث في الأيام الأخيرة داخل "التيار" وخارجه، وبدفع من بعض أعضاء تكتل "لبنان القوي"، وفق ما تقول التسريبات.
تشير المعلومات إلى أنّ الفكرة طُرِحت في الاجتماع الأخير للتكتّل، من دون أن يتمّ البتّ فيها، بعدما تبيّن وجود أكثر من وجهة نظر داخل "التيار"، تعتبر الأولى أنّ باسيل هو "المرشح الطبيعي" للرئاسة داخل التكتل، ومن غير المنطقي التفكير بترشيح سواه في هذه المرحلة، فيما تذهب الثانية إلى اعتبار أنّ أعضاء التكتّل "أوْلى" بدعم "التيار" من غيرهم، طالما أنّ باسيل يقول إنّه ليس مرشحًا، وأنّهم يمتلكون المؤهلات المطلوبة.
وفي وقت كان لافتًا أنّ باسيل بدا أكثر "مرونة" تجاه هذا الطرح، وفق بعض التسريبات، خلافًا لمرّات سابقة، كان يرفض النقاش بالأمر من أصله، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عن مدى "جدية" باسيل في هذه "الليونة"، إن صحّت، وبالتالي عن احتمالات تبنّي "التيار" ترشيح أيّ شخص من صفوفه للرئاسة، ولكن أبعد من ذلك، عن حقيقة الحظوظ التي يمتلكها "العونيون" في معركة الرئاسة، ولو كانوا من الجناح "المعارض" لباسيل، إن جاز التعبير.
الفكرة غير واردة
ليس خافيًا على أحدّ أنّ داخل "التيار الوطني الحر"، أكثر من قياديّ يملك "الطموح" بالوصول إلى قصر بعبدا، وهو الطموح الذي يقال إنّه "مشروع" لأيّ مارونيّ في لبنان بالمطلَق ومنذ الولادة، فكيف بالحريّ إذا كان ناشطًا سياسيًا في أحد الأحزاب الأساسية، التي يُعتقَد أنّ لها دورًا جوهريًا في "صناعة" رئيس الجمهورية، أو بالحدّ الأدنى، تحاول أن تفرض نفسها "ممرًا إلزاميًا" لأيّ مرشح يتوق إلى حمل لقب "الفخامة".
انطلاقًا من ذلك، يقول العارفون، إنّ نقاشًا جدّيًا يدور داخل أروقة "التيار الوطني الحر" حول "أحقية" هؤلاء في خوض "المعركة" أسوة بغيرهم من المرشحين، الطبيعيين منهم والطارئين، علمًا أنّ الحُجّة التي يستند إليها هؤلاء تقوم على أنّهم "الأوْلى" بالحصول على دعم الحزب الذي ينتمون إليه، طالما أنّ "البازار" فُتِح، وبدأ الحديث عن أسماء يرمي بها "التيار"، جلّها من خارج صفوفه، رغم أنّه يضمّ الكثير من الكفاءات المشهود لها.
لكن، بعيدًا عن هذه "الحُجّة"، وبمُعزَلٍ عن مدى "واقعيّتها"، يقول العارفون إنّ الفكرة "غير واردة" بالنسبة إلى رئيس "التيار" جبران باسيل بأيّ شكل من الأشكال، فهو لن يقبل تحت أيّ ظرف من الظروف أن يرشّح أحدًا يفترض أنّه "رئيسه" إلى رئاسة الجمهورية، بالأصالة أو الوكالة، وهو يتمسّك بمبدأ أنّه "المرشح الطبيعي" إذا ما قرّر "التيار" خوض المعركة، وأيّ ترشيح رسميّ لغيره سيكون بمثابة "إهانة" لموقعه ومركزه.
لا حظوظ ولا من يحزنون
رغم التسليم بحقيقة أنّ باسيل لن يقبل بترشيح غيره، ثمّة من يحبّذ اللجوء إلى العالم "الافتراضي"، لطرح "السيناريوهات" الممكنة في حال تبنّى "التيار" ترشيح أحد من صفوفه غير باسيل، فهل يمكن أن يحظى مثل هذا المرشح بفرص جدية للوصول إلى بعبدا، يتفوّق من خلالها على باسيل نفسه؟ هل يقبل حلفاء "التيار" بهذا السيناريو؟ وهل يمضي به الخصوم، وبينهم من يروّج أساسًا لـ"صراع الأجنحة" داخل "التيار"؟!
على أرض الواقع، ورغم اتفاق الكثيرين على أنّ أيّ مرشح رئاسيّ قد يحوز على فرص أكبر من تلك التي يملكها باسيل، الذي يُعتبَر حتى إثبات العكس المرشح "الأقلّ حظًا" في انتخابات الرئاسة، بعدما راكم الخصوم داخل "التيار" قبل الخارج، يستبعد العارفون أن يتمكّن أيّ مرشح "عوني"، سواء كان من الجناح المؤيد لباسيل أو المعارض له، من الحصول على "الإجماع المطلوب"، بما يتيح التوافق عليه في إطار "تسوية شاملة".
صحيح أنّ أوساط معظم القوى السياسية ترفض إعطاء إجابة "حاسمة" على هذا السؤال "الافتراضي"، باعتبار أنّ الأمر يبقى مرهونًا بالاسم الذي يمكن أن يختاره "التيار"، كما بالظروف الموضوعية، إلا أنّ الثابت أنّ ما يسري على باسيل يسري على المنتمين إلى "تياره" برأي أغلبية هؤلاء "الناخبين"، خصوصًا أنّ رئيس "التيار" لن يمنح غطاءه مجانًا لأيّ مرشح، ومن دون الاتفاق معه على "سلة متكاملة"، قد تكون "بيت القصيد".
يرى كثيرون أنّ افتراض ترشيح باسيل لأحد من "تياره" هو وهم من الأصل، وأنّ أيّ "مرونة" على هذا الصعيد، ولو حصلت، لا يمكن أن تكون أكثر من "مناورة" لا تقدّم ولا تؤخر في المعادلة. إلا أنّ الثابت، كما يقول العارفون، مهما تعدّدت "التكتيكات"، يبقى أنّ الحوار هو "المفتاح الوحيد" لتحرير استحقاق الرئاسة، وفيه تُناقَش كلّ هذه المسائل، ما يبدو بديهيًا منها، كما ما يبدو حلمًا بعيد المنال!