وفي هذا السياق، يشير اختصاصي جراحة السمنة، ماهر حسين، إلى تبعات السمنة على عمر الشخص البدين، مشيراً إلى أنها سبب ثانٍ، بعد التدخين، في تقصير عمر الإنسان من 8 إلى 16 سنة، وسبب ثالث في جعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بأمراضٍ مزمنة "وزيادة احتمالية إصابته بـ15 نوعاً من الأمراض الخبيثة بمعدّل أكثر من ضعفين"، وسبب خامس للوفاة عالمياً، كما أنها تؤثر على مناعة الجسم وتجعله أكثر هشاشة أمام أوجاع الظهر والديسك ومشاكل الرقبة.
وإن كان ثمة سبب واحد للبدانة يتعلّق بالوراثة، بحسب الفوّال، إلا أن الأسباب الأخرى، وهي كثيرة، متصلة بنمط الحياة . يقارن الأخير بين ما كان عليه الواقع قبل 60 عاماً، وما هي الحال عليه اليوم، ليقيس بالسنوات درجة التغيّر، حيث يشير إلى أن الانقلاب من حيّز الرشاقة إلى البدانة أساسه "الراحة المفرطة"، ففي السابق "لم يكن الوقت للراحة بقدر ما كان للعمل". يضاف إلى ذلك التغيّرات في نوعية الطعام وتوقيته، إذ إن "الطعام بات أكثر دسامة وضرراً بما أنه بات يعتمد على الوجبات السريعة معظم الوقت"، بحسب حسين. وما يزيد الطين بلّة هو قلة الحركة التي صارت أمراً شائعاً بين الكبار والصغار، بحيث استُبدلت الرياضة بالشاشات.
عادة لا تكون الجراحة أول الإجراءات التي يلجأ إليها المرضى، فغالباً ما تكون آخرها و"يجب أن تكون كذلك"، يقول اختصاصي جراحة السمنة، حبيب عجمي. أما عندما تصبح العملية أمراً واقعاً، فيشير عجمي إلى أن التعليمات الطبية قد تصل إلى اعتماد مؤشر 30 كسبب للتدخل، لجسم يعاني من البدانة مع أمراضٍ مزمنة (سكري وضغط...).
في الأعمّ الأغلب، تُحصر هذه العمليات ضمن خانة الأسباب الطبية، إلا أن عجمي لا يلغي من ضمن الأسباب التي تدعو البعض إلى إجراء الجراحات، "العامل التجميلي"، مشيراً إلى أن "30% من العمليات التي أجريها في عيادتي هي عمليات تجميلية و70% عمليات استناداً إلى سبب طبي". ولا يجد عجمي مبرّراً يمنع إجراء العمليات لأسباب تجميلية إن تسبّب ذلك الوزن بأزمة نفسية لدى الشخص. يقول: "إذا كان الشكل سيجعل من فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً وبوزن 82 كيلوغراماً مثلاً إنسانة مستوية نفسياً فلا مانع من ذلك"، خصوصاً أن الكثيرين اليوم "يعيشون معيار الجمال على إنستغرام وفايسبوك".
وفي هذا الإطار، كتبت آمال خليل في "الأخبار"، أن الكيلوغرامات الزائدة لدى "ثريا" لم تكن عائقاً أمام زواجها لمرتين، وكلا الزوجين أنحف منها بعشرات المرات. ابنة الـ32 عاماً، تزن حالياً 123 كيلوغراماً بعدما وصل وزنها إلى 140 كيلوغراماً قبل سنوات. في سنين مراهقتها، لم تكن بهذا الوزن، لكنها كانت ممتلئة، ما دفع والدتها إلى إقناعها بإجراء عملية تصغير المعدة في سن الـ19. "خفت بألا تنفق (تتزوج)" قالت والدتها. لم تكن العملية الحلّ. عانت من مضاعفات كادت تودي بها، فضلاً عن أنها ضاعفت وزنها، "لم يطيّر وزني العرسان" تقول ثريا متفاخرة أمام والدتها.
وأكثر ما يعاني منه صاحب الوزن الزائد، عقدة العثور على الألبسة، وتقول سمر عبدالله: "هذا كان زمان قبل الـXXXXXXXL" وهو اسم متجر الألبسة الذي تملكه في النبطية وبيروت، قبل أن تقفل فرع صور. عبدالله المعروفة بين زبائنها بـ"سمر XL" لفتت إلى أن شقيقها وشريكها في القطاع، قرّرا افتتاح متجر خاص بالألبسة بقياس كبير عام 2006. الشقيقان كانا يتاجران بالألبسة ذات القياس العادي.
وبعدما لمسا معاناة بعض الأقرباء والأصدقاء البدناء، قرّرا افتتاح خط خاص بهما. اضطرا للسفر إلى تركيا لاستيراد البضائع التي لم تكن متوافرة في المصانع اللبنانية. وعلى نحو تدريجي، تنوّعت التشكيلة الرجالية والنسائية لتشمل جميع أنواع الألبسة من "اللانجري" إلى فساتين السهرة ووفق آخر صيحات الموضة، كما تؤكد سمر. "لا أعرض عباءات"، تجزم. فالعباءة السوداء كانت مرادفاً لدى البعض للبدانة أو لإخفاء عيوب الجسم. تعتمد هذه الإستراتيجية "لتشجيع الممتلئات على ارتداء الألبسة الملونة والمزركشة والتي تظهر قوامهن بشكل مرتب. وهذا ما يعزّز ثقتهن بأنفسهن، وبأنهن لسن أقلّ من النحيفات في اختيار ما يرغبن بارتدائه".
تقرّ سمر بأن أسعار الألبسة ذات المقاس الكبير أغلى من الألبسة العادية، "فهي تستهلك كمية قماش أكبر. فضلاً عن أن نوعية القماش يجب أن تكون جيدة لكي لا تتمزق بعد تكرار ارتداء القطعة".
أما رضا صوايا فكتب في "الأخبار" أيضاً، أن أسعار المواد الغذائية في لبنان ارتفعت 16 ضعفاً منذ عام 2019 وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، ومعها قفزت تكلفة السلة الغذائية من 53 ألف ليرة نهاية عام 2019 إلى 844 ألف ليرة حتى شهر حزيران المنصرم. صعوبة الكثير من اللبنانيين في الوصول إلى الطعام لسدّ الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية قد تصعّب من التعاطف مع الأفراد الذين يأكلون مقدار حاجتهم الطبيعية ولكن لا يكتفون، على اعتبار أنهم يأكلون أكثر مما يلزم. لكنّ معاناة المصابين بالشره حقيقية ومؤلمة وأسبابها خارجة عن إرادتهم، وهم يحتاجون إلى علاج قد لا يكون في مقدار الكثيرين منهم تحمّل أكلافه.
وبحسب الاختصاصية في التغذية وإدارة الصحة والمستشفيات رنا أبو مراد، فالشره "مرض نفسي، لا يشعر من يعاني منه بالشبع. وعلى الرغم من أن المصاب بالشره قد يكون تناول الوجبات الغذائية التي يحتاج إليها جسده، فإنه يحتاج إلى أن يستهلك المزيد من الطعام. وهنالك حالات حيث يكفي الإنسان الشره أن يرى طعاماً أمامه أو شخصاً آخر يأكل لكي يشعر بالرغبة بالأكل من جديد، ولو كان قد أكل منذ لحظات".
للشره أسباب نفسيّة عدة، بحسب أبو مراد، قد تنتج عن مشاعر متناقضة كالفرح والحزن، أو التوتر والضغط والسعادة، أو عن صدمة عاطفية أو الإحساس بالحب. وهنالك حالة المصابين بالبوليميا، والتي تُعدّ حالة أكثر تطوراً من الشراهة، ويشعر من خلالها الشخص بأنه نحيف ولا يأكل كما يجب ومحروم من الطعام، فيما يكون في الواقع بديناً وأسرف في تناول الطعام. إضافة إلى ما سبق "ساهم وباء كورونا في زيادة الشره لدى الكثير من الناس الذين وجدوا في الطعام سلوى للتعويض عن الملل الناجم عن البقاء في المنزل لفترات طويلة. كذلك تزيد الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نمرّ بها من الضغوطات النفسية لدى الناس الذين يجدون في الطعام ملاذاً ومهرباً".
حسابياً تكشف أبو مراد أن "الفرد بحاجة تقريباً إلى 140 ألف ليرة يومياً لتأمين حاجته الضرورية من الغذاء، وفي حالة المصابين بالشره قد تتضاعف الكلفة بحوالى 3 مرات وتصل إلى حدود 420 ألف ليرة يومياً. أما الذين يخضعون للعلاج فقد تصل كلفة المسار الغذائي الذي يفترض بهم اتباعه شهرياً إلى حوالى 10 ملايين ونصف مليون ليرة، وهو مكوّن من 5 وجبات يومياً على مدار 6 أيام في الأسبوع".
وعن مصير الذين يشعرون بالشراهة ولا قدرة لهم على تلبية كامل احتياجاتهم الغذائية تقول أبو مراد إنهم "سيشعرون بالكآبة وهو ما قد يدفعهم إلى اللجوء إلى أدوية الأعصاب".