مع انطلاقة العام الجديد 2023، تدخلُ بورصة الدّولار مرحلة جديدة من تقلبّات الهبوط والصعود، مستمدّة ذلك من من واقعٍ حكم السّوق على مختلف المستويات، سواء الإيجابيّة أم السلبية. وحالياً، فإنّ ما يُمكن قوله،هو أنّ أغلب الأسواق باتت تنتظرُ الأيام التي ستلي عطلة الأعياد، إذ أن الترقّب هو سيد الموقف وسط حديث خبراء اقتصاديين عن إمكانية تبدل مسارات سعر الدولار في وقتٍ قريب، إمّا صعوداً أو هبوطاً.
المشهد محكومٌ بـ"صيرفة"
وعملياً، فإنّ التقلبات التي سيشهدها الدولار ستكونُ محكومةُ بآخر تعاميم أصدرها مصرف لبنان، الأسبوع الماضي، والتي ترتبطُ بتعزيز قدرة المواطنين على شراء الدولارات عبر منصّة "صيرفة". في حال استمرّ هذا الأمر، بمعنى أنه في حال تمكن المواطنون بشكل مستمر من الحصول على الدولارات من المصارف، عندها فإنّ حجم الطلب على العملة الصعبة في السوق الموازية سيتراجع، وبالتالي قد ينخفض سعر الدولار في تلك السوق ليُلامس "صيرفة"، مع العلم أن سيناريو هبوط سعر دولار السوق الحرة إلى مستوى أدنى من سعر المنصة هو أمرٌ غير قائم حالياً، لكنه ليس مُستبعداً في الوقت نفسه.
تقول مصادر مصرفيّة لـ"لبنان24" إنّ ما يحصل على صعيد "صيرفة" لن يكون مرتبطاً بمدى واضح، معتبرة أنّ مبادرة مصرف لبنان باتجاه منح الدولارات للمواطنين وفق سقوفٍ غير مُحدّدة قد لا تستمرّ إلى أمدٍ طويل، وتضيف: "هذه الخطوة قد تكون بمثابة جُرعة مورفين لتصاعد الدولار، لكنّ المشهدية الأكبر ترتبطُ بما سيجري في السوق بعد خطوة مرتقبة لمصرف لبنان تتمثل بإصدار تعميم جديد يُقيّد مجدداً منح الدولارات عبر صيرفة للمواطنين".
واعتبرت المصادر أنّ منح الدولارات عبر "صيرفة" بشكل مفتوح قد يمثل ملاذاً يمكن استغلاله لمراكمة أرباحٍ كبيرة في وقتٍ لاحق، وقالت: "هناك جهات قد تبادر إلى استثمار دولارات صيرفة لاحقاً في السوق، الأمر الذي سيُكرر المضاربات مُجدداً وبالتالي سيرتفع سعر الدولار أكثر".
إلى أي سعر سيصل له الدولار؟
حتى الآن، فإنّه لا يمكن جزم السعر أو الرقم الذي قد يصل إليه سعر الدولار في الوقت الرّاهن، لكن ما يمكن قوله هو أن هذا الأمر مرهونٌ بعوامل عديدة أبرزها:
1- مدى استمرارية مصرف لبنان بتعميمه الخاص بـ"صيرفة".
2- تأثير الدولار المصرفي الذي سيُصبح بـ15 ألف ليرة اعتباراً من 1 شباط المُقبل.
3- مدى التزام المصارف بتطبيق تعاميم "صيرفة" والتزامها بتسليف زبائنها الدولارات وفق المنصّة.
4- اللحظة التي سيتخذ فيها مصرف لبنان قراراً بـ"جمع دولارات من السوق" مجدداً بهدف تمويلِ الإستيراد أو "صيرفة" أو غيرها من الأمور.
أما الأمر الأهم والذي لا يمكن نفيه تماماً هو النمط الذي سيعتمده المضاربون في السوق الموازية، واللحظة التي سيجري استغلالها لبدء طرح أسعار جديدة للدولار ضمن منصات التداول. وحُكماً، هذا الأمر لا يخضع لضوابط، كما أنه لا يرتبطُ سوى بتُجار ينشطون ضمن السوق من دون قواعد.
وحالياً، فإنّ ما يجري في السوق يُمكن وصفه بـ"فورة صيرفة"، أي أن المواطنين يبادرون باتجاه بيع دولارات لديهم للحصول على الليرة، ومن ثمّ إيداع تلك الأموال لدى المصارف بغية الحصول على الدولارات. وفعلياً، فإنّ الدورة التي تسلكها تلك العملية تعني أن هناك دولارات تُضخّ في السوق من قبل المواطنين من أجل الحصول على الليرة لزوم إيداع "صيرفة"، بينما سيجري تحصيل مبالغ الدولار مجدداً من المصارف مع هامش ربحٍ بسيط. وهنا، فإن المواطنين لا يجنون عملياً سوى حفنة بسيطة من الدولارات، وقد تكونُ عملية "صيرفة" بمثابة حافزٍ للمواطنين لإخراج دولارات مخبأة وتشغيلها بالسوق، لأن المبالغ التي تباع ضمنه ستعود حكماً إلى المصارف ومصرف لبنان ضمن دورة معينة تحدث، فيما المواطن يستفيد من هامش لا يتجاوز الـ120 دولاراً شهرياً.
إذاً، وفي حال استمرّت مشهدية "صيرفة" في الوقت الراهن، عندها يمكن القول أن سعر الدولار قد ينخفض قليلاً إلى حدود الـ38500 ليرة لبنانية ليُعاود الصعود التدريجي. وفعلياً، فإن هذا الأمر (الهبوط لملامسة صيرفة)، قد حصل سابقاً وفي فترات عديدة، لكن المسألة ترتبطُ بمدى قدرة مصرف لبنان على تنسيق العمليات القائمة والمطلوبة للحفاظ على التدخل بأوراق القوة الموجودة بحوزته، سواء عبر "صيرفة" أو بالطرق الأخرى التي يعتمدُها.