مع بدء العدّ العكسي لانتهاء العام 2022، يستعيد اللبنانيون في أذهانهم "رزنامة" السنة بكلّ تفاصيلها، الحلو منها والمرّ، آملين أن يحمل العام الجديد ما يُنسيهم "الأوجاع" التي تهيمن على "حصاد العام"، إن جاز التعبير، هي التي لا تنتهي على أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، معطوفة على "فراغ" شبه شامل في السلطة، لا تخرقه ربما سوى الحكومة التي يسعى البعض لإفراغها من صلاحياتها.
وفيما يستعدّ اللبنانيون كما غيرهم من شعوب العالم لـ"الاحتفال" برأس السنة، رغم الظروف الصعبة على كلّ المستويات، ليكرّسوا مبدأ "حبّهم للحياة"، وتجاوزهم كلّ المعوقات لإثبات ذلك، فإن العيد يبدو "ثقيلاً" على الكثيرين منهم، ممّن لن يكونوا قادرين على إحياء المناسبة كما يحلو لهم، ولا حتى على تحضير "مائدة استثنائية" تجمع العائلة في المنزل، كما دأب الكثير من اللبنانيين على أن يفعلوا تاريخيًا.
وإذا كان صحيحًا أنّ احتفالات رأس السنة تكرّس هذا الواقع "الأليم"، إن جاز التعبير، فإنّ الثابت أنّه ليس وليد ليلة وضحاها، بل نتيجة "تراكمات" من الأزمات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، "أزمات" كان العام 2022 شاهدًا عليها، وقد يكون من المفيد استعادتها في سبيل أخذ العِبَر منها، فما أبرز الأحداث التي طبعت 2022 لبنانيًا على المستوى السياسي؟ وهل من "فسحة أمل" وسط كلّ هذه "المعمعة"؟!
انتخابات مفصليّة واستثنائيّة
باستعادة "رزنامة" أحداث العام 2022، تحضر الانتخابات النيابية التي شهدها لبنان في أيار الماضي، لكنّها شغلت اللبنانيين طيلة النصف الأول من العام، بعدما وُصِفت بـ"الاستثنائية والمفصلية"، لكنّها لم تخلُ من "الغموض والضبابية"، حيث كان اعتقاد كثيرين أنّ شيئًا ما سيحول دون إنجازها، حتى قبل أيام قليلة من موعدها المفترض، رغم تعهّد الحكومة ورئيسها الثابت منذ اليوم الأول بأنّها لن تتأخّر في تنظيمها وإنجاحها.
وعلى "طريق" الانتخابات، شهد العام محطات "جوهرية" واستحقاقات يعتقد كثيرون أنها فاقت "حدث" الانتخابات أهمية، لعلّ أهمّها على الإطلاق إعلان رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري تعليق مشاركته في العمل السياسي في بداية العام، وهو قرار لم يترك آثاره على الانتخابات فحسب، ولكن على الحياة العامة بالمُطلَق، ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم، رغم كلّ ما أثير في أكثر من محطّة عن عودة "الشيخ سعد".
وفي حين شهدت الانتخابات الكثير من المفاجآت، خصوصًا على مستوى التحالفات، التي أدرِجت في خانة "المصالح الانتخابية" بالدرجة الأولى، فإنّ نتائجها حملت في ظاهرها، "نواة تغيير" حقيقي، خصوصًا مع "خروقات" سُجّلت في أكثر من منطقة للاصطفافات الحزبية التقليدية، إلا أنها في باطنها، بدت "مخيّبة" لكثيرين، خصوصًا في ضوء أداءٍ "باهت" للكثير من النواب، الذين صُنّفوا "ثوريين"، أو "تغييريين".
فراغ رئاسي وأكثر
مع انتهاء مرحلة الانتخابات، لم يتغيّر الكثير في الواقع السياسي العام، فبقيت الأزمات تراوح مكانها، وعادت الانقسامات لتطغى على ما عدها، خصوصًا بعدما أفضى المشهد الانتخابي إلى عدم وجود "أكثرية واضحة" بيد أيّ فريق، وهو ما تُرجِم عجزًا متواصلاً حتى الآن في البتّ بأهم الاستحقاقات، فلم تتشكّل حكومة ما بعد الانتخابات كما كان مفترضًا، ولم يُنتَخَب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري.
رغم ذلك، يبقى تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون "مفصليًا" في رزنامة 2022، تمامًا كالولاية التي لن ينساها اللبنانيون، لما شهدت عليه من محطات "سلبية" سُجّلت عليها، حتى لو لم يكن عون نفسه يتحمّل مسؤوليتها بالكامل، بدءًا من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، إلى انفجار مرفأ بيروت الذي حفر عميقًا في الذاكرة اللبنانية، وما بين الإثنين من أزمات اجتماعية ومعيشية كادت تأخذ البلاد نحو "جهنم".
ولعلّ الأصعب ممّا سبق أنّ "الانقسامات" التي أفرزتها ولاية عون استمرّت بعد انقضائها، حيث تعمّد الرئيس السابق إصدار مرسوم "شكليّ" باعتبار الحكومة مستقيلة، ليتلطّى مناصروه خلفه من أجل "شلّ" الحكومة، وهو ما استمرّ حتى اليوم الأخير من العام، رغم أنّ مجلس الوزراء نجح في عقد جلسة له، لن تكون "يتيمة" على الأرجح، وذلك تحت عنوان بنود ملحّة وطارئة، قوامها تسيير شؤون الناس.
لا شكّ أنّ العام 2022 حمل، إلى جانب كلّ ما تقدّم، بعض المحطّات "الإيجابية"، أو بالحدّ الأدنى "المبشّرة"، لعلّ أهمها اتفاق ترسيم الحدود البحرية التاريخيّ مع العدو الإسرائيلي، الذي تمّ التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة، والذي يمكن البناء عليه، فضلاً عن بدء مسار "الإنقاذ" من خلال المفاوضات مع صندوق النقد، إلا أن ترجمتها بمجملها تتطلب مقاربة "حكيمة" من جميع الفرقاء، يأمل اللبنانيون أن تتحقق مع العام الجديد!