خبر

الدولار "نجم" 2022 وما بعد بعدها.. هل من "حدود" تُرسَم له؟!

في "حصاد" 2022، تحضر الكثير من الاستحقاقات الأساسية التي طبعت العام لبنانيًا، من الانتخابات النيابية التي وُصِفت بـ"المفصلية"، ولو أنّ نتائجها لم تغيّر الكثير على أرض الواقع، رغم الخروقات "الطفيفة" التي سجّلتها، إلى انقضاء ولاية الرئيس ميشال عون، الذي سلّم قصر بعبدا إلى "الفراغ"، كما استلمه منه قبل ستّ سنوات، ولكن بفوارق "جوهرية" في واقع البلاد، يكاد ينطبق عليها وصف "بين السما والأرض".

 

في "حصاد" العام، يحضر أيضًا الكثير من المحطّات "الاستثنائية"، التي لا بدّ أن تترك تداعياتها وآثارها على مراحل طويلة مقبلة، وعلى رأسها اتفاق ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، الذي أنجِز هذا العام بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية التي رعتها الولايات المتحدة، كما تحضر بعض الملفات "المتوارثة"، وفي مقدّمها ملف اللجوء المضني، وما أحاط به من "كوارث" قوارب الهجرة غير الشرعية، أو ما سُمّيت بـ"سفن الموت".

 

لكن، أبعد من كلّ هذه المحطات والاستحقاقات، على أهميتها، يبقى الدولار "نجم العام بدون منازع"، بل "نجم" الأعوام السابقة واللاحقة، بعدما أضحى سؤال "قديش الدولار" الشغل الشاغل للبنانيين في يومياتهم، كيف لا وقد افتتح العام 2022 على سعر يقارب 27 ألف ليرة لبنانية، ليختتمه على سعر "مضاعَف"، كاد يصل إلى معدّل 50 ألفًا، لولا التعاميم "المسكّنة" التي صدرت في الأيام الأخيرة، وتركته بحدود الـ44 ألفًا.

 

"دولرة" السوق

 يمكن القول إنّ "دولرة السوق" طبعت العام 2022 على كلّ المستويات، فبعد نحو عامين من بدء "الانهيار" الاقتصادي، تزامنًا مع "انتفاضة" اللبنانيين التي لم يُكتَب لها الصمود على الواقع المُرّ، بات الدولار هو "الحاكم المُطلَق"، وعادت كلّ الخدمات والسلع لتُسعَّر بموجبه، تمامًا كما كانت قبل الأزمة، رغم أنّ الرواتب في الكثير من القطاعات لم "تصحَّح" حتى الآن، بما ينسجم مع هذه "الدولرة"، إن جاز التعبير.

 

ترافقت هذه "الدولرة" للسوق مع رفع الدعم عن الكثير من السلع والخدمات الأساسية، بما فيها المحروقات بشكل كامل، ما أنهى نسبيًا ما سُمّيت بـ"طوابير الذل"، لكنّه جعل "تفويل" السيارات بمثابة "مهمّة تعجيزية" للكثيرين، ممّن اضطروا إلى "تقنين" تنقلاتهم، علمًا أنّ سياسة رفع الدعم، على صعوبتها، أضحت "الخيار الوحيد" أمام الدولة، وفق ما يؤكد العارفون، باعتبار أنّ الاستمرار بالوضع السابق لم يعد ممكنًا.

 

وعلى وقع "دولرة السوق"، ازدادت "معاناة" الناس، في ظلّ معدّلات تضخّم ترتفع، ومستويات غلاء بلا حدود، وسط كثير من الشكاوى من أنّ الأسعار ترتفع تلقائيًا كلما سجّل الدولار ارتفاعًا ولو طفيفًا في السوق الموازية، من دون أن تنخفض في المقابل متى تراجعت العملة الخضراء، وهو ما زاد من مؤشرات تفاقمه، موجات الارتفاع الجنوني التي سجّلتها السوق في أكثر من محطّة ومناسبة.

 

"الآتي أعظم"؟!

آخر موجات "الجنون" هذه سُجّلت قبل أيام فقط، من دون أسباب أو مبرّرات واضحة تفسّرها، باستثناء ما حُكي عن "تهريب" للدولارات إلى خارج الحدود، قبل أن يتدخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من خلال "تعاميم" باتت أقرب إلى "المسكّنات"، وقد تكرّرت لأربع مرّات في فترة وجيزة، حيث تنجم في "الحدّ" من اندفاعة الدولار لبعض الوقت، قبل أن يعاود الصعود من جديد، كما يرجّح الخبراء الاقتصاديون.

 

يدفع ذلك إلى طرح الكثير من علامات الاستفهام عن "حدود" الصعود المتواصل في سعر الصرف منذ ثلاثة أعوام حتى اليوم، من 1500 ليرة إلى ما يقارب 50 ألفًا اليوم، في رقم قياسي لا يبدو تسجيله بعيدًا، بل إنّ الخبراء لا يستبعدون أن يُكسَر من جديد مع الأشهر الأولى من العام الجديد، وسط "مخاوف" من أن يتضاعف أكثر وأكثر، ليصل إلى مئة ألف ليرة مع نهاية العام المقبل، إن لم يتدارك المعنيّون الأمر.

 

وإذا كانت الخشية كبيرة من أن يكون "الآتي أعظم" فعلاً كما يبشّر كثيرون، علمًا أنّ العام الجديد سيشهد على استحقاق مهمّ، مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في أيار المقبل، فإنّ القناعة السائدة تبقى أنّ الأزمة "سياسية" بالدرجة الأولى، والمطلوب معالجة جذرية، تبدأ بإعادة الانتظام للمؤسسات، من أجل الشروع بخطة "الإنقاذ" التي رسمت الحكومة ملامحها الأولى، بمباشرتها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 

في رأس السنة، يحلو لكثيرين اتخاذ قرارات "مفصليّة"، ليشكّل العام الجديد "قفزة نوعية" على أكثر من مستوى. مثل هذه القرارات قد يكون أكثر من مطلوب على المستوى الداخلي، وبالحدّ الأدنى الاقتصادي، من خلال إبعاد "الدولار" عن التجاذبات السياسية التي لا تنتهي، لأنّ ترك الأمور على غاربها، كما يُقال، لن يفتح "حدود" الجنون فحسب، بل سيثبّت وقوع البلاد في فخّ "جهنّم"، بجدارة وامتياز!