خبر

هل تكون سنة 2023 سنة "الرجوع عن الخطأ فضيلة"؟

عادة ما تكون فترة ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة فرصة لمراجعة الحسابات، سواء على الصعيد العام او على الصعيد الفردي. فلكل واحد منّا أخطاؤه وسقطاته واخفاقاته، كما له نجاحاته وانجازاته. في هذا الأسبوع يعود الانسان إلى ضميره فاحصًا ومستفيدًا، في ما يشبه "محاكمة الذات". فإذا كان قد أصاب في بعض الخطوات يصمّم على المتابعة والمثابرة والتحفيز. وإذا رأى أنه أخطأ في أماكن أخرى يحاول تصحيح ما أمكن من الأخطاء، التي تكون في الغالب أكثر من الصحّ، وذلك من خلال عقد العزم على عدم تكرار الأخطاء، التي ربما تكون قد فرضتها ظروف قاهرة معينة.  

في هذا الأسبوع الفاصل، حيث يستعدّ الجميع لاستقبال عام جديد يؤمل أن يكون أفضل مما سبقه من السنوات العجاف، يعود الجميع إلى ذواتهم بصفاء ذهن، وبعيدًا عن الصخب والهموم اليومية المتكاثرة والمتراكمة، ليكتشفوا السبل الكفيلة بعدم تكرار أخطاء الماضي، والمضي قدمًا نحو المستقبل بشيء من التفاؤل، باعتبار أن دورة الحياة ستستكمل دورتها الطبيعية بغض النظر عن رؤيتنا الواقعية للأمور. فهذا التفاؤل بغد أفضل هو ما يجعل الناس يتخطّون الصعوبات الكثيرة التي تصادفهم في مشوار حياتهم اليومية. وهو الذي يحفزّهم لطلب ما هو أفضل وما لا يشبه الماضي بشيء. وهذا ما يُسمّى في العالم السوسيولوجي "حب الحياة" أو "الصراع للبقاء"، في خضّم هذا الكمّ الهائل من المتراكمات، التي من شأنها أن تثبط العزائم والهمم.  

هذا على المستوى الشخصي لكل فرد في المجتمع، والذي يحاول أن يعيش حياة شبه طبيعية على رغم كل الظروف المعاكسة التي تحيط به.   

أمّا على الصعيد العام، والمقصود هنا جميع الذين يتعاطون بالشأن العام، فالأمر مختلف كليًا وجذريًا، وذلك انطلاقًا من مسلمة عامة، وهي أن هؤلاء الذين يتعاطون بهذا الشأن، وبالأخص في الشأن السياسي، لا يعترفون عادة بأنهم أخطأوا، ويرفضون بالتالي إجراء جردة حسابية عن ماضيين قريب وبعيد، ليروا أين أخطأوا وأين اصابوا. والحجّة في عدم اجراء هذه الجردة أنهم حتمًا سيجدون في ما لو أجروها أنهم أخطأوا أكثر بكثير مما أصابوا. والدليل ما وصلت إليه حال البلاد، وهي انعكاس طبيعي لسلسة اخفاقاتهم وسوء اداراتهم للشأن العام، والعمل لمصالحهم الشخصية أكثر بكثير مما عملوه للصالح العام، إذا لم نقل إنهم لم يقدموا على أي خطوة مفيدة في المجال، الذي يمكن أن يرفع هذا الحمل الثقيل عن أكتاف اللبنانيين، والذي يرهق كاهلهم، وينغّص عيشهم.  

هذا "البعض" من أهل السياسة، الذي يرفض أن يحاسب نفسه على أخطاء ارتكبها، ولا يزال يرتكبها، هو من أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه. وقد يكون هذا "البعض" جميع الذين لا يرون أبعد من انوفهم، أو أنهم ينظرون، ولكنهم لا يرون سوى القشة في عيون الآخرين، وهم غافلون عن "الجسر"، الذي في عيونهم، والذي يعمي بصرهم وبصيرتهم.  

هذا "البعض" هو من يحاول أن يقول للجميع إنه على حقّ فيما هم جميعًا على خطأ. وهذا النوع من السياسيين الطارئين على الحياة السياسية بفعل عوامل غير طبيعية لا يتقبل النقد، حتى ولو كان بنّاء وإيجابيًا، وبالتالي يرفض أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون. هذا الصنف من السياسيين غير مدرجة في قاموسهم معادلة "الرجوع عن الخطأ فضيلة". ولهذا نراهم في كل خطوة يقدمون عليها يكرّسون فيها أخطاء الماضي، بحيث تصبح إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ضربًا من ضروب المستحيل. ومع كل خطوة يقدمون عليها نراهم يغرقون في الرمال المتحركة أكثر فأكثر.