ليس سرًا أنّ الملف اللبناني "حاضر" بصورة أو بأخرى، على طاولة، أو ربما "طاولات" الخارج، ولو أنّ هذا الحضور يبقى "خجولاً ومتواضعًا" إلى حدّ بعيد، كما حصل في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عقد هذا الأسبوع في الأردن، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان لبنان أكبر الغائبين عن بيانه الختامي، ولو أنّ العارفين يؤكدون أنّ أثره كان موجودًا في المداولات الجانبية على هامش المؤتمر.
وقبل مؤتمر بغداد، كان الملف اللبناني حاضرًا في العاصمة القطرية الدوحة، على هامش العرس المونديالي الذي استضافته، واستقبلت في سياقه العديد من قادة العالم، بينهم ماكرون نفسه، إضافة إلى بعض اللاعبين المحليين، ومنهم رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، الذي حطّ في الدوحة أكثر من مرّة في الأسابيع الأخيرة، وكذلك قائد الجيش العماد جوزيف عون، المصنّف على أنه أحد المرشحَين الأوفر حظًا.
وإذا كانت أبرز إشارات اهتمام الخارج بالملف اللبناني برزت قبل فترة، من خلال اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي شكّل "خرقًا" على خط العلاقات اللبنانية السعودية، وكرّس عودة الرياض إلى الساحة اللبنانية بشكل أو بآخر، فإنّ "الرهانات" بدأت تتصاعد بانتظار "لقاء باريس" المرتقب، إذا ما صدقت المعلومات الصحافية بشأنه، خصوصًا في ظلّ الدفع الفرنسي إزاءه.
لكن، أبعد من كلّ هذه المؤشرات، ثمّة من يؤكد أنّ الحراك الخارجي، وإن وُجِد، "لم ينضج" بصورة كلية بعد، وهو لا يزال محصورًا في خانة "استمزاج الأفكار"، إن جاز التعبير، باعتبار أنّ الرؤية الخارجية لا تزال في مربعها الأول، القائم على نظرية "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم" التي كان الفرنسيون أول من "ابتكروها"، للتأكيد على أنّ الكرة في الملعب اللبناني بالدرجة الأولى، وعلى القوى السياسية أن تلعب دورها قبل أن تنشد المساعدة.
في هذا السياق، يقول العارفون إنّ أي حراك خارجي، حتى يكتمل، يحتاج إلى "مقوّمات" لا بدّ أن تنطلق من الداخل اللبناني، وإلا يصبح "بلا بركة"، فما تقوم به الدوحة مثلاً قد يكون أكثر من مفيد، خصوصًا إذا ما كان منسّقًا مع العواصم المعنيّة بلبنان، ولكنّه قد لا يكون كافيًا، إذا لم يقترن بحوار داخلي لبناني، بات أكثر من "ضرورة"، لأنّ أيّ "تسوية" يستحيل التوصّل إليها بين أفرقاء "يقاطعون" بعضهم البعض، كما هو الحال في لبنان اليوم.
ويضيف البعض إلى هذا التصوّر، "قناعة" لا يبدو أنّها تغيّرت حتى الآن على الأقلّ، وتقوم على أنّ الملف اللبناني لا يُعتبَر من "أولويات" الخارج، حتى إثبات العكس، فالملفات "الضاغطة" تتجاوز لبنان، من الحرب الأوكرانية والهواجس التي تولّدها على الصعيد الأوروبي مثلاً، إلى الاقتصاد المترنّح عالميًا، وكلّها تؤرق المجتمع الدولي أكثر بكثير من تحديد هوية رئيس للبنان، إن لم يبادر اللبنانيون في المقام الأول.
لن يترك المجتمع الدولي لبنان. هي قناعة لدى كثيرين، يعتقدون أنّ للبنان "مكانته" في روزنامة الدول، الكبرى منها كما الصديقة. وثمّة من يعتقد أنّ دول "الجوار العربي" لن تسمح للبنان بأن يمضي أكثر نحو "الانهيار"، وهي لن تتأخر في "إنقاذه" متى احتاج الأمر تدخّلها. لكنّ الأكيد أنّ سياسة "الاتكال" على هذا الخارج قد ولّت وانتهت مفاعيلها، والمطلوب من اللبنانيين اليوم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، من وحي زمن الأعياد!