صور جديدة ومشهديات مختلفة تشغل بال اللبنانيين بين الحين والآخر، ففي ظل دوارانهم في مستنقع الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية الحادة، وفي ظل تلهيهم بتأمين متطلبات حياتهم اليومية التي يفرض "الدولار" ايقاع تحركاتها واتجهاتها، وفي ظل الانتكاسات العديدة التي تجعل حياة المواطن أكثر صعوبة وأشد تعقيدا، تظهر الى العلن في بعض الاحيان مجموعة من الاشكاليات الاجتماعية التي تفرض نفسها وتتحوّل الى نقطة ارتكاز تدور حولها مجموعة من علامات الاستفهام.
بين السياسة والدين
وفي هذا الاطار، تعتبر مجموعة " جنود الرب" واحدة من آخر الاشكاليات او الظواهر التي شغلت اللبنانيين والتي تم رسم بعض السيناريوهات المرتبطة بها، اذ اعتبر البعض ان وجود "جنود الرب" ما هو الا ردة فعل طبيعية على وجود "حزب الله"، فيما رأى البعض الآخر انها مجموعة او تنظيم سياسي مسلّح يحمل الهوية المسيحية يتم الاعداد لاطلاقه عبر عدة مراحل وخطوات.
وفي المقابل، نظر بعض اللبنانيين الى مجموعة "جنود الرب" على انهم شكل من أشكال التطرف الديني بنسخته المسيحية، كما رأى البعض الآخر انها مجموعة تحاول فرض نفسها من خلال طرحها بعض العناوين الدينية والاجتماعية كالعمل على شد العصب المسيحي في صفوف الشباب ومحاربة الظواهر الاجتماعية المستقاة من الغرب.
فقر وآفات اجتماعية
روايات كثيرة نسجت حول "جنود الرب"، وتم النظر اليهم من زوايا مختلفة ومتعددة، وقد يكون الشكل الخارجي للمنتمين الى المجموعة، اذ ان معظمهم يلتحق بالنوادي الرياضية، من بين العوامل التي ساعدت على اظهارهم بصورة غريبة وغير تقليدية.
في هذا السياق وبحثاً عن حقيقة هذه المجموعة، حاول "لبنان 24" التواصل مع بعض المنتمين اليها، لكن قرارهم الذي نحترمه كان موحدا ومفاده ان "الوقت الحالي ليس للظهور الاعلامي، ففي بعض الاحيان يلعب الاعلام دورا سلبيا في اظهار صورتنا ورؤيتنا".
ووفقا لبعض المعلومات التي تمكن "لبنان 24" من الحصول عليها، تبدو رواية "جنود الرب" أقل تعقيدا أقله حتى الساعة من بعض ما يتم الحديث عنه.
فأعضاء الجماعة هم مجموعة من شباب مدينة الأشرفية وتحديدا من بعض احيائها الفقيرة والفقيرة جدا، واعمارهم غالبا ما تتراوح بين الـ 20 سنة و 45 سنة بشكل وسطي.
المنتمون الى هذه المجموعة وفقا للمعلومات، عانوا على غرار غالبية اللبنانيين من الازمات الكثيرة والمتعددة التي عصفت وما زالت تعصف بلبنان، وعاشوا مجموعة من الظروف السيئة جدا بفعل البطالة والفقر والعوز، فكان مصيرهم الانخراط ببعض الآفات التي تغري الشباب اللبناني لألف سبب وسبب.
أمام هذا الواقع ووفقا للمعلومات، حاول السيد نبيل الصحناوي، الوقوف الى جانب هذه الفئة من الشباب والعمل على اخراجهم من دوامة الفقر والآفات التي تهيمن على حياتهم.
وللغاية تم بداية جمع الشباب وتأهيلهم صحيا ونفسيا، كما تم متابعة بعض الأمور القضائية التي كان يعاني بعضهم منها عن طريق مجموعة من المحامين المختصين.
وفي مرحلة ثانية، اكدت المعلومات لـ"لبنان 24" ان الصحناوي من خلال انتمائه الديني والتزامه الكنسي، أراد ان يتم تأهيل الشباب ايضا على الصعيد الروحي، فكانت مجموعة من الجلسات التثقيفية الدينية التي ساعدت في خروجهم من الاجواء السوداوية التي ظللت حياتهم.
من هنا يمكن تفسير ردة فعل المنتمين الى مجموعة " جنود الرب"، فانتقالهم من ضفة الى اخرى كفيل بحد ذاته بدفعهم للتعاطي مع الامور الدينية والحياتية بشكل عام بصورة فاقعة غير تقليدية وغير معتادة في الكثير من الاحيان.
أما عن مظهرهم الخارجي ولباسهم الموحّد، تقول المصادر لـ"لبنان 24" ان "هذا الموضوع هو خيار اراد الشباب التعبير عن نفسهم من خلاله وهم وعلى عكس الانطباع العام عنهم، لا علاقة لهم بأي شكل من الاشكال العنف وحمل السلاح، كما ان لا علاقة لهم بالمجموعة التي تقوم بتأمين نوع من الأمن الذاتي لمدينة الاشرفية ".
ماذا تقول الكنيسة؟
وفي سياق متصل، يؤكد مرجع كنسي لـ"لبنان 24" ان "اشكالية مجموعة (جنود الرب) التي استوحت اسمها من الكتاب المقدس وتحديدا من العهد القديم، تطرح في الأروقة الداخلية للكنيسة.
وطرح هذه الاشكالية يأتي أولا من باب حرصنا على أبنائنا وعلى عدم انجرارهم وراء اي شكل من اشكال التعصب والعنف فديانتنا المسيحية تدعو دائما الى الانفتاح والسلام والحب.
كما ان طرح الاشكالية يأتي من باب تأكدنا ان هذه المجموعة لا تحاول الباس نفسها ثوبا دينيا بغية تمرير بعض الأفكار او المشاريع السياسية".
ويضيف المرجع عينه " حتى الساعة لا نرى علامات فعلية وجدية يمكن ان تثير القلق الشديد من هذه المجموعة، لكننا حريصون على تكوين صورة عامة وشاملة عنها قبل اصدار اي رأي او توضيح وهذا ما يحتاج الى مزيد من الوقت".
ويختم قائلا : " لا بد من طمأنة جميع اللبنانيين ، والتأكيد لهم ان المسيحية لا تحمل حقدا اوبغضا اوكرها تجاه اي أحد، لذلك ان كانت هذه المجموعة تؤمن بتعاليم المسيح الصافية، فهي حتما لن تكون مضرة للبنانيين ومجتمعهم".
في الخلاصة، "جنود الرب" يطرحون علامة استفهام جديدة في المجتمع اللبناني، والوقت هو وحده الكفيل في ان يظهر اهدافهم ورؤيتهم وكيفية ممارستهم لقناعاتهم ومعتقداتهم.