خبر

"جنون" الدولار حديث الناس... وهذا ما يقلقهم في الأعياد

قبل حلول عيد الميلاد وأسبوع على انتهاء سنة قمة المآسي لا نسمع أينما كنا وكيفما توجهنا سوى حديث واحد. هو حديث مشترك بين جميع اللبنانيين، الذين أصبح معظمهم يلامس خط الفقر، إن لم نقل تحته.  

فبماذا يتحدّث الناس هذه الأيام؟ وما هي الهموم التي تقضّ مضاجعهم وتجعلهم يتقلبون على جمرها؟  

هو الحديث نفسه يتكرر في كل لحظة تمر مثقلة بالخشية مما يخبّئه الغد من مفاجآت، اعتاد اللبنانيون، ومنذ فترة طويلة، على ألا تكون سارّة.  

ترى الكبير والصغير، الفقير والميسور، يسألون السؤال نفسه: أين أصبح سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية، وكم ارتفعت معه أسعار السلع الضرورية وغير الكمالية، باعتبار أن الكماليات في لبنان باتت محصورة بفئات قليلة جدًّا. هي الفئة التي تحدّث عنها الرئيس السابق ميشال عون أمام كوادر "التيار الوطني الحر"، بعدما حدّدها بـ"مليون"، وهم الذين يرتادون المقاهي والمطاعم، فيما الأربعة ملايين هم تحت خطّ الفقر. وقد صنّف نفسه من ضمن الفئة الثانية، باعتبار أن مخصصات رئيس الجمهورية باتت تساوي ما يعادل مئتين وخمسين دولارًا.  

فالحديث عن "جنون" الدولار لا يضاهيه أي حديث آخر. فهو حاضر ثالثًا كلما اجتمع لبنانيان. حتى أن هذا الحديث يجرّ المتحدّثين إلى أماكن أخرى لا تقّل أهمية عن المكان الأول، وهو أن المئة دولار، التي تساوي اليوم 45 ألف ليرة تقريبًا، لم يعد يكفي لشراء "كم غرض" من "السوبرماركت"، بينما كانت هذه المئة دولار تفعل فعلها بالأمس القريب. وهذا ما بدأ يلاحظه اللبنانيون المغتربون، الذين قصدوا وطنهم الأم لتمضية عطلة الأعياد في ربوعه، عندما أجروا مقارنة بين اليوم والأمس وعندما زاروه في عطلة الصيف.  

حتى أن الحديث عن الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار قد خطف الأضواء عن الملفات السياسية، وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي الذي يبدو أنه وضع في ثلاجة المماطلة المحلية وعدم الاهتمام الدولي والإقليمي، بعدما تبيّن أن اهتمام الدول حتى تلك المعنية بالملف اللبناني لم يعد على قدر الآمال المعقودة.  

ومع غياب هذا الاهتمام الدولي الجاد يبدو أنه بات على اللبنانيين التأقلم مع فكرة بقاء لبنان في الفراغ الرئاسي وغير الرئاسي، ولفترة طويلة، مع ما يستتبع ذلك من إجراءات وخطوات لا بدّ من أن تتخذها الحكومة، في محاولة منها لتقليص الأضرار و"فرملتها" والحؤول دون تفاقم الأزمة الاقتصادية أكثر مما هي متأزمة.  

وعلى رغم هذه المحاولات المحدودة الفاعلية نسبيًا فإن ثمة من لا يزال "يحرتق" على كل من يحاول أن يضيء شمعة بدلًا من أن يلعن الظلام، وبدلًا من أن يقف مثله مثل غيره في صفوف الذين يتأففون و"ينقون" ولا يعجبهم العجب حتى الصيام في رجب.  

ولم يعد خفيًا على أحد أن لهذا الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار أسباباً عدة، أهمها التوتر السياسي في البلد، وعدم توافق السياسيين على انتخاب رئيس للجمهورية، الذي يجب أن يكون "منقذًا" حقيقيًا، على أن يكون انتخابه بداية الصعود من الهاوية السحيقة.  

 صحيح أن حركة الأعياد مفيدة مع ما يمكن أن تؤدي إليه حركة اللبنانيين المغتربين الوافدين إلى البلد من نتائج اقتصادية إيجابية، ولكن هذه الحركة، كما كانت عليه الحركة الصيفية، مؤقتة ولا يمكن بالتالي التأسيس عليها.   

فمع ما يشكّله هذا الجمود السياسي المرشح للتفاعل بعد الأعياد، من مضاعفات، تمضي البلاد بخطى مثقلة بهواجس تنذر بانهيارات مالية مخيفة وما يمكن أن تعكسه بمفاعيلها السلبية على الأوضاع المعيشية المزرية للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بالتزامن مع تفاقم أزمة الاستشفاء والدواء، في الوقت الذي نرى فيه بعض السياسيين ماضين في تجاهل معاناة معظم اللبنانيين، والتلهي بأمور ثانوية وهامشية. وما شهده اللبنانيون في اليومين الماضيين عندما تمنّع وزير الدفاع الوطني من توقيع مرسوم المخصصات الاجتماعية للعسكريين في مختلف القطاعات خير دليل على عدم إيلاء شؤون المواطن ما تستحقه من اهتمام ومعالجة فورية.  

وبدلًا من وضع العصي في دواليب الحكومة، التي تحاول معالجة ما يمكن معالجته، المطلوب من هذا "البعض" البدء بالتفكير جدّيًا في عملية الانقاذ التي تبدأ حتمًا بانتخاب رئيس للبلاد، وذلك لتأمين الحد الأدنى من ‏الاستقرار المالي والاقتصادي، واعادة انتظام الحياة الدستورية والتشريعية لتذهب الأمور في اتجاه ‏التعافي ووضع الخطط التنفيذية، ولا سيما الصحية منها، قبل "خراب البصرة"، وقبل الانهيار التام الحتمي

المطلوب من هذا "البعض"، مع بداية سنة جديدة، إجراء جردة حساب، لعّل وعسى.