ما يترافق مع تلكَ المُناورات من تقديراتٍ وتحليلاتٍ يشيرُ إلى أنّ إسرائيل تخشى وبشكلٍ جدّي سيناريوهات اندلاع مواجهاتٍ عسكرية جديدة لا سيما بعد احتدامِ المشهد الأمني في الضفة الغربيّة إثر المواجهات القائمة بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين. مع هذا، فإنّ اللافت في كلّ ما يحصل هو استنفار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المُنخرطة بتلك المناورات، وما تبين أن تل أبيب قررت أيضاً انخراط الاحتياط في تحركاتها العسكريّة في خطوةٍ تشيرُ التقارير إلى أنها بمثابة تحضيرٍ لمواجهة شاملة يستوجب أن يكون الجميعُ فيها حاضراً ومُستعداً.
ما الذي تخشاه إسرائيل؟
على صعيد جبهة غزّة، فإنّ الأمور أيضاً ما زالت مضبوطة بعض الشيء إلا أنها قد تشهد انفلاتاً في أي لحظة وسط التهديدات التي أطلقتها مؤخراً حركة "حماس" وتنظيمات أخرى باتجاه إسرائيل بسبب تمادي الأخيرة في الضفة. مع هذا، فإن تلك التهديدات ترافقت مع مناورات عسكرية في غزة لنشطاء كتائب "المقاومة الوطنية" (الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية)، كما أن هذا الأمر جاء وسط رسائل عديدة إلى تل أبيب من خلال إطلاق المقاومة الفلسطينية لصواريخ تجريبية باتجاه البحر كإشارة إلى أنّ الأمور تحت الرصد وقد تشهدُ تطوراً ميدانياً في أي لحظة. أما ما جعل إسرائيل تقلق أكثر هو العرض العسكري الأخير في مدينة نابلس لمسلحي "عرين الأسود" الذين أكدوا أن "الاحتلال واهم في إنهاء المقاومة، وأن وهم الأمن الذي اعتقدت إسرائيل بناءه خلال السنوات الماضية، سينهار حُكماً".
وعلى جبهة لبنان، فإنّ إسرائيل تُدرك تماماً أنّ الخطر من اندلاع مواجهة مع "حزب الله" قد تبدّد بنسبة كبيرة في الوقت الرّاهن بعدما جرى إتمام ملف ترسيم الحدود البحريّة. ففي الواقع، كان هذا الملف بمثابةِ العنصر الأساس لحصول أي مواجهة عسكرية، إلا أنه وبعد إنتهائه برعاية أميركيّة، فقد أصبحت عناصر التوتر بسببه مُندثرة تماماً، لكن ذلك لا يعني أن الخطر انتفى من "توحّد الجبهات" وخوضها معركة واحدة، وهنا بيت القصيد.
بشكلٍ أو بآخر، فإنّ إسرائيل تخشى اندلاع مواجهة شاملة لم تشهدها من قبل، والأمرُ هذا قد ينسحب على مختلف الجبهات التي تتصلُ ببعضها البعض ومن المُمكن أن تشهد شرارة انطلاقة حربٍ شاملة من لبنان إلى غزة مروراً بالضفة تؤدي إلى محاصرة الجيش الإسرائيلي وتطويقه في أكثر من مكان. وأمام هذا المشهد، فإنّ الأمور قد تتأزّم، وبالتالي سيبرزُ سيناريو جديد لا يمكن لإسرائيل تحمّله لا عسكرياً ولا حتى داخلياً، ولهذا تجد إسرائيل نفسها أمام خطواتٍ ضرورية لـ"تنفيس" الاحتقان المهيمن على جبهتها الداخلية.
عسكرياً، قد تكونُ المناورات التي تُجريها إسرائيل بمثابةِ رسالةٍ مفادُها أن الجيش الإسرائيلي على أهبّة الاستعداد لأيّ مواجهة، وأنّ كافة الوحدات العسكريّة جاهزةٌ لخوض أي معركة على أي جبهة، وبالتالي لا مخاوف من انفلاتِ الأمن. وحتماً، تسعى إسرائيل لتعزيز هذه الصورة الذهنية لدى مواطنيها من أجل بثّ الطمأنينة لديهم، إلا أن ذلك لا يكفي في الوقت الراهن وسط تعاظم الخطر.
وأمام هذا الواقع الأمني المُتردّي، فإنه من الممكن أن تلجأ إسرائيل إلى ضرباتٍ خارج الأراضي الفلسطينية، أي أنها قد تبادر إلى استهداف سوريا مُجدداً بقصفٍ جوي يطال مواقع عسكرية. فمن ناحية، فإن إسرائيل تعتبر سوريا المنطقة التي تشكل أساس الدعم اللوجستي والعسكري للفصائل المقاومة في غزة ولـ"حزب الله" في لبنان، وبالتالي فإنّ استهدافها يعني وضع حدّ لأي دعم عسكريّ قد يتوفر عبر الفصائل الإيرانية الموجودة هناك، وبالتالي إرساء حالة من الطمأنينة في الجبهة الإسرائيلية الداخلية.
وفي مقابل ذلك، فإنّ التهديد الإسرائيلي بقصف مطار رفيق الحريري الدّولي في بيروت في حال استقباله أسلحة إيرانية، يندرجُ في إطار التصعيد الذي تنتهجهُ إسرائيل منذ زمن، لكنه يرتبطُ أيضاً بجملة تهديداتٍ تهدف إسرائيل من خلالها للعب على وتر الحرب النفسيّة والقول لجبهتها الداخلية أنها ترصد كل التهديدات ولديها القدرة على لجمِها متى ما تشاء.
وإزاء ذلك، ما يمكن الإشارة إليه إلى أنّ كل التهديدات والتحركات الإسرائيلية لا تندرجُ إلّا في خانة "التصعيد الفارغ". ففي حال قررت إسرائيل المُغامرة حقاً على أكثر من جبهة، فإنّ طاقة النار ستكونُ كبيرة، ومهما حاولت لجمَ التحركات التي تشهدها الضفة، إلا أنها لن تستطيع وقف تنامي الحركات المقاومة هناك، ما يعني استمراراً للتصعيد الميداني الذي يُقلق الكيان الإسرائيلي ككُل.