خبر

لأصحاب الضمير "المستتر": هذا ما يفعله دواء السوق الموازية بمرضى السرطان

 
حتى لحظة كتابة هذا المقال، كانت لا تزال "رلى" تستجدي معارفها لمساعدتها في تأمين سعر دواء وجدته في السوق الموازية، تتناوله للعلاج من سرطان الثدي. الكلفة خيالية، والدواء المقطوع في لبنان يأتي مشكوكاً بجودته من الخارج على متن التهريب، لتبقى صحّة "رلى" وسواها من المرضى، رهينة ضربة حظّ ومحطّ صدفة. 

"ألم جسديّ ونفسيّ" 
روت "رلى" معاناتها في رحلة البحث عن الدواء الذي وصفه لها طبيبها، هي التي تصارع سرطان الثدي، فأطلقت صرخة موجعة عبر "لبنان 24". 
وقالت: "الألم الذي أشعر به ليس جسدياً فقط، بل نفسيّ في الجزء الأكبر منه"، مشيرة إلى شعور الذلّ الذي يعتريها لطلبها المساعدة كي تؤمّن الدواء. 
وأضافت: "تمكّنت من الوصول إلى الوكيل الذي يوزّع الدواء إلا أنه قابلني بالرفض مؤكداً أن مخزونه نفذ، فيما الصيدليات بمعظمها أجابت بنفس الطريقة"، معتبرة أن "هذه سياسة باتت مكشوفة كي يبيعوا الدواء بسعر أعلى بكثير". 
وتابعت "رلى": "أمام هذا الواقع، لم أجد نفسي سوى أمام خيارين: إمّا دفع 700 دولار مقابل شراء الدواء من السوق الموزاية وبالطبع ليس بحوزتي هذا المبلغ الذي يبلغ سعره المسجّل في وزارة الصحة مليون و300 ألف ليرة، وإمّا أن أتناول دواء آخر من سوريا، ومن يعرف ما الذي قد يحصل لي بسببه". 
وختمت حديثها بالقول: "حذّرني الطبيب من تناول أي دواء سوى ذاك الأصلي الذي وصفه لي تخوّفاً من المضاعفات التي قد تحلّ بي بسببه"، مشددة على أن "حتى ولو تمكّنت من شراء الدواء من السوق الموازية، هل من يضمن أنه أصليّ وغير متلاعب بتركيبته؟". 
آثار سلبيّة على صحة مرضى السرطان 
"خطر كبير وتفلّت غير مقبول"، بهذه العبارة وصف نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم السوق الموازية الخاصّة بعالم الأدوية لناحية علامات الإستفهام الكبرى بما خصّ جودة الأخيرة ونوعيتها وأسعارها. 
وفي حديث لـ"لبنان 24"، كشف سلّوم أن نقابة الصيادلة بدأت بحملة تبدأ من البيت الداخلي أي الصدليات، وتشمل المستوصفات المسجّلة والشرعية التي فيها صيدليّ، للتأكد من أنه يتمّ صرف الدواء المسجّل فقط على أن يتمّ ذلك وفق سعر المؤشر. 
وعن أدوية مرضى السرطان، دقّ سلّوم ناقوس الخطر لافتاً إلى أنه "في حال لم يكن الدواء أصلياً وإذا لم تكن نوعيته وفعاليته جيدة، فهناك إحتمال كبير وخطر بأن يتفاقم المرض، كونه يمرّ بمراحل عدّة، فكيف بالحريّ إن كان الدواء مزوّراً ويعطى لشخص ذات مناعة ضعيفة جداً؟". 
وشدد على أن الأدوية التي يتمّ استقدامها بطريقة غير شرعية من الخارج على غرار سوريا وتركيا ، تشكّل خطراً داهماً على صحّة مرضى السرطان، إذ لا يتمّ في هذه الحالة مراعاة شروط توضيبها وحفظها وتحديداً لناحية درجة الحرارة. 
كما اعتبر سلّوم أنه لا يمكن ضبط الدواء المزوّر والمهرّب لأن هذا عالم خاص، تسيطر عليه مافيات الدواء وشبكات التهريب، خاصة أن سوق الدواء في لبنان كبيراً جداً وينتج سنوياً حوالي مليار و200 مليون دولار وزاد هذا الرقم عندما جرى دعمه بـ8 مليار دولار خلال 3 سنوات، إلا أنها أهدرت بالتهريب، وفق قول سلّوم. 
وعن الآثار المباشرة للدواء المزوّر والمهرّب على مرضى السرطان، لفت سلّوم إلى أنه عدا عن أن بعضها placibo أي مفعولها معدوم "وكاّن المريض يتناول المياه"، فإنّ إعطاءه دواء آخر غير فعّال، شبيه بوقف العلاج نهائياً وبالتالي قد يؤدي في أحيان كثير إلى الوفاة. 
وأضاف: "دعم الدواء في لبنان ليس هو الحلّ العملي المطلوب، إنّما يجب دعم المريض مباشرة عبر بطاقة صحية مع إبقاء الدعم على أدوية السرطان ولكن هناك ضرورة لزيادته إلى 60 مليون دولار عوضاً عن 25  مليون دولار شهرياً وهو الحال الآن، كي تكفي جميع المرضى، بالإضافة إلى العمل المشترك الذي تقوم به وزارة الصحة، نقابة الصيادلة والمستشفيات من خلال نظام تتبع الدواء   MediTrack  الذي يمنع تهريب الدواء وتزويره وخاصة المدعوم منه". 

عندما استمات بعض أهل السلطة في لبنان على امتهان لعبة المتاريس وتغليب مصلحتهم على أبسط حقوق الشعب، غاب عن بالهم أن  "رلى" لا يهمها الفائز في هذه اللعبة. فحينما يرقص احتفاءً بالنصر من تمكّن من "التمريك" أكثر على خصمه السياسي ، قد تكون أمّ "رلى" ترقص ألماً بنعش ابنتها التي ذهبت فداءً، لمسؤولين غير مسؤولين.