خبر

إشاراتٌ سعوديّة جديدة تهمّ لبنان.. ماذا تريُد الرياض للمرحلة المقبلة؟

نجحَ لبنان مجدداً في "اقتناص" الفرص المتاحة أمامه لإعادة ارتباطه بمحيطه العربي رغم التباعد الذي حصل لفتراتٍ مُحدّدة. ففي الواقع، كان لبنان "ذكياً" في اختيار مناسبة القمة العربية - الصينية التي احتضنتها المملكة العربية السعودية في اليومين الماضيين لأجل تثبيتِ نفسهِ في الوسط العربي من أبرز دولة فيه، إذ أكّد على ما أراده العرب واندمجَ معهم في المشاريع التي ارتأوا المضي بها. إلا أنّ الأمر الأهم والأبرز فكان عقب تلك القمة وتحديداً في اللقاء الثنائي الذي حصل، أمس السبت، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في قصر عرفة بالرياض.. وحقاً، هنا بيتُ القصيد وكلّ الحكاية.


فعلياً، ما يمكن قوله هو أنّ الاجتماع المذكور يشكّل نقطة تحوّل كبيرة في مسارِ العلاقات السّعودية - اللبنانية، وقد يكونُ مقدّمة واضحة لانخراط سعودي جديد في لبنان على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ففي البيان الرسمي السعودي الصادر بشأن الاجتماع، كان واضحاً تأكيد ميقاتي وبن سلمان على أهمية العلاقة الثنائية بين البلدين، والتزام لبنان باتخاذ كل الخطوات التي تمنع الإساءة إلى المملكة العربية السعودية وكل الدول العربية لا سيما منها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. كذلك، فإن ما حصل يُؤسس لتعاون جدّي على أكثر من مستوى، ويؤكّد أن السعودية تريدُ لبنان ولم تنفصل عنه بعكسِ كل ما جرى ترويجه سابقاً، والدليل على ذلك هو تشديد بن سلمان على "استمرار الدعم الإنساني الذي تقدمه المملكة وفرنسا للشعب اللبناني".

في بادئ الأمر، لو كانت السعودية "تنبذُ" لبنان ولا تريده مثلما يُقال من "أطراف التشويش"، لما كان دُعِيَ رسمياً للمشاركة في القمة التي حصلت مؤخراً. مع هذا، لو كانَ لبنان خارج الأجندة السعودية، لما كان موقف الرياض الداعم لاستقراره يتجدّد مع كل مناسبة. وحقاً، ما فعله ميقاتي يوم أمس كان مُنتظراً  وقد أثبت الأخير نجاحه في الاتصال مع العرب مباشرة كرئيسٍ حكومة فاعلٍ له حيثيته في المكان الذي يحضر فيه.

عملياً، تشيرُ الرسائل السعودية الجديدة إلى أن الحضور المباشر بات مُترسخاً، وقد يكونُ ذلك مرتبطاً بتوجّهات المملكة المستقبلية القائمة على تعزيز التعاون مع مختلف الدول. كذلك، قد يكونُ التقارب السّعودي الواضح من لبنان دلالة على أنّ الطائفة السّنية غيرُ متروكة، وأنّه ستكون لها كلمةٌ وازنة في الاستحقاقات المُقبلة وتحديداً عبر الاستحقاق المرتبط برئاسة الجمهوريّة. إضافة إلى ذلك، فإنّ ما تفعله السعودية اليوم بشأن لبنان لا يدلّ إلا على محاولاتٍ لترسيخِ استقرارٍ فيه عبر الدّولة التي يُفترض أن تشهد الإصلاحات المطلوبة، وهذا الأمر مطلبٌ سعودي وفرنسي بالدرجة الأولى.


داخلياً وعلى المستوى السياسي في لبنان، فإنه من الأجدى أن تتلقف مختلف الأطراف المبادرة السعودية الإيجابية تجاه لبنان، وإلا في أن الأمور ستبقى محصورة ضمن الحلقة المُفرغة. ولهذا، فإن الأساس ولكي تتكرّس العودة العربية بزخمٍ أكبر، فإن الظروف تقتضي تفعيل السعي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم وضع شروطٍ تعجيزية أمام ذلك. وبعد هذا الأمر، فإن المطلوب هو تشكيل سلطة تنفيذية فاعلة تستكمل عملية الإصلاحات التي يريدها العرب لضمان عودة فعلية إلى لبنان. إلا أنه وفي حال عدم حصول ذلك، عندها ستكونُ الأمور مختلفة وسيخسر لبنان مصلحة كبرى ينتظرها منذ زمن، سواء عبر عودة خليجية إليه أو من خلال اكتساب "بطاقة عبور" اقتصادية نحو تعاونٍ جديد مع الدول المختلفة استناداً لـ"الثقة" التي يجب استعادتها.

في خلاصة القول، فإنّ الدّلالات التي جاءت عبر الاجتماع الأخير بين ميقاتي وبن سلمان ستنكشفُ تباعاً أكثر فأكثر، ولا يُمكن لأي طرفٍ أن ينفيها أو يشوّهها أو ينتقص من قيمتها لاسيما على ساحة التوازنات السياسية. أما الأساس في كلّ ذلك هو أنّ الدعم الذي يحظى به ميقاتي عربياً سيُعزّز من رصيده داخلياً ودولياً ليبقى الاهم انتخاب رئيسٍ جديد يضمن حفظ العلاقات اللبنانية - العربية بعيداً عن الإنتكاسات التي حصلت سابقاً، وهذا شرطٌ أساسي يجب تطبيقهُ على نحوٍ دائم.