خبر

هذا هو الرئيس الذي تريدُه السعودية في لبنان

حتى الآن، لم تصدُر أي إشاراتٍ واضحة من المملكة العربيّة السعودية على خطّ الاستحقاق الرّئاسي في لبنان، وثمّة من يعتقد أن سبب هذا الأمر يعودُ إلى عدم اهتمامِ المملكة بهذا الملف في الوقت الرّاهن، إلّا أنّ الأمور مُختلفة تماماً وتتخذُ منحى آخر بشكل كُلّي.

 

ما يُمكن تثبيتهُ وبشكلٍ قاطع هو أنّ العلاقة بين السعودية ولبنان تطوّرت كثيراً منذ عامٍ وحتى الآن، فهي شهدت نقلةً نوعيّة على أكثر من صعيد وتحديداً بعد الأزمة العابرة التي وتّرت العلاقة بين بيروت والرياض أواخر العام الماضي إبّان تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي بحقّ المملكة. هنا، وفي الأساس، فإنّ التقدّم البارز على هذا الصعيد يؤكّد تماماً أن السعودية مُنخرطة في لبنان عبر دورِها الضامن لإستقراره، والأمرُ هذا تجلّى في مؤتمر ذكرى اتفاق الطائف الذي عُقد قبل نحو شهرٍ في قصر الأونيسكو - بيروت.

 

أما الأمر الأهم فيرتبطُ بوجود لبنان على خارطة المملكة السياسية، وهذا الأمر قد تجلى بشكل واضحٍ مؤخراً على صعيدين: الأول ويرتبطُ بآخر تصريحات للسفير السعودي وليد البخاري الذي أكد دعم السعودية للبنان، فيما الصعيد الثاني يتعلق بدعوة المملكة لبنان للمشاركة في القمة العربية - الصينية التي تشهدها السعودية ويحضرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

 

فعلياً، فإنّ كل هذه الشواهد ليست الوحيدة على خطّ العلاقة بين لبنان والسعودية، لكنّ السؤال الذي يُطرح بقوة: لماذا لم تنخرط المملكة بعدُ في التسوية الرئاسية؟ ما الذي تنتظرهُ الرياض في الوقت الرّاهن؟

 

سياسياً، ما تكشفُه المصادر المتقاطعة هو أنّ المملكة تُراهن أولاً على اتفاقٍ داخليّ لبناني بشأن الاستحقاق الرّئاسي، ما يعني أنّه على مجمل الأفرقاء السّير نحو فكرة التوافق بدلاً من التشرذم. وحُكماً، الأمرُ هذا يعكسُ حرصاً على استحقاق أساسي، لكنه في المقابل يحتاجُ إلى إرادة لبنانية لتثبيته.

وفي غضون كل ذلك، ما يتّضح تماماً هو أن مطالب السّعودية واضحة جداً بشأن ما تطلبهُ من لبنان، والأساس هنا "حياده عن المحاور المتناحرة" وضبط حدوده ومنع تهريب المُخدرات إلى دول الخليج. في مقابل ذلك، فإنّ السعودية لم تطلب رئيساً يُواجه أي جهةٍ داخلية كما أنها لم تُطالب بفرطِ أي صيغة للحوار أو للتلاقي بين اللبنانيين، والدليل على ذلك هو تمسّكها الكبير باتفاق الطائف واعتباره ركيزة أساسيّة للعيش المشترك في لبنان.

 

بمعزلٍ عن الأسماء، فإنّ السّعودية تُحبّذ وصول شخصية إلى سُدّة الرئاسة تحفظُ مكانة لبنان مُجدداً وتُعزّز انتماءه إلى الحضن العربي بعد مسارٍ طويل من الانتكاسات. ولكن، هل يكون اسم هذه الشخصيةُ عنوان تقاطعٍ بين السعودية ودولة أخرى، والمقصود هنا سوريا؟

 

تقولُ مصادر مقرّبة من دمشق لـ"لبنان24" إنّ الكلام جدّي بين السعودية وسوريا في العديد من الاستحقاقات، وقد حصلت اتصالاتٌ على صعيد مسؤولين بارزين بين الطرفين، وكل ذلك سيرتبطُ بتسوية تنتظرها الأطراف مجتمعة".

بالنسبة لتلك المصادر، فإنّ الحوار السعودي- السوري قد يُترجم في لبنان حكماً وتحديداً بالشخصية الرئاسيّة التي تريدها المملكة، لكنّ الأمر هنا لا يرتبطُ فقط بوجود حيثية سياسية للرئيس العتيد، بل إنّ الأمر يتعدّى ذلك نحو رهانٍ أساسيّ على ضرورة وجود شخصية تكون مُحاطة أيضاً بحيثية اقتصادية وأمنية أيضاً.

 

وإزاء هذا الأمر، فإنّ هذا الكلام يُمكن ترجمتهُ وفق التالي: التسوية المُنتظرة رئاسياً لا تشمل فقط شخصية رئاسية بقدر ما تسعى لتكوين سُلطةٍ مُتكاملة. فإذا كان الرئيسُ معنياً بالأمن كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة،وإذا كان معنياً بالسياسة كونه رئيس الدولة، فإن الملف الاقتصادي المطلوب خليجياً وعربياً وسعودياً بالتحديد يحتاجُ إلى حكومةٍ فاعلة وعلى رأسها شخصيّة لها حيثية عربية ودوليّة.

 

وإنطلاقاً من كل ذلك، فإنّ ما يمكن تثبيته هو أنّ المرحلة المقبلة ستكون مُتصلة بـ"سلّة متكاملة" رئاسياً وحكومياً على مختلف الأصعدة، والأساس الاقتصادي والأمني لاعتبارات أهمها أن دول الخليج لا يمكنها الاستثمار في لبنان مُجدداً من دون وجود أرضية اقتصادية ونقدية مُستقرة. إضافة إلى ذلك، فإن الأمن ضروري لكل ذلك، وكل هذه الأمور تنكشف في خلفيات ما تطلبه السعودية، وهذا الأمر منطقيّ بالدرجة الأولى وعلى لبنان معرفته جيداً على الدّوام.