"ما تقول فول حتى يصير بالمكيول". هذا التعبير عن مدى الإلتزام بالجدّية والواقعية هو في الأساس للرئيس نبيه بري، الذي خبر أكثر من تجربة في حياته السياسية. لكننا بتنا اليوم نسمعه على أكثر من لسان، وآخر هذه الألسنة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، الذي كان متفائلًا أكثر من غيره بقرب وصول لبنان إلى النهايات السعيدة في ما خصّ مفاوضاته الحدودية البحرية غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي.
و"هذا الفول" كان قبل المواقف التصعيدية من الجانب الإسرائيلي، وإن كان هذا الأمر متوقعًا، فهل سيصير في "المكيول" بعد هذا الكمّ من المعلومات المتضاربة الآتية من وراء خطّ رأس الناقورة؟
وفي إنتظار ما ستؤول إليه مفاوضات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مع الإسرائيليين، بعدما تبّلغ الملاحظات اللبنانية الموحدّة على المقترحات الأميركية، يعود نواب الأمة إلى ساحة النجمة تلبية لدعوة ثانية من الرئيس بري، حدّدها في 13 تشرين الأول الجاري، مع ما يعنيه هذا التاريخ بالنسبة إلى جمهور "التيار الوطني الحر"، من دون أن تتوضحّ معالم ما يمكن التوصل إليه من تسويات رئاسية، يقول البعض أن ظروفها لم تنضج بعد.
وعليه، فإنه من المتوقع ألا تشهد ساحة النجمة هذه المرّة نصاب الثلثين، الأمر الذي يحتمّ تأجيلها إلى موعد يحدّد لاحقًا، في ضوء ما يمكن أن تسفر عنه الإتصالات من ملامح رئاسية قد تلوح في الأفق. وهكذا يمكن القول أن مسلسل عدّ الجلسات التعطيلية قد يبدأ في 13 الجاري.
أمّا على خط "الطبخة الحكومية" فإن الأمور مرهونة بخواتيمها ، أو بالأحرى بـفولها ومكيولها"، وإن كان البعض يرجحّ أن تبصر النور قريبًا، في ضوء الإتصالات التي يسارك بها "حزب الله".
وفي رأي مصادر مطلعة أن "حزب الله" دخل بقوة منذ أيام على خط الوساطة والتقريب بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، مشددا على ضرورة وأهمية تشكيل حكومة بمواصفات كاملة مهما كلف الأمر، ولو على قاعدة تعويم الحكومة الحالية، وساعيًا الى تذليل العقبات والعقد التي لا تزال تؤخر إتفاقهما. وهذه الجهود الخفية التي أشار إليها أمس الأول الشيخ نعيم قاسم يقوم بها "حزب الله" لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة، بعدما ضاق الوقت وانتفى هامش المناورة، ولتفادي أزمة وفوضى دستورية وسياسية ومؤسساتية بعد 31 تشرين الأول، في حال انتهت ولاية الرئيس عون ولم يُنتخب رئيس جديد ودخلت البلاد مرحلة الفراغ الرئاسي مع حكومة تصريف أعمال.
ويعتبر "حزب الله" موضوع الحكومة ملّحًا وإلزاميًا للسببين التاليين:
أولًا، إذا تسلّمت حكومة تصريف الأعمال مهمات رئيس الجمهورية بعد الفراغ، سيحصل حولها إنقسام سياسي وطائفي، خصوصا إذا سحب عون وباسيل الوزراء المسيحيين منها، ومن شأن هذه الخطوة أن تفقد الحكومة ميثاقيتها بفقدانها الحضور المسيحي الوازن.
ثانيًا، هناك حاجة ماسة أصلًا إلى وجود حكومة أصيلة مكتملة الأوصاف لمتابعة الملفات الحيوية كإتفاق الترسيم، والإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وخطة الكهرباء، ذلك أن حكومة تصريف الأعمال غير المستقرة بطبيعتها لن تستطيع أن تواجه ما يعانيه البلد من حالة اللإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي وربما الأمني. ولا يجوز أن تكون الجبهة الداخلية السياسية مكشوفة، وألا يكون هناك رئيس جمهورية ولا حكومة مكتملة الصلاحيات، مع تسليم "الحزب" بمشروعية ودستورية تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، إستنادًا إلى أكثر من دراسة دستورية، وآخرها للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي الدكتور محمود مكّية.
ووفق المعلومات المتداولة وغير الرسمية فان الاساس في مشروع التسوية هو الإبقاء على التوازنات السياسية ّ للحكومة الحالية.
وحسب هذه المصادر، فإن النقاش في الملف الحكومي بات محصورا في بندين: أولهما: أن يكون التغيير في هوية بعض الوزراء موضعيًا بحيث لا يطال إلا عددًا قليلًا منهم، خصوصا أن ثمة رفضًا مطلقًا للتوّسع في رقعة التعديلات.
ثانيهما، جدول أعمال الحكومة الجديدة في ضوء الشروط التي يفرضها الفريق العوني على الحكومة من تعيينات، وأبرزها لحاكمية مصرف لبنان، وهو أمر يضع رئيس الحكومة تحته خطًا أحمر، ولا يزال موضع خلاف بين الفريقين.
فهل ستبصر الحكومة النور قريبًا، وهل سيستطيع "حزب الله" أن يمون على حليفه جبران باسيل، أم يبقى "فول" الضاحية خارج "مكيول" "ميرنا الشالوحي"؟