خبر

دلائل بارزة.. هذا هو موعد انتخاب الرئيس

قد تكونُ التطوّرات التي حصَلت، أمسَ الإثنين، على صعيد ملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، كافيةً لتُمهّد الطريق أمام "تسويةٍ" تنتظرها دولٌ محوريّة مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وقطر ومصر. حقاً، الأمرُ كذلك لأنّ الظروف التي تُحيط بالاتفاق المرتبط بالتّرسيم، سيؤدّي إلى تبدّلات هائلة على صعيد المنطقة ككل، وسيفتُح الباب أمامَ تغيرات جيوسياسيّة ستحكُم نفسها بقوّة، على أن يكونَ لبنانُ "العرّاب" ضمنها.  

 

في قصر بعبدا، أمس، كانت أجواءُ الاجتماع الرئاسي الثلاثيّ الذي ضمّ الرؤساء ميشال عون، نبيه بري ونجيب ميقاتي لبحث المقترح الأميركي بشأن ملف الترسيم، كافيةً لأن تكشف عن أقصى درجات التفاؤل. وحتماً، هذا الأمر تجلّى بوضوحٍ تام من خلال كلام الرئيس بري الذي قال: "قمحة.. وقمحة ونص"، أي أن الأمور إيجابيّة كثيراً. بدوره، شرح رئيس حُكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تفاصيل أجواءِ الاجتماعِ ليُؤكّد أن الأمور "تسيرُ بالاتجاه الصحيح".  

 

بشكل أو بآخر، يختزلُ المشهدُ الذي كان قائماً يوم أمسَ الصورة التي ستشهدها المرحلة المقبلة من "انفراجات" على صعيد ملف التّرسيم. وفي ظلّ الحديث عن "اقتراب" موعد التوقيع على "الاتفاق"، يُمكن وضع تصوّر يشير إلى أن الأمور ستنتهي، وبالتالي ستُطوى صفحة التوتر التي كانت مسيطرة على المشهدية السياسية، إلا في حال حصلت انتكاسة جديدة مُفاجئة، وهذا الأمر قد لا يكون في لبنان فقط بل في الداخل الإسرائيلي الذي يشهد انقساماً حاداً إزاء الاتفاقية المُرتقبة. وبسبب تلك الاخيرة، تقدّم في إسرائيل رئيس طاقم المفاوضات غير المباشرة مع لبنان لترسيم الحدود البحرية أودي أديري باستقالته لمعارضته الاتفاق كما قيل، في حين أن الحرب بين المعارضة والحكومة في تل أبيب على نارٍ حامية إزاء ما يجري بشأن ترسيم الحدود. 

 

وفي مقابل كل ذلك، قد لا تبدو "القمحة" التي تحدث عنها برّي قائمة على صعيد "اتفاق ترسيم رئاسة الجمهورية" والذي لم يُسفر عن أي تقدّم في الوقت الرّاهن. هُنا، قد لا تنفع وساطةٌ أميركية لتذليل العُقد الموجودة "داخلياً"، وما يُمكن قولُه هو أنّ مختلف المعطيات الدوليّة تشيرُ إلى أنّ "ترسيم الحدود" هو الملف الذي يأتي في الأولوية القصوى قبل الرّئاسة، وقبل أي تفصيلٍ آخر.  

 

متى سيُنتخب الرّئيس؟ 

 

ما تكشفهُ الوقائع هو أنّ الاهتمام الدّولي لا يُركّز كثيراً على ملف الرّئاسة، وذلك بمعزلٍ عن التّصريحات التي يُدلي بها مسؤولون من مُختلف الدّول الفاعلة. عملياً، فإنّ أمرَ غيابِ الاهتمام الكافيِ بملف الاستحقاق الرئاسيّ يبدو ثابتاً بقوّة باعتبارِ أن الفراغ الرئاسي لا يتقدّم أبداً على اتفاق التّرسيم، إذ أن الأخير سيتمّ "قانونياً" ويُصبح نافذاً بشكل طبيعيّ حتى لو حصل التوقيع بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.

 

هنا، فإنّ الفكرة من هذا الكلام تشيرُ إلى أنّ الدول تريدُ أن تضمَنَ الترسيم لأن اهتمامها كبيرٌ بالغاز الإسرائيلي، ولهذا كان القرارُ بفصل الملف الحدودي عن استحقاق الرئاسة تماماً كي لا يطغى أحدهما على الآخر.  

 

في الوقتِ الرّاهن، فإن الدول تسعى قدر الإمكان للاستفادة ممّا سيُنتج من ثرواتٍ نفطية وغازية من البحر الأبيض المتوسط من أجل نجدة أوروبا المتأثرة جداً بنيران الحرب الأوكرانية - الرّوسية. مع هذا، فإن فرنسا والولايات المتحدة تضعان كل الثقل باتجاه متابعة تلك الحرب، وبالتالي فإنّ كل التوجهات القائمة في المنطقة ترتبطُ بذاك الصراع المُحتدم والذي تحوّل إلى إطارٍ دوليّ أكثر من إقليميّ.  

 

ولذلك، فإنّ أولوية الدول المتابعة لشؤون لبنان تُركز على الغاز، على نجدة أوروبا وعلى مُجابهة الحرب الروسية على أوكرانيا بأساليب وخطوات تضمنُ لها مقوّمات الصّمود. أما بعد ذلك، قد تأتي الإشارات الدوليّة المطلوبة بشأن لبنان وانتخاب الرئيس فيه، وسيكونُ ذلك، بحسب تقديرات مصادر سياسية، بعد شهر شهر آذار أو نيسان 2023، والسبب هنا هو أنّ "حرب الشتاء" التي تستخدمها روسيا ضد أوروبا من خلال الغاز، ستكون قد تراجعت من حيث الحدّة، في حين أن أوروبا ستضمن مع الولايات المتّحدة الوسائل المطلوبة لتوفير الغاز.. وعندها، ستكون الأمورُ أكثر سلوكاً وأكثر ارتياحاً، وبعدها يُمكن النظرُ قليلاً بملفاتٍ أخرى ترتبطُ بالرئاسة اللبنانية التي تُمهّد لمرحلة جديدة عنوانها "النفط والغاز".