جاء في “الراي” الكويتية:
بدا المشهدُ اللبناني، عيْناً على المخاوف من أن تَمْضي الطبقةُ السياسية التي «نجتْ» من صناديق الاقتراع بـ «معاركها الصغيرة» فوق «سلال مثقوبة» يُخشى أنها باتت تتحكّم بمجمل الحلول الممكنة في السياسة والمال و«أخواتهما»، وعيناً أخرى على مجريات عمليةِ الإطباق على واحد من أبرز «بارونات المخدرات» في «بلاد الأرز» الملقّب بـ «أبو سلة».
وجاءت مجرياتُ العملية التي نفّذها الجيش اللبناني يوم الجمعة في حي الشراونة في بعلبك وتخللتْها اشتباكات مع مجموعة «أبو سلة» (علي منذر زعيتر) أدت إلى مقتل جندي وجرح خمسة آخَرين، لتؤكد حجم التحديات التي تعترض القوى الشرعية في بسط سيطرتها، حتى على صعيد «الأمن المحلي»، على أوكار خارجة على القانون يطرح كثيرون في لبنان وخارجه أنها في «علاقة تَخادُمية» مع قوى أمر واقع إما تغض الطرف عنها لاعتباراتٍ عشائرية وعائلية وخشية الدخول في صِداماتٍ تجرّها إلى احتكاكات مع جزء من بيئتها الحاضنة، وإما تستفيد منها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وفق ما يجاهر خصوم «حزب الله» الذي لم ينفكّ ينفي أيّ يد له في «جمهورية المخدرات» المترامية في البقاع وعلى مقلبيْ الحدود اللبنانية – السورية.
فالمواجهةُ التي خاضتْها عصابة «أبو سلة»، وهو واحد من أخطر المطلوبين بمئات المذكرات والذي تحوّل بمثابة «إمبراطور تجارة المخدرات» التي تتشابك «حلقاتُها» في «سلسلة متكاملة» من التصنيع والإتجار والتصدير، ظهّرتْ حجم الاستحكامات التي أقامها «اسكوبارات لبنان» في «قلاعهم» التي تتركّز في البقع الخارجة عن سلطة الدولة في البقاع، لدرجة أن زعيتر حصّن «عاصمته» في حي الشراونة بخطوط دفاع متقدّمة، من كاميرات وأنظمة إنذار «بشرية» مبكّرة وأجهزة متطورة أتاحت له الإفلات من عنصر المباغتة الذي منح القوة العسكرية أفضلية نسبية، إلى أن اندلعت مواجهة داخل مقر «أبو سلة» تخللها ما يُشبه «التلاحم» بين عناصر الجيش ومسلحين استُخدمت فيها أسلحة رشاشة وقنابل يدوية، فيما شهد محيط المنزل «معركة» مع مجموعة حاولت إسناد «المطلوب الرقم واحد» واستهدفت وحدة الجيش بقذائف صاروخية ما أدى إلى الإصابات في صفوف العسكريين.
وفي حين سمحت التعزيزات العسكرية التي استقدمها الجيش واستعانته بمروحية وطائرة مسيَّرة بتوقيف كل من (ع. ز)، (ع. م)، (ع. ز)، (م، و)، و(م. ف)، وضبط كمية من الأسلحة الحربية والذخائر العائدة لها، وفق بيان قيادة الجيش، فإن مصير«أبو سلة» بقي غامضاً».
وأكد مصدر عسكري لـ«الراي» أن «الجيش مستمر في عملية الدهم بحثاً عن المطلوب الذي تمكّن من الفرار»، مضيفاً «أن البحث يشمل الفار وكل مَن ساعده وسهّل له الخروج من المنطقة بعد الاشتباك مع الجيش ما أدى إلى استشهاد عنصر ووقوع خمس إصابات إحداها حرجة».
وأوضح «أن العملية كانت محضَّرة بدقة للقبض عليه كونه أحد أكبر المطلوبين بجرم ترويج المخدرات»، مشيراً إلى «أن الجيش لم يكن بصدد تنفيذ عملية واسعة ضد تجار المخدرات في شكل شامل، بل انه حصر عمليته التي احتاجت إلى تحضير زمني وجهد استخباراتي للقبض عليه بصفته رأس تجار المخدرات».
وأكد «أن الجيش هدم ما يُسمى ربعة منزله (أبو سلة) ومنازل مساعديْه اللذين أوقفا وهما مهميْن كذلك في هذه الشبكة أي حيث كانت تُعد المخدرات للبيع ولقاء التجار».
وفي حين ذكرت معلومات أمس أن مخابرات الجيش أوقفت في بعلبك شخصاً يشتبه في أنه قدم المساعدة الطبية لـ «أبو سلة» أثناء فراره من المداهمة ما رجّح أنه جريح، فإن بلدة بودي (غرب بعلبك) شهدت تشييعاً مهيباً للعريف في الجيش زين العابدين شمص الذي سقط في المواجهات مع مجموعة «أبو سلة».
«أبو سلّة» اخترق مكتب مكافحة المخدرات
ربطت تقارير في وسائل إعلام لبنانية «أبو سلة» بعملية اختراقٍ خطيرة لمكتب مكافحة المخدرات المركزي، تمكّن بموجبها وبتسهيل من داخل المكتب من سرقة كمية كبيرة من مادة «الكوكايين» من بين المضبوطات في مستودعات المكتب.
وحُكم في هذه القضية على رئيس سابق للمكتب و7 ضباط «بتهمة الإهمال ومخالفة التعليمات العسكرية»، وعلى عناصر من المكتب بتهمة سرقة نحو 9 كيلوغرامات من الكوكايين المضبوط في مستودع المكتب بهدف بيعها إلى «أبو سلة»، وهو تم اكتشافه بعد إجراء جردة على المستودع إذ لوحظ وجود «كرتونة» تم تمزيق نحو سبع7 سنتمترات منها، ليُكتشف بعد فض الأختام عنها «فضيحة» اختفاء الكوكايين.
«سلّة»… «أبو سلة»
اكتسب «أبو سلّة» لقبه من المرحلة التي كان يدير فيها تجارة المخدرات في منطقة الزعيترية – الفنار (شمال شرقي بيروت) حيث تعوّد أن يبيع «بضاعته» على أنواعها من خلال «سلة» كانت «تهبط» من شقته كلما أراد إتمام «البيعة».
ومنذ أن «استقرّ» في حي الشراونة قبل نحو ستة أعوام، ركّز نشاطه وقوّى موقعه إلى أن بات أكبر مصْدر للمخدرات في العاصمة ومحيطها، ومن أشهر ما يبيعه الحبوب المخدّرة من السيلفيا إلى الـ XTC والكوكايين والكبتاغون وغيرها.
«أبو سلة» مطلوب بنحو ألف مذكرة ووثيقة أمنية، وصدرت في حقه أحكام غيابية، بجرائم تراوح بين الإتجار بالمخدرات عبر شبكة واسعة (في عدادها فتيات وعاملون في وسائل نقل عدة) وبيعها لطلاب الجامعات والمدارس وأعمال خطف وسرقة وتزوير وإطلاق نار على الأجهزة الأمنية والعسكرية.
«غرفة تحكّم»… وإنذارات مبكرة
كشفت التحقيقات معلومات «فوق الخيال» حول «أبو سلة» أبرزها:
– يتخذ من منزله في محلة الشراونة مركزاً للاجتماع مع كبار تُجار المخدرات والمطلوبين لتنسيق عمليات الإتجار وترويج المخدرات.
– يملك داخل منزله غرفة تحكم تُدير العديد من كاميرات المراقبة المنتشرة على كل مداخل محلة الشراونة ويُشكّل مع بقية المطلوبين غرفة عمليات لرصد الدوريات الأمنية القادمة باتجاه أماكن تواجدهم.
– يملك معملاً لطبخ وتصنيع المخدرات (كوكايين، سيلفيا، حشيشة الكيف) خلف منزله في الشراونة.
يملك ديواناً لتجارة وترويج المخدرات في محيط منزله.
خطْف موظف في «الصباح إخوان»
برز اسم «أبو سلة» قبل شهر ونيف في قضية الاشتباه في تورطه بعملية خطف طاولت المُحاسِب في شركة «الصباح إخوان» (من الجنسية المصرية)، قبل أن تُحرّره قوة من الجيش اللبناني لاحقاً.
وتم آنذاك تلف كمية كبيرة من المخدرات بعد دهم قوى من مديرية المخابرات في البقاع لأماكن عمل «أبو سلة» في الشراونة في سياق البحث عن المواطن المصري، وسط تقارير عن ضبْط معدات أيضاً لتصنيع الكبتاغون.
ولم يمرّ نفي أبو سلة حينها أن تكون له علاقة بعملية الخطف من دون صدور تهديداتٍ منه وآخرين مطلوبين للعدالة توعّدت قادة أجهزة أمنية ومسؤولين في مخابرات الجيش في البقاع.
«سوق حرة» للمخدرات
قبل نحو عام، انشغلت وسائل إعلام عربية وعالمية بما يشبه «خريطة انتشار» وزّعها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لـ «14 مصنعاً على الجانب السوري من الحدود مع لبنان» متحدثاً عن «مشاركة حزب الله وميليشيات سورية بالترويج للمخدرات التي تنتج فيها».
وتوزّعت المعامل وفق المرصد على الشكل الآتي: «3 معامل في سرغايا ومعملان في كل من رنكوس وعسال الورد والجبة، ومعمل واحد في كل من تلفيتا وبخعة والطفيل ومضايا والصبورة، حيث يتم بيع منتجات تلك المعامل في المنطقة ويتم تصديرها لمناطق سورية مختلفة لا تقتصر على مناطق النظام، بالإضافة لخروجها خارج الأراضي السورية».
ووصفتْ «إندبندنت عربية» حينها أن المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية، لا سيما مناطق القلمون والقصير بأنها «باتت عبارة عن «سوق حرة» للتهريب والتجارات غير الشرعية خصوصاً المخدرات وزراعة الحشيش».
… من دون قناع
معروف عن «أبو سلة» أنه من «بارونات المخدرات» مكشوفي الوجه، والذي لا يتوانى عن نشر صور له على مواقع التواصل ويَظهر في بعضها وهو يتباهى بحمل السلاح.
وبعد العملية التي نفّذها الجيش اللبناني، قام بنشر فيديو على صفحته على «فيسبوك» يظهر فيها داخل سيارات رباعية الدفع مع أفراد من عصابته. كما تبرز لقطات لِما أوحى أنه استهداف صاروخي لقوة الجيش أمام منزله.
وبعد إطلاق روسيا حربها على أوكرانيا انتشرت لافتة تحمل صورة الرئيس فلاديمير بوتين، مع شعار «حزب الله» مرفقاً بتوقيع «أبو سلة».
«إسكوبار لبنان»… الأخطر
علي زيد إسماعيل أو «إسكوبار لبنان»، اسم شغل لبنان لفترة طويلة إلى أن قُتل في يوليو 2018 مع 7 آخرين من مجموعته إثر اشتباك مع الجيش اللبناني في بلدة الحمودية – بريتال شمال شرقي لبنان.
وكان إسماعيل مطلوباً بـ 2941 مذكرة توقيف، واعتُبر حينها من أخطر المطلوبين على الإطلاق.