كتب علي شندب في “اللواء”:
رغم إعلان زعيم حزب الله عقب الإنتخابات النيابية عدم إمتلاك أي طرف للأكثرية النيابية في البرلمان الجديد، أصرّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن الاكثرية النيابية انتقلت من ضفة تحالف حزب الله الى ضفة القوات والسياديين والمستقلين والتغييريين، ناعياً تشكيل حكومة وحدة وطنية وداعياً الى حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية. لكن في أول اختبار جدي سقط وهم الأكثرية النيابية المدّعاة من طرف جعجع، وكشفت انتخابات رئاسة المجلس وهيئة مكتبه عن إمساك حزب الله بالأكثرية التي أمّنت فوز نبيه بري ونائبه الياس بوصعب، وأمين سر المجلس الآن عون كل منهم بـ 65 صوتا، وليفوز بقية الأعضاء بالتزكية.
رقم الـ 65 هذا الذي حصده الفائزون يمثّل الشيفرة غير السرية لاستمرار إمساك حزب الله وتحالفه بمقاليد الأمور. إنّه الرقم الذي يعني بلغة النصاب التصويتي البرلماني «النصف زائد واحد» من أعضاء المجلس. وهو الرقم الذي يكشف الأكثرية الحقيقية المختلفة تماماً عن أكثرية جعجع الوهمية. وهو الرقم الذي يكشف أيضاً أن أكثرية قاسم سليماني المكوّنة من 74 نائباً في البرلمان السابق قد انكسرت وتراجعت الى 65 نائباً ويرجح أن يكون لهم الكلمة العليا في تسمية رئيس الحكومة وتشكيلتها، كما وفي انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
توازياً مع الهزيمة والخيبة التي أصابت القوات اللبنانية وحلفائها، يبدو أن جعجع والمناهضين لحزب الله وتحالفه، قد وقعوا في فخّ حسن نصرالله، عندما اعتبروا إقراره بعدم إمتلاكه وغيره من القوى السياسية للأكثرية النيابية مكابرة تغلّف هزيمته غير المنكرة، ما سوّغ لهم المجاهرة بإصرار على انتقال الأكثرية الى ضفتهم. صراع أكثريات على التمثيل النيابي وعلى تمثيل المسيحيين أيضاً، لتبيّن الوقائع أن تمثيل المسيحيين متعادل نيابياً بين التيار الوطني الحر والقوات التي حصدت تصويتاً شعبياً أكبر، في حين أن بضعة نواب من تيار باسيل فازوا بأصوات سنية وشيعية ودرزية مرجّحة.
مقتل الأكثرية الوهمية المدعاة من طرف جعجع، أنها بُنيت على معادلة بأنّ كل من يقف ضد حزب الله وحلفائه، سيكون حتماً وبالضرورة تحت عباءة ساكن معراب والجمهورية القوية. إنّها المعادلة التي ثبُت عدم صوابها كما بيّنت وقائع انتخابات رئاسة المجلس وهيئة مكتبه، والتي تراجع فيها جعجع عن ترشيح غسان حاصباني ضد الياس بوصعب وسقط فيها مرشحه زياد حواط لعضوية هيئة مكتب المجلس. وهي المعادلة التي أغفلت وتغفل بأنّ مقدمات الإنتخابات النيابية شهدت تعدّداً للوائح الإنتخابية بين التغييريين ومن يسمّون أنفسهم بالسياديين فضلاً عن المستقلين. فهؤلاء خاضوا الإنتخابات بلوائح بينية إلغائية نتيجة فيتوات متبادلة ضد بعضهم، وربما يمرّ وقت طويل واستحقاقات عدة قبل أن يركنوا الى تحالف الضرورة بعد انتهاء تبريد «الرؤوس الحامية».
ولعلّ محاولة جعجع («الذي طلع البخار برأسه» بحسب إعلامي طرابلسي) «بلف» بعض التغييريين والمستقلّين واستعجاله وضعهم تحت عباءة معراب، قد ساهم في تعزيز نقزتهم وتبرمهم منه. فالتغييريون وصلوا الى الندوة البرلمانية من ساحات وميادين هتفت ضدّ «كلن يعني كلن» وجعجع واحد منهم. كما إن بعض الساحات وخصوصاً في طرابلس وصيدا هتفت مراراً وتكراراً «صهيوني، صهيوني، سمير جعجع صهيوني»، بنفس الزخم الذي هتفت به ذات الحناجر ضد حزب الله وسلاحه، وضد حسن نصرالله وإصبعه.
إنّها المعادلة التي لم يدركها أو يحاول تجاهلها والقفز من فوقها سمير جعجع، والتي أدركها جيداً حسن نصرالله، فقدّم ما يُشبه الإعتذار المتأخر عن سلوكيات أنصاره في «الخندق الغميق» وغيره، عندما كانوا يقتحمون خيم الاعتصامات ويحرقونها ويعتدون ضرباُ وتنكيلاً وترهيباً بحضور وحدات من الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية ضد المحتجين على إيقاع هتافهم الشهير «شيعة، شيعة، شيعة».
بدون شك ثمة صدمة ممزوجة بالإحباط استولدتها بالأمس نتائج الانتخابات المجلسية بمعادلة الـ 65 صوتاً الناتجة في الأساس عن محاولات البلف والإدعاء بالأكثرية، ويبدو أن أصحاب «الأكثرية الوهمية» يريدون تحميل مسؤولية نكستهم وخسارتهم الى التغييريين بسبب عدم مجاراتهم في خياراتهم.
التغييريون بداية أمل جدي وحقيقي في مسار طويل، وسيكونون محل تصويب مركز، والحكم عليهم من اللحظة الاولى، ظالم لهم وللبنان. فما هم بصدده وضع اللبنة التأسيسية الأولى للبنان جديد. والتغييريون بهذا المعنى محكومون بالالتزام بثوابت الساحات التي أنتجتهم والبيئات التي انتخبتهم ممثلين لتطلعاتهم وآمالهم في التغيير المنشود باتجاه النهوض بلبنان وبناء دولة المواطنين الحقيقية، وليس الإصطفاف في صراع المحاور القاتلة وراء حزب الله بوصفه «الدويلة الحالية»، او وراء القوات اللبنانية بوصفها «الدويلة السابقة».
والتغييريون بهذا المعنى، ومن خلال تصويتهم بالعدالة لضحايا وشهداء إنفجار مرفأ بيروت، والمودعين، ولقمان سليم، ولضحايا رصاص حرس المجلس النيابي، ولاسترداد الأموال المنهوبة قد صوّتوا باسم الساحات التي استولدتهم وصدرتهم للندوة البرلمانية وقد جاهد رئيسها نبيه بري في محاولة لطمس أصواتهم بعبارة «ملغاة»، علماً أنه سبق وأفصح عن الأوراق الملغاة في إحدى جلسات انتخاب رئيس جمهورية الفراغ قبل ميشال عون، حيث كتب يومها عدة نواب اسم رشيد كرامي عندما كان سمير جعجع هو المرشح قبل التسوية المشؤومة التي مهّد لها «اتفاق معراب» المعلوم.
التغييريون أمام تحد حقيقي يتمثل بعدم التخندق وراء إصطفافات الانقسامات العامودية المذكورة، وتحديهم الأبرز يكمن في تحولهم الى حجر رأس الزاوية في بناء صرح لبنان الجديد.