خبر

القضاة ينتفضون: ادعموا الخزينة من جيوبكم!

كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:

دقّ قضاة لبنان ناقوس الخطر، حيال الأزمات الاجتماعية والإنسانية التي تلاحقهم وتهدد حياتهم مع عائلاتهم، كما تهدد مصير المساعدين القضائيين وكل الشعب اللبناني، وأعلنوا الاعتكاف العام والتوقف عن العمل لمدّة أسبوع كامل اعتباراً من يوم الاثنين المقبل.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر قضائي أن هذا التحرّك التحذيري انطلق «غداة تبلغ من صندوق التعاضد، بأنهم باتوا ملزمين بتسديد 20 في المائة من قيمة الفاتورة الاستشفائية بالعملة الصعبة من جيوبهم»، مؤكداً أن هذا القرار «أثار غضب المرجعيات القضائية، خصوصاً أن مجلس القضاء الأعلى مستاء إلى أبعد الحدود من هذا الإجراء، ولا يمكنه تبرير ما حصل أو إقناع القضاة بقبوله».

وتداعى ظهر أمس عشرات القضاة إلى اجتماع عقدوه في قاعة محكمة التمييز لبحث التطورات، وأصدروا بياناً قالوا فيه إن «مجموعة من القضاة اجتمعت في قاعة «شهداء القضاء» لدى محكمة التمييز في بيروت وتداولت «بما آلت إليه الأمور نتيجة الانحلال التام الذي وصل إليه الوطن، وجريمة الإبادة الجماعية الذي يتعرض لها الشعب اللبناني، بمن فيهم القضاة والمساعدون القضائيون، في ظل عجز الغالبية الساحقة من المواطنين عن تأمين قوتهم اليومي».

ودعا القضاة الشعب اللبناني إلى «مطالبة الزعماء السياسيين كافة الذين توالوا على الحكم عقوداً من الزمن، بدعم الخزينة العامة للدولة اللبنانية المفلسة والمنهوبة، من أموالهم الخاصة، تحملاً لمسؤوليتهم المعنوية بحدها الأدنى، إذ لا يمكن الاستفادة من ترف السلطة وغسل الأيادي عند جوع المواطن، وبالتالي دعوة كل النقابات وهيئات المجتمع المدني لمواكبة ذلك». وأعلن القضاة دخولهم في «الاعتكاف القضائي الشامل من دون استثناءات، ابتداءً من صباح الاثنين المقبل (30 أيار الحالي) ولمدة أسبوع كامل، رفضاً لاضمحلال الكرامة القضائية على الصُّعد كافة». وناشدوا مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومجلس ديوان المحاسبة «دعوة القضاة عامة للاجتماع في جمعية عمومية لمعالجة الوضع القضائي المزري».

ولم يخفِ المصدر القضائي أن هذا التحرّك «حظي للمرّة الأولى برضا مجلس القضاء الأعلى، وكلّ الهيئات القضائية الأخرى».
وأشار إلى أن منظمي الاجتماع «استبقوا تحركهم بلقاء مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، الذي بدا مستاءً إلى أبعد الحدود من الحالة التي بلغها الجسم القضائي، وتجاهل المسؤولين السياسيين لهذا الواقع»، لافتاً إلى أن القضاة «يرزحون تحت عبء اقتصادي ومعيشي غير مسبوق، خصوصاً أن راتب أعلى قاضٍ في الجمهورية لا يتجاوز حالياً الـ200 دولار أميركي، حسب سعر الصرف». وتابع المصدر: «لقد تحمّل القضاة ظروفاً معيشية قاسية ولم يتخلّوا عن رسالتهم، لكنّهم لن يتحملوا انهيار أمنهم الصحي وأمن أسرهم».

الاعتكاف القضائي ليس الأول من نوعه، إذ سبق للقضاة أن توقفوا أسابيع طويلة صيف العام 2019 عن العمل، للمطالبة بإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، وإبعاد القضاء عن التدخلات السياسية، رغم أنهم أجروا مناوبة للفصل بالقضايا الملحّة وملفات الموقوفين، لكنّ التحرّك الجديد يكتسب أهمية خاصة، بعدما باتت إجراءات التقشف تقضّ مضاجعهم. ورأى المصدر القضائي أن «الأزمة لم تقف عند كشف القضاة صحياً، بل تتزامن مع حرمانهم من حقّ تعليم أبنائهم، حيث بدأت المدارس والجامعات تفرض على القضاة تسديد أقساط أبنائهم المدرسية والجامعية بالـ(فريش دولار)، مقابل تنصل الدولة من تعويض الفارق، وعجز صندوق تعاضد القضاة عن تحسين الوضع».

ولأول مرّة تلاقي صرخة القضاة قبولاً وتفهماً مطلقاً لدى المرجعيات القضائية، إذ أكد مصدر في مجلس القضاء الأعلى أن واقع القضاة والمساعدين القضائيين «بلغ مرحلة مأساوية».
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن القضاة «باتوا عاجزين عن المجيء إلى مكاتبهم، وغير قادرين على تأمين البنزين لسياراتهم». وأبدى أسفه لأن «قصور العدل ومحاكم القضاة تَغرق بالظلام، وتفتقر إلى المياه والنظافة والقرطاسية». وأكد أن مجلس القضاء «لطالما ناشد القضاة أن يتحمّلوا ويضحّوا حتى يصل الناس إلى حقوقهم، لكنه لن يمنعهم من أن يصرخوا، لأنهم جزء من المجتمع اللبناني المنهار».