كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
عبر لبنان الاستحقاق الانتخابي بسلام، برغم الظروف القاهرة التي كانت تحيط بعملية الاقتراع من جوانب عدة، ومنها عمليات الشحن السياسي والطائفي، وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، وهذان العاملان كانا كافيين لإنتاج فوضى عارمة تطيح بالاستقرار، لكن خشية اللبنانيين من الدخول في صراعات مجهولة النتائج، وتهيب القوى الحزبية لخطورة الموقف، حالا دون تفجر الوضع.
صدور النتائج التي أدت الى خسارة حزب الله وحلفائه للأكثرية النيابية، ليس عاملا كافيا لقلب الطاولة على الوضع القائم، لأن التعامل مع الاستحقاقات الدستورية القادمة يمكن أن تكون سببا لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، وبالتالي خلق توترات قاسية في الشارع تقضي على كل الآمال المعقودة على التغيير نحو الأفضل.
واحتمال جنوح بعض القوى الخارجية التي صدمتها النتائج، وبالتعاون مع حلفائهم في لبنان باتجاه تنفيذ اغتيالات أو تنظيم تفجيرات، فرضية قائمة، وتصعيد لهجة خطاب رموز من المحور بعد مرور أسبوع على الانتخابات إشارة في هذا السياق.
أول استحقاق سيواجه المجلس الجديد هو عملية انتخاب رئيس لهذا المجلس، والعرف الدستوري يعطي موقع الرئاسة لأحد نواب الطائفة الشيعية، من دون أن يشير الدستور الى ذلك بالنص.
وكتلة التنمية والتحرير برئاسة نبيه بري رشحته لتولي المنصب، وكتلة الوفاء للمقاومة بزعامة حزب الله تؤيد هذا الترشيح، وهذا يعني أن كامل نواب الطائفة الشيعية الـ27 يؤيدون هذا الخيار، ولا يوجد نائب شيعي آخر يمكن أن ترشحه القوى المعارضة لهذا الموقع، واعتراضات غالبية هؤلاء واضحة على إعادة تولي بري لهذا المنصب بعد أن شغله لمدة 30 سنة ماضية.
يتفهم الرأي العام موقف القوى المعارضة التي حصلت على أكثر من نصف أعضاء البرلمان في عدم تأييد إعادة انتخاب بري لرئاسة المجلس.
وبعض من الكتل التي فازت في الانتخابات الجديدة، كانت موجودة في برلمان العام 2018 ورفضت التصويت لبري في حينها، لكنه فاز بأغلبية موصوفة ومتنوعة تضم نوابا من كل الطوائف. وميثاقية انتخاب رئيس المجلس مهمة له برغم أن الدستور ينص على ضرورة حصوله على النصف زائد 1 فقط في الدورة الأولى والأكثرية العادية في الدورات التي تلي.
خرجت أصوات وازنة تعترض على ترشيح بري لولاية سابعة، ومنها كتلة القوات اللبنانية وهي الأكبر بين الكتل المسيحية الفائزة وتضم 20 نائبا.
وبعض نواب قوى «التغيير» المدعومين من الحراك المدني، يطالبون بانتخاب رئيس للمجلس من خارج الطائفة الشيعية إذا لم يترشح أحد غير بري من الطائفة لهذا الموقع.
عدة احتمالات مطروحة أمام هذا الاستحقاق الحساس، منها انتخاب بري بأغلبية بسيطة ومن دون ميثاقية وطنية ـ او مسيحية، بعد أن استفحل الخلاف بين فريق بري وفريق النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، وعندها سيرد فريق الثنائي الشيعي على هذا الاستهداف بالاستحقاقات القادمة، ومنها عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 أكتوبر، وفي مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا الفريق يملك أكثر من ثلث معطل دستوريا، كما يقبض على فيتو ميثاقي، لأنه قادر على منع أي نائب من الطائفة الشيعية من الاشتراك بالحكومة، وبالتالي اعتبارها غير ميثاقية ويتعارض تشكيلها من دونهم مع مندرجات مقدمة الدستور، كما قد يلجأ الفريق ذاته لرفض المشاركة في عملية انتخاب رئيس الجمهورية إلا إذا كان الرئيس مقربا منهم.
والأخطر من كل ذلك، أن الثنائي الشيعي يملك قدرة على تعطيل أي محاولة تستهدف مرشحه الى رئاسة المجلس النيابي، وأفادت معلومات عن نيتهم بتحريك مظاهرات شعبية أثناء انعقاد جلسة الانتخاب.
التسويات في لبنان مؤلمة، لكن المكابرة قد تكون أكثر ايلاما. والبلاد مازالت على فالق بركان معيشي مدمر.