أوضح العميد الركن خالد حماده لـ”المركزية” أن “نتائج الانتخابات النيابية في لبنان شكّلت نقطة تحوّل أساسية في المسار السياسي للبلد، وعكست مزاجاً شعبياً لم يعد يتماشى مع الحالة التي كانت سائدة قبل اندلاع ثورة 17 تشرين. أقصت الانتخابات حزب الله وحلفاءه عن حيازة الأكثرية النيابية وفتحت الباب بمصراعيه على صدام سياسي مفتوح في العديد من الملفات.
فبالعودة إلى انتخابات 2005 و2009 اللتين أسفرتا عن أكثرية لصالح الفريق السياسي المناوئ لـ “حزب الله” تنذكّر أن الأخير تمكن من تحويل الانتصارات في المجلس النيابي أو في تشكيل السلطة إلى مكاسب حققها من خلال تهديد الاستقرار الأمني ومن خلال أعمال عديدة قد يكون في مقدّمها احتلال الوسط التجاري وبعده اتفاق الدوحة وما أفضى إليه عدوان 2006 والتمرد على القرار 1701… كل ذلك أدى إلى تحويل الأكثرية النيابية الى فشل سياسي عبر تشكيل ما سمي بـ “حكومات وحدة وطنية” بعيدة كل البعد عن مفاهيم الوحدة والوطنية، بل كانت تعبيراً عن انقسام سياسي حاد يغلّفه استقرار امني هشّ، وسيطرة كاملة للحزب ببُعده الإقليمي السوري والإيراني على القرار السياسي.
الوضع الحالي مشابه لتلك المشهدية، والأزمات المطروحة المتعلقة بدور وسلاح الحزب والأزمة الاقتصادية والسياسية الناجمتين عن ذلك، سيكون لها تأثير كبير على مسألة تشكيل السلطة”.
ويتابع “المجلس النيابي الجديد أمام استحقاقات داهمة، وفي أقل من أسبوعين ستبدأ ملامح التمايز السياسي بين الكتل والمجموعات البرلمانية بالظهور. قد يكون الاستحقاق الأول الذي سيقدم مؤشرات حول مسارات العمل السياسي وكيفية التعامل مع الاستحقاقات هو انتخاب رئيس المجلس النيابي حيث يحتكر حزب الله وحركة أمل المقاعد الشيعية كافة وبالتالي حصرية الترشيح . ولكن الاستحقاق الأخطر يبقى في تشكيل الحكومة، فتسمية الرئيس المكلف لن تكون على قاعدة اختيار المرشح القادر على إحراز أصوات أغلبية نيابية غير متجانسة، بل ستكون مرتبطة ببرنامج سياسي. وهذا يعني ان التوافق على رئيس للحكومة لن يكون العامل الأساس في تشكيلها، بل العامل الأهم هو في ارتباط التسمية بمن يلتزم بتطبيق الطائف ويتمسك بالسيادة وبالمراسيم التي توقعها الحكومة، وبطريقة مقاربة الأزمة الوطنية ليس فقط ببعدها الاقتصادي بل ببعديها السياسي والأمني أيضاً. هنا تكمن مسببات الانقسامات الحادّة وربما نكون أمام سيناريو الفشل في تكوين السلطة بما يأخذنا إلى المشهد العراقي، سيما ان أوجه التشابه متعددة في البلدين. ففي العراق تشكل تيار يقول “لا” لاستباحة السيادة و “نعم” لإنقاذ العراق وفي لبنان يطالب تيار عارم بوقف هيمنة “حزب الله” وبضرورة استعادة المؤسسات وتطبيق الدستور والقانون على الجميع”.
لكن، حماده يرى أن “لبنان أكثر عرضة لاهتزازات أمنية من العراق، خصوصاً أن منطلق الملفات الخلافية هو مشاركة حزب الله في صراعات إقليمية خارج الحدود، إلى جانب أزمة العلاقات مع الدول العربية التي تسبب بها حزب الله بممارساته في الداخل، ومسألة الاقتصاد المرتبط بالهيمنة على مرافق الدولة وحدودها وعلى قطاعات الخدمات (وزارة الصحة، الشؤون الاجتماعية، الطاقة)، وقضية ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي نحن أمام وضع غير مؤاتٍ لتشكيل السلطة.
قد يبدو منطقياً للبعض ان تشكّل كتلة وسط برلمانية ربما يكون قادراً على التوصل الى قواسم مشتركة بين الفريقين، لكن السمة الواضحة للوضع السياسي القائم ان البلاد مقبلة على فراغ سياسي قابل للاستثمار من كل الاتجاهات، فلبنان مفتوح على مخاطر العدو الإسرائيلي ومخاطر التدخلات الإقليمية الفاقعة لا سيما من النظام السوري وحلفائه في الداخل. ولكن التهديد الأكبر الذي سيؤدي حكماً الى انقسام داخلي يكمن في استخدام طهران الساحة اللبنانية في ظل التعثر في إحياء الاتفاق النووي والاختلاف الإسرائيلي-الأميركي حيال طهران ومستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة وعلاقة ذلك بالاتفاق الإبراهيمي والتطبيع مع العرب”.
ويلفت إلى أن “لبنان مقبل على فراغ في السلطة وانقسام سياسي حاد سيترجم في الأمن والاقتصاد وربما بالجنوح نحو تكريس لامركزية اقتصادية وأمنية إلى حد ما، ترتسم في المناطق التي رفضت “حزب الله” في الانتخابات، ويفتح ذلك المجال لمزيد من التدخلات الخارجية في لبنان، خصوصاً بعد صدور تصريحات أميركية تسوق لدور سيقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التفاوض بين الفرقاء السياسيين في لبنان، وفي هذا تكرار لدور اثبت فشله سابقاً.
ويختم حماده “الحالة اللبنانية أكثر حراجةً من الحالة العراقية التي تحوّلت إلى ستاتيكو تُرجم بتعطيل تكوين السلطة دون أية مضاعفات . أما في لبنان، فالساحة أكثر حساسية والبلد مفتوح أكثر على النفوذ الخارجي والبنية الأمنية فيه أكثر هشاشةً. لذا، فالرهان معقود على ظهور متغيّر إقليمي عربي يذهب أبعد من تقييم المواقف وموقف دولي ينظر إلى لبنان بجدية أكثر بعد الانتخابات التي عبّر فيها اللبنانيون عن رفض المشروع الإيراني، بعد المواقف الاميركية والأوروبية السابقة التي أدت إلى تثبيت النفوذ الايراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن وأدت إلى ما يشبه قطيعة خليجية-أميركية تعيش واشنطن حالياً أزمتها على وقع الحرب في أوكرانيا”.