كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
تهاوت أسماء «”سورية الهوى”» في الخامس عشر من أيار 2022. لكن، من يستعد إنتخابات حزيران 2005 يعرف تماماً أن التاريخ يعيد حقاً نفسه. فيومها اندحرت «”فلول سوريا”» من تحت قبة البرلمان لكنها ما لبثت ان عادت، رويداً ورويداً، وأحكمت نفوذها. فهل سيكون انتصار 2022 مجرد نشوة عابرة؟
هناك من يتعلم من الأخطاء والتجارب وهناك من يظل يُخطئ ويجرّب ويعود ويتعثر. في 2005، في عزّ ثورة الأرز، قالوا: ستكون الإنتخابات النيابية المفصل الحاسم في إرساء دعائم التغيير المنشود. حصلت الإنتخابات وحصل ما حصل. واليوم وعدنا من جديد بذلك. فهل سيصيبون هذه المرة؟
في زمان ما ، إلتقت مكوّنات المعارضة على النظر الى «رجالات سوريا» على أنهم أشبه برواسب يجب التعامل معها على أساس أنها تتجه الى التراجع والإضمحلال. ويومها راهنوا على أن ذلك يحتاج الى دورتين إنتخابيتين (دورة 2005 و2009) لإقتلاع كل من قال: شكراً سوريا. مرّ الوقت سريعاً وحصل ما حصل ومع اشتداد سطوة «حزب الله» على البلاد في 2018، مع مجيء الرئيس ميشال عون، عاد حلفاء النظام السوري الى المجلس النيابي بعد نحو 13 عاماً على طرد الجيش السوري من لبنان. ووصف أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله ذلك «بالإنتصار السياسي والمعنوي الكبير لخيار المقاومة». فعاد جميل السيد وعبد الرحيم مراد وألبير منصور والياس الفرزلي وبرز فيصل كرامي وجهاد الصمد وطلال ارسلان… وعادت الأيام، من جديد، لتمشي سريعاً في حركة مدّ وجزر، الى أن بلغنا يوم 15 أيار 2022، فعادت لتسقط أسماء وتتدحرج خارج قبة البرلمان اللبناني من جديد وبينها: إيلي الفرزلي وفيصل كرامي وطلال أرسلان وأسعد حردان … فهل سنبقى في دائرة التجاذب والشدّ نفسها؟ هل التغيير الجديد واضح ممكن ومتاح أم عابر عارض ومتعثر؟
اللبنانيون يجيدون فن المعاقبة. لكنهم، بغالبيتهم، لكثرة ما حدث من مدّ وجزر، فقدوا لذة الإنتصار. فايز قزي، الكاتب والسياسي اللبناني، لا يزال بعد صدور نتائج الإنتخابات، واندحار أسماء من نسيج الوصاية وبروز أسماء سيادية وتغييرية، واثقاً بأننا مستمرون في حالة احتلال ويقول «الإحتلال الذي نعيشه الآن أقسى. الإحتلال السوري كان رحمة أمام الإحتلال الفارسي الإيراني الذي هو غزو عالمي». ويستطرد بالقول: «أتوقع أن يكون «حزب الله» قد ساهم، من خلال ضوء أخضر، بسحب الغطاء عن وزناته المتمثلة بهؤلاء. لا يهم الإيراني وأدواته اليوم الحفاظ على أسماء «سورية الهوى» ناصرته دائما لأنه لم يعد بحاجة إليها، خصوصا أن السوري يتجه للتحالف مع الأميركيين ويعود الى الحظيرة العربية التي ينفر منها الإيراني».
هل هذا يعني أن «حزب الله» أشبه بغراندايزر ولا تسقط شعرة من رؤوس اللبنانيين إلا بأمره وبـ»قبة باط» منه؟
نظرية قزي لا يوافق عليها سيادي شارك في الإنتخابات ويقول: «حزب الله بحاجة الى كل حليف. إنه حريص على التمدد في كل الطوائف والنتائج التي تمخضت عنها الإنتخابات أنهت أيّ حضور له في البيئة الدرزية من خلال سقوط كل من طلال إرسلان ووئام وهاب. كان من مصلحته طبعا أن يربح الرجلان ليشكلا إمتداداً مستمراً له داخل طائفتهما. النتائج أضعفت حزب الله في البيئة المسيحية أيضاً التي فقد فيها حليفه المسيحي الذي كان يُصوّر نفسه الأقوى الذي لا يُهزم».
يعود فايز قزي ليُكرر أن «استمرار وجودنا تحت نير الإحتلال جعل اللبنانيين ينتخبون إنتقاماً من المحتل لا انتقاء للأفضل» ويقول «أنا إنتخبت لائحة وليد جنبلاط، كي يصل مروان حماده لا وئام وهاب، مع يقيني ان سقوط وهاب لا يهز الجيش الإيراني والسلاح الإيراني وحزب إيران في لبنان».
حصلت الإنتخابات وفاز من اختاره قزي وكثيرون مثله قصاصاً للمحتلّ. فهل شعر بنشوة الفوز؟ ألا يخشى أن تتكرر واقعة 2005 فتتبعثر نتائج الأصوات السيادية والتغييرية في منتصف الطريق؟
يقول قزي «أعترف أنني تفاجأت بقوّة التغييريين الذين اعتبرتُ في البداية انهم غير قادرين على الوصول، لهذا أعطيتُ صوتي الى من اعتبرتهم قادرين على الوصول. إستخدمت عقلي التقليدي كي أحمي مروان حمادة من وئام وهاب. وهنا أقول أن علينا ان لا نسمح لحزب الله بالإستئثار مجددا بالنتائج وهو ما سيُحاول فعله مع حلفائه من خلال التحدث عن إنتصارات وهمية لهم والقضاء على ما أحرزناه بوسائل سبق واستخدمها في 2005». ويستطرد بالقول: «نحن اليوم في غرفة عمليات. لبنان يموت ويحتاج الى كل نقطة دم لذا من الضروري جداً الآن إنشاء حلف او مجلس او تكتل للسياديين، يضمّ الجميع، وهو ما لم نفعله في 2005. لم نتوحد حينها ولم نؤسس لجبهة سيادية متماسكة. أمر آخر أسأنا التصرف معه وهو ما تحدثت عنه مراراً وتكراراً مع فارس سعيد، ومضمونه أننا لم نعرف كيف نستثمر بخزان الشيعة الشرفاء والمناضلين. لم نعرف كيف نقف الى جانب محمد عبد الحميد بيضون ولم نعرف كيف نتعاون مع القديرة منى فياض».
وما هو ملفت هو الكلام الصادر عن سوريين أحرار بعيد صدور نتائج انتخابات لبنان 2022. أحد هؤلاء وهو إقتصادي يعيش في اوروبا قال: «أعتقد ان نجاح القوات اللبنانية وأحرار لبنان سيكون رافعة لشعوب المنطقة، وطالما وثقنا ان ثورة الأرز في لبنان هي التي أسست لثورات الربيع العربي».
ألهمت ثورة الأرز في 2005 العالم. وعادت ثورة 17 تشرين ورفعت صرخات الثوار. لكن، نعود لنسأل: كم تشبه ثورة صناديق الإقتراع في أيار 2022 ثورة حزيران الإنتخابية في 2005؟ ما حصل بحسب أحد السياديين في 2005 أن «حزب الله» نجح حينها في القيام بإنتفاضة على الإنتفاضة معتمداً ثلاث وسائل:
أولاً، واجه انتفاضتنا بالنار والقتل مستخدماً سلاحه لذلك يمكننا إعطاء ترنح تلك الإنتفاضة أسباباً تخفيفية.
ثانياً، أي انتفاضة لا يمكنها ان تترجم هدفها بشكل سريع يدخلها الملل. وهذا ما حصل مع إنتفاضة ثورة الأرز، مثلها مثل الحرب التي تبدأ باندفاعة ثم تخمد إذا طالت، نتيجة عدم قدرتها على تحقيق أهدافها.
ثالثاً، أدى خفوت إندفاعة ثورة الأرز الى دخولها في نمطية المساومات كي لا تضطر الى مواجهة القتل بالقتل والدخول في الحرب. فتنازل الثوار يومها بعيد السابع من ايار وساوموا مع اتفاقية الدوحة، ما أدى الى اصطدام الثورة بحائط مسدود والتقوقع. وانتهت 14 آذار في 2018. واستطاعت قوى الممانعة التسلل مجدداً. ما دام الأمر كذلك، فماذا يمنع أن تستخدم تلك القوى نفس منهجيتها بعيد ثورة 2005؟
عاملان أساسيان يمنعانها اليوم من ذلك:
أولاً، البلد ما عاد اليوم قادراً على المساومة، فالناس يشعرون بقهر عظيم، والواقع جد مأزوم.
ثانياً، ثورة اليوم لها طابع إجتماعي والناس ملّوا الفراغ الذي أقحموا فيه في ظلِّ سلطة عاجزة، وهو ما أسقط اليوم من جديد ايلي الفرزلي وطلال ارسلان وفيصل كرامي وغيرهم وقطع الطريق على وئام وهاب وآخرين . أتت الإنتخابات اليوم في وقت مصيري وهو ما جعل «القوات» تتقدم والتيار يتراجع، ناهيكم عن خروج الحريرية السياسية من المعادلة، ما أدى الى بروز شخصيات سنية تأبى الإستمرار في الفراغ القاتل. خروج سعد الحريري من اللعبة السياسية أدى الى استفاقة سنية ورفض لتمدد نفوذ 8 آذار والى انتخابات تحاكي أزمات الناس. وهذا ما أربك «حزب الله» الذي حاول ان يُشكل رافعة الى من يبقون البلد، من حلفائه، في حال ترنح وفراغ. لكن، ما حصل أن المعركة دخلت الى عقر داره هذه المرة من خلال أصوات إعتراضية داخل بيئته. لذا من الضروري إستكمال هذا الإنتصار من خلال جمع القوى التي تشبه بعضها وتلاقيها حول استراتيجيات واحدة. وهو ما سيحاول «حزب الله» قمعه. نعود لنكرر سؤالنا، ما الذي يمنع أن يستخدم «حزب الله» اليوم نفس السلاح الذي استخدمه بعيد ثورة 2005 والإنتصار الذي حققته؟
يومها، بعيد احداث السابع من ايار 2008، استخدم الحزب سلاحه فاضطر كثيرون الى الذهاب الى الدوحة والتوقيع على الهدنة خوفاً من الدم. القوات اللبنانية يومها رفضت ان توقع ولو حذت كل القوى الأخرى حذو القوات لما حدث لاحقاً كل ما حدث. الأمر الآخر هو أن «حزب الله» اليوم بات عارفاً بأن ما فعله حينها شكل عبئاً عليه كما ان الوضع اليوم تغير ولبنان بات تحت مجهر دول العالم والناس في بيئته هم أول من سيواجهونه إذا اعتمد لغته نفسها.
هذا الكلام يلتقي حول بعضه فايز قزي الذي يقول «إن الوضع اليوم متأزم جداً وعلى القوى السيادية ان تعرف كيف تبتعد عن اي مساومات جديدة لأنها المدخل القاتل والمنحى الإنحداري السريع الى النهاية. وعندها سنخسر لبنان والشيعة الأحرار أيضاً». في هذا الإطار يتوقع قزي ألّا تشكل حكومة جديدة قريباً وألّا يسلم ميشال عون السلطة متحججا بالفراغ وكل ذلك بإيعاز من حزب الله» ويقول «لهذا أدعو اليوم الى بروز حكماء، مثل حكماء صهيون، يعملون على تدريب الشباب على كيفية الصمود في وجه كل المحاولات لتكرار أحداث 2005 في 2022. وهو ما قد يسهل إمكانية خروج البلاد من القعر الذي هي فيه. كما أدعو الى إلغاء تسمية الثنائي الشيعي والإستعاضة عنه بتحالف إيران- بري، فحزب الله ليس شيعياً بل هو حركة صفوية ايرانية في لبنان، والى وجوب عدم اقتراف السياديين اي «فاول» (خطأ) مجددا لأنه سيلاحقهم حتى النهاية».
في كل حال، الفوز الذي حققه السياديون اليوم فرمل اندفاعة «حزب الله» الذي كان ينوي الدعوة الى تطبيق وثيقته التأسيسية في 1985 والى طرح نظام الحكم الإسلامي والإستفتاء على لبنان دائرة واحدة. نحن، بحسب قزي، «قبعنا ذيل الأفعى وبقي الرأس».
يبقى ان فايز قزي اليوم، مثله مثل كثيرين، خرج من وعاء التشاؤم لكنه ينتظر حذراً. فهل تعلم السياديون من أخطائهم؟