جاء في “المركزية”:
ما إن انتهت الانتخابات النيابية حتى انهال سيل من المصائب على اللبنانيين. صحيح أن الأزمات قديمة إلا أنها أطلت على الساحة من جديد بحدة أكبر، خصوصاً أنها مرتبطة بحاجات أساسية وحيوية، ومن بينها كارثة انقطاع أدوية السرطان والأمراض المستعصية. فرغم “عصر” موازنة دعم الأدوية هذه إلى الحدّ الأدنى الممكن، بقيت مشكلة صرف الاعتمادات قائمة إلى جانب رفض الشركات الموردة للأدوية والمستلزمات الطبية تصدير أي دواء إلى لبنان ما لم تحصل على جزء، ولو بسيط، من دينها المقدّر بـ400 مليون دولار.
في آخر اجتماع لحكومته، يغادر اليوم وزير الصحة فراس الابيض منصبه “مبشّراً” المرضى بأن “أحدا لا يستطيع تحمل كلفة أدوية السرطان والأمراض المستعصية. الأزمة التي نمرّ بها غير مسبوقة كما تدخل عليها عوامل أخرى مثل التعطيل الاداري والمناكفات”، مضيفاً: “مشكلتنا خارج نطاق الوزارة. غالبية المشاكل التي نشهدها هي نتيجة عدم توفر الاموال. نمر بظروف استثنائية وعلى الجميع التكاتف للنهوض بالبلد من المأزق”.
وفي تفاصيل الأزمة الدوائية، يفنّد نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات كريم جبارة لـ “المركزية” حقيقة المشكلة، موضحاً أن “من أيلول 2021 حتى آذار 2022 كانت المشكلة الأساسية متمثّلة بأن المبلغ الشهري المتوفّر لدعم الدواء فقط والبالغ 25 مليون دولار غير كافٍ لسد الطلب المحلي، إذ حاجة لبنان الى الدواء تفوق هذا المبلغ بأشواط إذ كان يستهلك أدوية بقيمة 90 مليون دولار شهرياً قبل الأزمة، وبالتالي فالشح كان نتيجة طبيعية، ولتخفيفه عمد الوزير الأبيض إلى ترشيد الدعم. آنذاك كان قرار الدعم من عدمه حسب الصنف يتم بالتنسيق المباشر بين وزارة الصحة والمصرف المركزي وعلى أساس هذا التواصل تفتح الاعتمادات”.
ويتابع: “انطلاقاً من آذار 2022 تبدّلت الأوضاع مع إعلان مصرف لبنان عجزه عن مواصلة الدعم من احتياطه، وترجم الرأي العام هذا الكلام بأنه وصل إلى الاحتياط الإلزامي. وطلب المركزي حينها عقد استقراض من الدولة اللبنانية لدعم العديد من السلع الأساسية وليس فقط الدواء، ليتبين بعدها أن العقد بحاجة إلى قانون من مجلس النواب الذي أعلن أنه ليس بوارد إصداره. في ظل هذا الواقع، تم التوصل إلى حلّ يقضي باستخدام أذونات السحب الخاصة التي قدّمها صندوق النقد الدولي إلى مختلف دول العالم السنة الماضية لمساعدتها على مواجهة جائحة كورونا وكانت قيمتها 1.1 مليار دولار، أي لا تستخدم ودائع المواطنين لتمويل الدعم.
بناءً عليه، أصبح استخدام أذونات السحب الخاصة يحتاج إلى قرار مجلس وزراء، وبالتالي انتقل قرار الدعم من وزارة الصحة ومصرف لبنان إلى الوزارة والحكومة ما يحتاج إلى موافقة بالإجماع يصدر عنها قرار وزاري، يليه روتين إداري لإبلاغ مصرف لبنان بالقرار عبر وزارة المالية كي ينفذه. أي ليست الآلية المتبعة اطول فحسب بل القرار أيضاً بحاجة إلى مجلس وزراء ما يحتاج إلى وقت إضافي. كذلك، الخروج بهذا الحل استغرق شهراً أي لبنان خسر هذا الوقت من دون وصول أدوية إليه”.
ويشير جبارة إلى أن “أوّل اعتماد أقرته الحكومة من اذونات السحب الخاصة قيمته 35 مليون دولار وتم فتحه منذ أسبوعين أما التنفيذ فكان اليوم بسبب الروتين الإداري”.
ويلفت إلى أن “الخوف اليوم هو من استقالة الحكومة في 21 الجاري، حينها كيف ستجتمع لاتخاذ قرار بفتح اعتمادات الدعم؟ كذلك، لا يمكن أن نغفل إمكانية ان يتطلب تشكيل مجلس وزراء وقتاً طويلاً في حين أن قرار الدعم بحاجة إلى اجتماع وزاري. لذا، طالبنا بألا ينعكس الفراغ الحكومي فراغاً دوائياً، وبما أن هذه آخر جلسة للحكومة الحالية، اقترح وزير الصحة أن تتخذ قراراً استباقياً بفتح اعتمادات للأشهر الأربعة المقبلة كلّ واحد منها بـ 35 مليون دولار تحسباً لاحتمال عدم تشكيل الحكومة. من هنا أهمية تجاوب مجلس الوزراء مع هذا المطلب”.