خبر

“التيار”.. الفوز بأصوات الأكثرية الصامتة

كتبت صفاء درويش في “الجمهورية”:

لم يكن عدد النواب الذي فاز به «التيار الوطني الحر» مفاجئًا لقيادته ولا لجمهوره، وإنّما لعدد من الخصوم الذين اعتقدوا أنّ صورته تهشّمت حتى لدى مناصريه، وبات في الإمكان تحويله “حزب كتائب” آخر!

في الواقع، كان من الطبيعي أن ينجح التهشيم في خلخلة قواعد العونيين الشعبية، اذ إنّها نجحت في تأمين إجماع إعلامي على شيطنة التيار ورئيسه وكل من وما يمت إليه بصلة. إضافةً إلى ذلك، تمكّنت الحملات بالتكافل مع الظرف السياسي، من إظهار تباين كبير بين التيار وحلفائه، كما إلى نزاع واضح على مقاعد اللوائح التي شهدت تحالفات مع أكثر من حزب وجهة حليفة. كل هذه الحسابات غفلت عن الحضور الشعبي القوي للتيّار.

 

لقد تترجم الواقع بتراجع ما، ورغم ذلك لم يحل هذا التراجع دون الحصول على الكتلة المسيحية الأكبر، بحسب مصادره. أسئلة يطرحها اليوم كُثر ممن راهنوا على حصول التيار على نحو 10 مقاعد على طول الـ15 دائرة انتخابية. هذه الأسئلة تتلخّص بكلمة واحدة هي «كيف». كيف نجح التيار في استقطاب جمهوره في مناطق تحالفه مع «حزب الله»؟ وكيف خرج رئيسه فائزًا في دائرة وُضعت إمكانات لبنانية وخارجية من أجل إسقاطه فيها؟

 

تشير معطيات الأرض، وخصوصًا ما حصل يوم الانتخابات في المناطق، أنّ لدى التيّار قاعدتين شعبيتين وليس قاعدة واحدة:

ـ القاعدة الأولى تجاهر بولائها وتوجد على الأرض في كل المناسبات، ويخرج بعضها عبر وسائل التواصل مجاهرًا بخياراته السياسية، هو نفسه الذي تظاهر بعد أيام من 17 تشرين، وهو الذي اشتبك مع من حاول الاعتداء على النوّاب في الأماكن العامة، وهو من تظاهر دعمًا للقضاء مطالبًا باعتقال رياض سلامة.

ـ القاعدة الثانية، تبيَّن أنّها أكبر من الأولى، وهي تمثّل أكثرية شعبية صامتة، أدلت بصوتها في صندوق الاقتراع بهدوء وبلا أي مواجهة مع محيطها. هذه البيئة لها حساباتها، ويبدو انّ انكفاءها اليوم أتى بسبب دفعها ثمن خياراتها السياسية سابقًا في محيط متنمّر ومقاطع، ويتّخذ من الخصومة السياسية منطلقًا للنيل من الأرزاق وتعميم شبه مقاطعة اجتماعية. هذه الأكثرية الصامتة، ومعها من قاتل جهارًا منذ العام 2018 أدلت الأحد الماضي بأصواتها على أساس الخيارات السياسية والعناوين المطروحة، من التدقيق الجنائي الى رفع الحصانات مرورًا باستقلالية القضاء وتغليب مصلحة لبنان على أي خيارات أخرى. يُضاف إلى ذلك، أنّ جزءًا من هذا التوجّه كان صوتًا انتقاميًا. فالحملات الشرسة على «التيّار» قوبلت بانتقام مضاد ممّن أراد خلع التهم الثابتة عنه وإلباسها لعهد أتى بعد أن كان الانهيار أمرًا واقعًا.

 

أمّا عن معركة البترون، فيمكن أيّ كان أن يتحدّث طويلًا عن الأرقام وتوزّع القوى الشعبية، ولكن يمكن لفيلم قصير عرضته إحدى القنوات قبل أيّام من الانتخابات أن يلخّص المشهد، فالانتماء السياسي في البترون لم يكن وحده الموجّه نحو الصوت التفضيلي، وإنّما عملية الإنماء والتطوير الكبيرة والإنجازات الواضحة كان لها أثر واضح في انعكاس امتنان بتروني على الجهد الذي بُذِل من أجل المنطقة. فالبترون، والتي باتت عاصمة سياحية للشمال وربّما للبنان، يبدو أثر باسيل واضحًا فيها، من الشاطئ وصولًا إلى طريق القديسين والذي نقل الجرد بعد الساحل نحو مرحلة أخرى من الاستقطاب السياحي العام.

 

عوامل عدّة ساهمت في حصول «التيار الوطني الحر» على الكتلة الأكبر في المجلس النيابي، بعضها كان واضحًا وبعضها تناساه من روّج لفكرة التهشيم. لكن «كلمة السر» كانت «الأكثرية الصامتة».