خبر

هل يتكرر السيناريو العراقي في لبنان؟!

جرت في العراق قبل نحو سبعة أشهر وتحديدا في 10 أكتوبر 2021، انتخابات نيابية عامة في ظل حالة شعبية غاضبة واعتراضية، ونتج عن هذه الانتخابات قيام برلمان عراقي جديد تميز خصوصا بخسارة ائتلاف الحشد الشعبي المؤيد لإيران، وحصول اختلال في المعارضة والتوازنات، انطلاقا من التغيير الحاصل وحالة «الانقسام» داخل الكتلة الشيعية.

بعد الانتخابات حصل أمران: الأول ارتفاع في درجة التوترات الامنية، ولم يقتصر الأمر على تزايد الضربات والهجمات من القوى الموالية لإيران على أهداف أميركية، وإنما حصلت عمليات ومحاولات اغتيال لم يتبناها أحد لمسؤولين عراقيين، وكان أبرزها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.. والأمر الثاني تمثل فيما سمي «الانسداد السياسي» مع وضع مقفل ومجمد عند الانتخابات.. وما حصل أن عملية انتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي (محمد الحلبوسي الذي جددت ولايته) مرت وبصعوبة، ولكن عملية إعادة تكوين السلطة توقفت هنا، فلم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولم يتم تشكيل حكومة.. ومازال العراق، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الانتخابات، من دون رئيس للجمهورية ومن دون حكومة.

فهل يتكرر هذا السيناريو العراقي بما يحفل به من «عدم استقرار أمني وانسداد سياسي» في لبنان؟!

استنتاجات وخلاصات وأوصاف كثيرة أطلقت على الانتخابات النيابية ونتائجها ومفاجآتها: هناك من غلب مفاجأة الاختراق الذي فاق التوقعات لقوى التغيير، وهناك من اهتم للمعركة المسيحية وأعطى أهمية للتقدم الذي أحرزته القوات اللبنانية في شعبيتها ومقاعدها، وهناك من انهمك في تفكيك ألغاز الخارطة السنية الجديدة المفككة، باعتبارها واحدا من أهم نتائج الانتخابات.. ولكن المسألة التي استحوذت على الاهتمام وشكلت أولوية هي «النتيجة السياسية» للانتخابات والمفاجأة المتمثلة في خسارة حزب الله للأكثرية التي حصل عليها في انتخابات 2018 بنزوله الى تحت عتبة الـ 65 صوتا.

وهذا التطور أعطى أبعادا إقليمية وفسر بأنه انتكاسة لإيران في لبنان هي الثانية بعد العراق، والرد سيكون بتقويض نتائج الانتخابات وإفراغها من مضمونها.

في الواقع، ثمة أوجه شبه كثيرة بين الأزمتين اللبنانية والعراقية، إن لجهة التوزيع الطائفي والسياسي بين ثلاثة مكونات أساسية (مسيحي ـ سني ـ شيعي هنا، وشيعي ـ سني ـ كردي هناك)، واعتماد الديموقراطية التوافقية وليس العددية، وتعاظم الاحتجاج الشعبي على الفساد والمحاصصة وسيطرة القوى الموالية لإيران على الحكومة المركزية، وقيام سلطة وقوة على الأرض موازية للقوة والسلطة الشرعية.. ولكن هناك أيضا اختلافات في الوضعين اللبناني والعراقي، بما يجعل المقارنة لا تصح لجهة تداعيات الانتخابات وردة الفعل الشعبية:

ـ في العراق المشكلة تكمن حاليا وأولا في «الانقسام الشيعي»، في حين أن حزب الله، ومن خلال انتخابات نظيفة ومعترف بها، أكد ومن خلال «معادلة الثنائي» أن الطائفة الشيعية واحدة صلبة ومتماسكة، ورغم وجود حالة تململ وتذمر داخل الطائفة ترجم في تراجع نسبة المشاركة، إلا أن هذه الحالة الاعتراضية لا تترجم حتى إشعار آخر الى واقع سياسي.

ـ لبنان ينفرد «بخصوصية» لا مثيل لها في كل دول المنطقة في تركيبته الطائفية التعددية ونظامه السياسي الفريد، وتوازناته الدقيقة بين طوائف وجماعات لها ارتباطات ومرجعيات خارجية، ودوره ورسالته في المنطقة والعالم، بما يجعل أن المساس بهذه الخصوصية أو محاولة الإطاحة بها يؤدي الى «حرب أهلية» ليس في حسابات أحد ولا من مصلحة أحد، خصوصا حزب الله الذي يتفادى استخدام سلاحه في الداخل حتى لا يفقد شعبيته ومبرر وجوده، ويتفادى استدراج «تدخل دولي».

وإذا كانت أزمات لبنان انطلقت شرارتها من الانتخابات النيابية أكثر الأحيان، فإن هذه الأزمات كانت تنتهي دائما، عاجلا أو آجلا، الى حوارات وتسويات سياسية.

ـ الوضع في لبنان بلغ من الانهيار والتردي والتأزم مرحلة لم يعد يحتمل أزمة سياسية وطنية تضاف الى الأزمة الاقتصادية المالية الاجتماعية والحياتية، ولم يعد يحتمل فراغات حكومية ورئاسية، ومزيدا من الانتظار الثقيل والمراوحة القاتلة.

ولذلك، فإن المسار الذي يبدأ بالانتخابات النيابية من المفترض (ومع ترجيح استمرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كحكومة تصريف أعمال حتى نهاية العهد) أن يستكمل بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، وانطلاق حوار وطني جديد، في ظل ميزان قوى سياسي أكثر تكافؤا من قبل، لتحديث وتطوير اتفاق الطائف، ولمناقشة مسألة سلاح حزب الله وعلاقته مع الدولة اللبنانية.. أما في حال الدخول في مسار الأزمة الشاملة والمواجهة المفتوحة، بدءا من استحقاقات المجلس والحكومة والرئاسة، فإن لبنان سائر الى ما هو أسوا من السيناريو العراقي.