نظمت لجنة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان والاتحاد المسيحي العالمي، ورشة عمل بعنوان “الحياد والمؤتمر الدولي الخاص بلبنان” برعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ممثلا بالنائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في بيت عنيا – حريصا، بحضور بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك رافائيل بيدروس ميناسيان ممثلا بالمطران جورج اسادوريان، النائب المستقيل نعمت افرام، الوزير السابق يوسف سلامة وفاعليات دينية وثقافية واجتماعية.
وقال المطران مظلوم في كلمة: “شرفني صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، وكلفني ان أمثله في هذا اللقاء وأنقل اليكم تحياته وشكره لمنظمي ورشة العمل هذه والمشاركين فيها، وتمنياته لكم بالنجاح في بلورة الأفكار، وتوضيح المفاهيم التي تساعد المسؤولين والمواطنين اللبنانيين والرأي العام الإقليمي والدولي، على فهم أهمية موضوع الحياد بكل أبعاده، ومقاصد غبطته من طرحه والسعي الى تحقيقه في لبنان، لأنه حيوي بالنسبة لهذا الوطن، وشرط أساسي لبقائه واستعادة دوره المميز كالبلد – الرسالة والنموذج للشرق والغرب، كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني.”
وتابع: “لن أجازف بالغوص في مواضيع هذا اللقاء. وبانتظار ما سيقدمه لنا المشاركون من ثمار علمهم الغزير وخبرتهم الواسعة، ولكن أود أن أذكر ببعض النقاط التي أراها مفيدة:
– إن فكرة الحياد التي يطرحها صاحب الغبطة ليست جديدة، بل هي ملازمة لكيان لبنان الحديث منذ نشأته، ومرافقة لتاريخه في كل مراحله، وهذا التاريخ يعلمنا أنه في كل مرة ابتعد اللبنانيون عن الحياد عرضوا كيانهم ووجودهم للخطر. والمطلوب الآن ليس إدخال فكرة الحياد إلى النظام اللبناني بل إستعادة الحياد الذي فقده اللبنانيون بسبب تعدد انتماءاتهم الخارجية.
– إن العودة إلى الحياد يرى فيها غبطته مدخلا الى عملية إنقاذ كبرى وشاملة يشارك فيها بحزم وحسم المجتمع الدولي.
– إن المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان ليس استجداء لتدخل الخارج في شؤونه، بل هي حق له كونه عضوا مؤسسا في منظمة الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية ، والهدف منه تطبيق القرارات الدولية التي تمنع تدخل بعض الدول الاقليمية في شؤونه، وتساعده على استعادة سيادته وحقوقه كاملة.
– إن البطريركية المارونية لعبت دورا اساسيا في نشوء فكرة لبنان كوطن التعددية والعيش المشترك، وواكبته في مساره التاريخي منذ انطلاقته مع الأمير فخر الدين إلى نداء الديمان مع غبطة البطريرك الراعي، وكل ما تبعه من بيانات ومواقف تتابع الذود عن هذا الوطن وتبث المطالبة باستعادة الحياة وعقد مؤتمر دولي لمساعدة اللبنانيين على عودة وطنهم الى دوره ورسالته في هذه المنطقة من العالم، فهل تستطيع هذه البطريركية ان تتنكر لهذا التاريخ وتتنازل عن هذا الدور؟
– إن المسيرة نحو استعادة الحياد وعقد مؤتمر دولي لا تزال طويلة، وهي تتطلب جهودا مستمرة لاستكمال الدراسات التي وضعت اللجنة المختصة قسما كبيرا منها، ولإقناع المواطنين من كل الفئات بأهمية هذا الموضوع، ولكسب تأييد أكبر عدد ممكن من الدول ودعمهم لهذه المسيرة. وما تقومون به اليوم هو خطوة في هذا الاتجاه. فبارك الله كل هذه الجهود، وشكرا على مشاركتكم وعلى اصغائكم”.
بو مارون
وأوضح نائب رئيس منطقة الشرق الادنى في الاتحاد المسيحي العالمي الدكتور شربل بو مارون، في كلمة أن”الفاتيكان يعرف تماما أن خريطة الشرق ترسم من جديد، ولن يرضى هذه المرة أن يكون الحل على حساب مسيحيي المشرق”.
وقال: “إن الحياد ملازم وجود لبنان، وهو ملح أي نظام سياسي عندنا، أكان مركزيا أم لامركزيا أم أي شكل آخر، هو يحصر الخلافات، يزيل أسباب النزاعات، يوطد الشراكة الوطنية بين جميع المكونات، ينقي علاقات لبنان مع محيطه والعالم، ويضعه على نهج السلام الأصيل الذي هو أساس دوره ورسالته، فمذ دخلنا في نزاعات المحاور خسرنا هويتنا الإقتصادية، وساهم الإقتصاد الريعي بتوجيه ضربة قاضية لنظام الاقتصاد الحر المنظم في لبنان. وحين نشأت دولة لبنان، ظلت الليبرالية الاقتصادية سر ازدهار لبنان ونموه وتقدمه، والمشجع على التوظيفات المالية والاستثمارات.”
واكد اننا “اليوم أمام واقع يشبه واقع مؤتمر فيينا، وحياد سويسرا كفله ذلك المؤتمر بغطاء فاتيكاني. فالوجود المسيحي في هذا الشرق أصبح ضرورة، حياد لبنان وسيادته على أراضيه والعمل للوصول إلى مجتمع تعددي يحفظ حقوق الأقليات وينادي باقتصاد منتج، أصبح حاجة. وما حمى سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية كان الحياد والسرية المصرفية والإقتصاد الحر”.
وأضاف: “ها نحن هنا يا غبطة البطريرك نسير معكم وبرعايتكم، ونسعى جاهدين لتحويل مبادرتكم الى مشروع علمي منطقي قابل للتطبيق. وورشة عملنا هذه تضم نخبة من مفكري لبنان والعالم ومراكز الأبحاث الدولية المقتنعين بمبادرتكم، والذين معهم سنجيب على اسئلة كثيرة تتعلق بتاريخ الحياد وأهميته، بتجذره بالدستور اللبناني، بالتعديلات التي ستطرأ على القوانين اللبنانية في حال اقر الحياد.”
نيسي
بدوره أكد رئيس لجنة متابعة تنفيذ قرارات الامم المتحدة الخاصة بلبنان الدكتور طوني نيسي في كلمته “أننا في وسط منطقة تمزقها الحرب. في وقت الأزمات المتتالية في بلدنا، يمثل هذا الحدث إطلاق مشروع وطني متعدد المراحل لاستعادة أسس هويتنا اللبنانية واستعادة حيوية مجتمعنا وتجديد التزامنا القديم بلبنان الرسالة، رسالة حب الحياة ورسالة السلام والسعادة الأبديين”.
وأوضح أنه “قامت الفكرة على مبدأ جعل لبنان مفترق طرق بين الشرق والغرب ونقطة اتصال بين الثقافات والشعوب والأمم. كما أنها كانت سياسة حمت لبنان من الصراع الخارجي مع تأمين مكانتنا بين المحاور العالمية والإقليمية المتناحرة. كان أيضا شكلا من أشكال فن الحكم الذي أكسب لبنان مكانة موثوقة كوسيط سلام بين الدول. كما كانت ثقافة الوئام والانفتاح هي التي جعلت لبنان عاصمة للمشاركة البشرية ومركزا للتجارة الدولية. هذه الفكرة الرائعة التي أطلقنا عليها اسم الحياد آنذاك كما هو الحال الآن، كانت شريكنا في التنمية من بدايات الدولة اللبنانية قبل قرن من الزمان إلى عصرنا الذهبي المتلألئ الذي لا يزال في الذاكرة الحية”.
وأشار الى اننا “أصبحنا طرفا في حروب الشعوب الأخرى، وإن كنا نريد أن نحقق السلام. نحن الآن موطن لدعاة الكراهية، رغم أننا نريد نشر الحب. نحن الآن منطقة حمراء للأزمة الاقتصادية، على الرغم من أننا نريد الازدهار. نحن الآن بقعة مظلمة على الخريطة العالمية للسياحة والتبادل البشري، على الرغم من أننا نريد إشراك عالمنا”.
وختم نيسي: “لقد وصلنا إلى حالة من المأساة والخلل الذي ينفي طبيعتنا كشعب. إنه أمر غير محتمل وغير معقول، وعلينا أن نسعى بكل قوتنا لاستعادة أسس قوة بلدنا والقيام بذلك لن يكون سهلا. لكن إذا اجتمعنا معا، نستلهم من التعاليم القديمة التي تربطنا، إذا فكرنا معا، استرشدنا بالمعرفة والعقل، وإذا بذلنا أنفسنا معا من أجل الأطفال الذين نحبهم يمكننا أن نستعيد أفضل ما في تاريخنا الحديث ونبني مستقبلا مليئا بالأمل والنور”.
الكونغرس
وكان عرض لفيلم باسم الكونغرس الاميركي حيث وجه عضو مجلس النواب الاميركي مايك والتز ولجنة القوات المسلحة رسالة إلى الشعب اللبناني من ولاية فلوريدا، قال فيها: “اقدر جهودكم ومثابرتكم من اجل السعي لحياة افضل وتوفير ارض السلام والازدهار للاجيال القادمة. ونأمل ان نرى لبنان يعيش مع جيرانه بسلام، نرى لبنان بلدا خاليا من الرعب، دولة خالية من السلام ولها نظام سياسي وحكومة تخدم الشعب، وهذا يخلق بيئة حيث حرية التعبير وحرية الصحافة وارض الفرص للاجيال القادمة.”
بعد الجلسة الافتتاحية عقدت أربع جلسات حوار، الأولى بعنوان: “ماضي وحاضر الحياد”، الثانية “الحياد اللبناني: فوائده، خسارته واستعادته”، اما الثالثة فهي بعنوان “القوانين اللبنانية في ظل الحياد”، وجلسة أخيرة “لبنان في محيطه: الحياد خطوة نحو السيادة”.