كان للّقاء الذي جمع وفداً من تيار “المستقبل” برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب أن سكب القليل من المياه الدافئة على العلاقة التي اتّسمت بالبرودة بين المكوّنين خلال الأشهر الماضية، انطلاقاً من الصورة “القواتية” التي يعبّر عنها حاضرون في الاجتماع الذي استمرّ قرابة ساعة ونصف ساعة. وارتبطت الانسيابيّة التي رافقت مجرى الزيارة بعامل وجداني حمل معه عبوراً إلى زمن المواجهة التي خاضها المكوّنان في قارب واحد في أوج المرحلة التي عاشتها القوى المحسوبة على خط محور 14 آذار سابقاً. وتحتّم العودة من ينبوع الماضي السياسي الذي جمع الفريقين إلى واقع الزمن الحاضر، الإشارة وفق المقاربة “القواتية” إلى أنّ العلاقة باتت على القطعة في ظلّ ظروف وأولويّات سياسية مختلفة راهناً بين الفريقين. وهذا ما أدّى إلى التباعد. ويبقى التحالف مسألة مرتبطة بظروف سياسية مختلفة وغير ناضجة في التوقيت الحالي. ولا يلغي ذلك استمرار قنوات التواصل والانفتاح للتشاور في المواضيع السياسية، لكن “إعادة الوصل” وعودة مسار العلاقة إلى طبيعتها بين حزبين صديقين يعرفان بعضهما بعضاً جيّداً، مسألة مرتبطة باللحظة السياسية التي يبدو أنها لم تدنُ حتى الآن.
وانطلاقاً ممّا سبق، لا يمكن ربط اللقاء بعناوين أبعد من استعادة محطات مرسومة بريشة النوستالجيا من جهة، والنقاش في مضامين الخطوة التي أعلن عنها الرئيس #سعد الحريري بشأن السعي إلى تأمين الحشد اللازم لمشروع قانون رفع الحصانات في قضية انفجار مرفأ بيروت التي قامت بإعداده كتلة “المستقبل”. ويشكّل هذا الموضوع المنطلق الأساسي للزيارة التي ضمّت النائبين محمد الحجار وهادي حبيش في إطار استكمال الخطوات. وعُلم أن النائبة بهية الحريري كانت من ضمن أعضاء الوفد المقرر زيارة معراب، لكنها اعتذرت عن عدم الحضور نتيجة وعكة صحية صغيرة ألمّت بها. ولم تأتِ زيارة “المستقبل” بمثابة استثناء بل تدرج في سياق الجولة التي يقوم بها أعضاء الكتلة على الكتل النيابية، بما يدفع المكوّنين الحاضرين في الاجتماع إلى الابتعاد عن المبالغة في سرد خلاصاته. وسبق أن بادرت “القوات اللبنانية” تجاه “المستقبل” للبحث في موضوع الاستقالة من المجلس النيابي، بما يجعل فحوى العلاقة والمباحثات بين الفريقين مسألة مرتبطة بعناوين محددة ومسائل يومية.
وتشير مصادر بارزة في “القوات اللبنانية” لـ”النهار” إلى أن التواصل مع “المستقبل” يحصل بحسب الملف، فيما تحتاج أي علاقة إلى ظرف سياسي. بما يعني أن عودة الحرارة إلى الفريقين على غرار المرحلة السابقة، مسألة مرتبطة بقرارات سياسية غير حاضرة اليوم بانتظار الظرف واللحظة. وتصرّ “القوات” على موقفها المؤكد ضرورة الاتجاه إلى انتخابات نيابية مبكرة، باعتبار أنه لا يمكن التوصل إلى حلول في ظل الأكثرية النيابية الحاكمة. ولا تضع “القوات” المشكلة في الرئاسة الثالثة أو في ممثليها بل في التحالف الذي يجمع العهد مع “حزب الله”. وتؤكّد أنها برهنت صوابية موقفها الدقيق والصلب بعد مضي أشهر طويلة من المراوحة وعدم القدرة على التوصل إلى خرق في الموضوع الحكومي.
وكان رئيس “القوات” قد أكّد في موضوع الحصانات بُعيد اللقاء مع وفد تيار “المستقبل” على موقف معراب، لناحية أنه “بالنسبة إلينا لا حصانات على أحد في ما يتعلق بالتحقيق في انفجار المرفأ، إلا أننا لدينا مقاربة ووفد تيار المستقبل لديه مقاربة أخرى. ونحن نبحث في هذه المسألة من أجل أن نحاول إيجاد المقاربة الأجدى والأسرع من أجل اعتمادها. فالأهم هو الوصول إلى الحقيقة في أقرب وقت ممكن”. وعُلم أن ثمة تحضيرات قائمة لعقد لقاء آخر بين “القوات” و”المستقبل” للبحث في الاطار نفسه المرتبط بموضوع الحصانات. وتركّز “القوات” على ضرورة التأكيد على كلّ ما يطلبه المحقق العدلي للمساعدة في التحقيق وفي إطار تسهيل عمله.
من جهته، كيف ينظر “التيار الأزرق” إلى اللقاء مع “القوات” بعد أشهر من البرودة في العلاقة الثنائية؟ تضع مصادر مسؤولة في تيار “المستقبل” اللقاء في الاطار التشاوري نفسه مع الكتل النيابية الأخرى، من دون أن يعني ذلك التجاوز الكامل للبرودة التي كانت سيطرت في الأشهر الماضية. ولا يلغي ذلك الرغبة في الوصل بين الفريقين كلّ وفق الرؤية السياسية التي يتبناها، لكن التواصل والحوار يبقى محصوراً بملفات محددة في هذه المرحلة. ولا يمكن الحديث عن اتجاه إلى تعاون في الانتخابات النيابية من عدمه حتى الآن، فيما يرتقب أن تنظر كل القوى السياسية انطلاقاً من المكاسب التي تسعى الى تحقيقها على صعيد المقاعد النيابية من خلال تأمين الحاصل الانتخابي. وفي تقويم لما يجمع بين المكونين وما يفرّق بينهما، ترى مصادر “المستقبل” أن البعد الاستراتيجي لا يزال هو نفسه، إلا أن الرؤى مختلفة في الموضوع اللبناني، وتحديداً حول قانون الانتخاب الذي يعارضه “المستقبل” ولا يعتبره نموذجياً.
في غضون ذلك، تشير المعطيات إلى تواصل على صعيد وجوه من “المستقبل” و”القوات” – لا تصل إلى حدود القيادة العليا – في إطار العمل على خفض التوتر والبحث عن قواسم مشتركة على أساس العناوين السيادية ومصلحة الفريقين. ويبقى الحذر مسيطراً على العلاقة في ظلّ تباينات لا يمكن اغفالها في أكثر من مقاربة. ويرى بعض المراقبين لتطور مسار العلاقة أن المسألة تحتاج إلى مزيد من المبادرات للمساهمة في تقريب وجهات النظر بين المكونين.
أخبار متعلقة :