خبر

فرضية العمل التخريبي في انفجار مرفأ بيروت تُطرح مجدداً

في بلاد «الحصانات» الطائفية والسياسية، أقدم المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، على خطوة متقدمة بإسقاطه الحصانات عن شخصيات سياسية ومسؤولين حاليين وسابقين.

وتؤكد مصادر قضائية متابعة أن آلية العمل التي اعتمدها بيطار تقنية صرفة، وليس فيها أي شائبة سياسية، كما حصل مع القاضي السابق فادي صوان، الذي الذي أرسل كتابين متناقضين للمجلس النيابي سابقاً، في ثغرة أدت في نهاية المطاف إلى تنحيته.

الملف الذي أعدّه بيطار، وفق المصادر القضائية، كامل متكامل، وبناء عليه كانت لهجة تعاطي القوى السياسية والجهات المعنية والمستدعاة إلى التحقيق مختلفة عمّا كان عليه الوضع مع صوان.

ومن شأن خطوة بيطار، التي تأتي قبل شهر واحد من الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، أن تريح أهالي الضحايا، وتعيد التحقيق إلى المسار القضائي الذي تحتويه جدية في الوصول إلى الحقيقة. وتؤكد المصادر القضائية أن بيطار توصل إلى الكثير من الخفايا والمعلومات حول الجهة المسؤولة والأسباب التي وقفت خلف الانفجار.

صحيح أن التركيز يطال شخصيات متهمة بالإهمال أو بالتقصير في واجباتها الوظيفية، لكن وفق المصادر، فإن جوانب متعددة حول سبب الانفجار والجهة التي أتت بالمواد القابلة للتفجير والجهة التي استخدمتها، لا تزال مخفية في إطار سريّة التحقيق.

وهنا لا بدّ من الرهان على نتيجة التحقيقات، وما سينتج عنها من عقوبات وإجراءات قضائية، كي لا يتوقف الأمر فقط عند حدود الجهات المهملة.

وتكشف المعلومات القضائية وجود بعض المؤشرات التي تفيد بأن ما جرى ناجم عن عمل تخريبي، وهي المرة الأولى التي يتم التداول في كواليس التحقيق بمثل هذه الفرضية، بعد أن كانت كل الأنظار المحلية وكذلك التقديرات الخارجية قد اتجهت إلى فرضية الإهمال، مما خلق شكوكاَ كثيرة تستوجب التوسع في التحقيقات.

الأساس في ما قابلته هذه الخطوة هو مدى المقبولية لدى القوى السياسية في التعاطي بشكل إيجابي مع استدعاءات صوان، فرئيس المجلس النيابي نبيه بري أعلن سريعاً الموافقة على السير بالتحقيقات، وطلب من نوابه القبول برفع الحصانات والمثول أمام التحقيق، بخلاف موقفه السابق عندما رفض مثول الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر أمام القاضي صوان.

كذلك لم يصدر أي موقف عن رؤساء الحكومة السابقين بعد استدعاء بيطار لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد أن كانوا قد اعتبروا سابقاً أن قرار القاضي صوان باستدعائه يستهدف موقع رئاسة الحكومة.

والأمر نفسه ينطبق على استدعاءات لرؤساء أجهزة أمنية لها نقاط تمركز وصلاحيات قانونية في المرفأ، وكان لديها علم بوجود مثل المواد الخطيرة ولم تتحرك لتلافي ما حصل. الأهم في ما حصل أن السياسة لا تزال بعيدة عن الملف القضائي، خصوصاً أن الجهات المستدعاة إلى التحقيق محسوبة على توجهات سياسية متعددة، لكن تشير مصادر قضائية الى ثغرة قانونية في استدعاء المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم إلى التحقيق. وتشير المصادر الى أنه قبل يوم واحد من صدور الاستدعاء، قرر البيطار إخلاء سبيل المقدّم في الأمن العام داوود فياض، الذي يفترض أنه يعمل بتوجيهات رئيسه، وبالتالي بما أنه قد أخلي سبيله، فما الداعي لاستدعاء مدير الجهاز؟

وتعتبر مصادر قريبة من البيطار أن استدعاء إبراهيم ينطلق من مبدأ أنه تلقى كتاباً يبلغه بوجود هذه المواد، والهدف من التحقيق هو الاستماع إلى رأيه وما لديه من معطيات، وليس بالضرورة توجيه الإتهام له.

ثانياً، تلفت المصادر إلى أن صلاحيات الأمن العام في المرفأ تقتصر على حركة دخول الأشخاص وخروجهم، والتدقيق في جوازات السفر، ولا علاقة للجهاز بالعنابر، ولا بالمواد الموجودة فيها، ولا بآلية تخزينها.

كل هذا يعني أن لبنان فتح صفحة تحقيق جديدة في قضية تفجير مرفأ بيروت، تجيب عن الأهم بالنسبة إلى اللبنانيين، وهو من أتى بالمواد القابلة للانفجار، ومن استخدمها، وما هو سبب الانفجار، وهل هو عمل تخريبي لسبب معيّن أم أنه بالفعل ناتج عن إهمال؟

بلا شك سيكون مسار الإجابة عن هذه الاسئلة طويلاً، لكن القطار وضع على السكة، ويفترض حالياً أن تنتقل الكرة من القضاء إلى ملعب المجلس النيابي لرفع الحصانات وإعطاء الأذونات بالخضوع للتحقيق.