على جدول أعمال الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري تحضيرات مكثّفة لمتابعة الجولة التي كان بدأها في الأسابيع الماضية وزار خلالها عدداً من الدول الشقيقة والصديقة. ويتضمّن الجدول بحسب معلومات “النهار” محطّات جديدة مرتقبة في أكثر من دولة عربيّة ودوليّة يعتزم الحريري زيارتها في المرحلة المقبلة، فيما يبقى الإعلان عن مواعيد الزيارات والأطر التنظيمية رهناً بالوقت المناسب.
وإذا كان خطاب 14 شباط في مناسبة الذكرى الـ16 على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري شكّل خريطة طريق واضحة المعالم للعناوين السياسية المرتقبة التي حملت مؤشّرات واضحة المعالم لجهة التأييد الذي حظيت به مساعي الرئيس المكلّف في الجزء الأوّل من الجولة وتأكيده على توافر الحلول في حال تشكيل حكومة اختصاص تعمل على تنفيذ الاصلاحات، فإنّ هذه الأجواء تشكّل خلاصة رئيسيّة في مضمون زيارته إلى فرنسا.
وتفيد المعطيات بأنّ لقاءً كان جمع الرئيس المكلّف مع مجموعة من المقرّبين والمستطلعين بُعيد الكلمة التي ألقاها الأحد بعد عودته إلى بيروت، سُئل خلاله عن مضمون لقائه مع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، فأكّد الحريري بأنّ هذا اللقاء كان ثنائياً ولم يحضره شخص ثالث وأنّ ما تداولا به بقي ملكاً لهما وأنّه لم يتحدّث في مضامينه التفصيليّة مع أحد. وما يمكن تأكيده من خلاصات عامّة بحسب مقرّبين وثيقين من الرئيس المكلّف، هو أنّ الزيارة الفرنسية عكست حماسة للمباشرة بمساعدة لبنان إضافةً إلى التأييد والدعم، وهذا ما دفع الحريري إلى استخدام عبارة “كبسة زرّ” في خطابه لأنّه التمس مدى الاستعداد الكبير للمساعدة وحجم الاهتمام الدولي الملحوظ، خصوصاً أن فرنسا تضطلع بدور جوهريّ في تأمين أكبر حشد دوليّ من أجل إنقاذ لبنان.
كلّ المؤشّرات ترسم ملامح عودة قويّة للحريري. هذا ما تؤكّد عليه أيضاً قراءة عضو كتلة “المستقبل” محمد الحجّار المتقاطعة مع المعطيات الآنفة الذكر، في إشارته إلى أنّ “الرئيس المكلّف يستمدّ قوّة مواقفه من قناعة راسخة لديه بأنّ البوصلة التي يفترض أن تحكم قراراته هي مصلحة البلد التي كانت تحكم أيضاً سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو على قناعة بأنّ الفرصة الأخيرة المتوفّرة للبنان لبدء الخروج من الأزمة ووقف الانهيار، تكمن في المبادرة الفرنسيّة المدعومة عربيّاً ودوليّاً، فيما تكمن خلاصات الزيارة الفرنسية الأخيرة في دعم تأليف حكومة بالمعايير المطلوبة ولا تراجع أو تعديل في شروط المبادرة الإنقاذيّة”.
ويقول الحجّار لـ”النهار” إنّ “قضيّة الثلث المعطّل والابتزاز المستمرّ منذ الدوحة حتى اليوم، منع أيّ إمكانيّة لإجراء الاصلاحات وتنفيذ مؤتمر سيدر. عُطّلت الحكومة 8 أشهر لتشكّل كما أرادها باسيل في تجربة ماضية، لكن لا تراجع اليوم أو تكرار لسيناريوات سابقة لأن مصلحة البلد تقتضي ولادة حكومة اختصاص. في حال قدّم العهد أسماءً تتطابق مع معيار الاختصاص غير الحزبيّ فلا مشكلة في ذلك، وهنا يكمن بيت القصيد في اختيارهم أشخاصاً تنطبق عليهم مواصفات تشكيل الحكومة، لكنّهم يتحدّثون بأسماء حزبية أو أسماء تتّصف بولاء مطلق للتيار الوطني الحرّ ويريدون الثلث المعطّل”، مضيفاً أنّ “الأسماء التي وضعت من ضمن لائحة قدّمها رئيس الجمهورية ربّما لم يكن يرضى بها النائب جبران باسيل أو أنها خضعت لاختبار كان يجريه وتبيّن أن ولاءهم له ليس بالشكل الذي يريده، حيث يسعى إلى تعميم نمط التجارب السابقة القائمة على الارتباط الوزاري الكامل بقراره السياسي… وهذا لن يحصل”.
ويعرّج على تجربة الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب، في إشارته إلى أنّ “بعض الأسماء تملك سيرة ذاتية جيّدة لكن المشكلة تمثّلت في عدم القدرة على اتخاذ القرارات التي ارتبطت بالقوى السياسية”. وعن الحلول التي يمكن أن تسهم في دفع عمليّة التأليف، يرى الحجار أنّ “الحلّ يكمن في دخول حزب الله على الخطّ والعمل على إقناع حليفه أن يشكّل الحكومة في ظلّ مجلس نيابي يتمتّعون فيه بأكثرية نيابية، وفي حال وجدوا أنها لم تتألف بالشكل الذي تحدّث عنه الرئيس المكلّف فليحجبوا الثقة عنذئذٍ. لا يمارس حزب الله الدور المطلوب منه وربما لديه حساباته، فيما يؤكّد في حديثه المعلن أنه يريد حكومة. لا بدّ من تدخّل حزب الله مع فريق العهد للمساعدة في ولادة الحكومة، لكنّه لا يفعل شيئاً على المستوى العملي سوى إصدار بيانات صحفيّة، علماً أنّه مدرك بأنّ الحكومة ستتشكّل من اختصاصيين”.
ويتخوّف من عدم تلقّف المعرقلين في لبنان الايجابيّات والدعم الذي تتيحه الدول الصديقة بما يعني ذلك تفكّك الكيان اللبناني، مستذكراً وضع العراقيل أمام مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرؤيويّ الذي كان يريده لمستقبل لبنان، في قوله إنّ “ما أريد من اغتيال الرئيس الشهيد القضاء على المشروع الذي وضعه للبنان بما كان يمثّل من حيث القدرة. لقد أريد اغتيال لبنان الذي يمثّل الدولة السيدة والحرّة والمستقلّة والنظام الليبراليّ ضمن حدود القوانين والانفتاح على العالم والمرتبط بأشقائه العرب، واغتيال النظام الاقتصادي الحرّ القائم على تقوية القطاعات الاقتصاديّة الخدماتية والمنتجة”.