رسمتْ المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء ، المنحى الذي سيسلكه الواقع اللبناني بإزاء أزمة تشكيل الحكومة كما الاستحقاقات الإقليمية، عبر سلسلة رسائل بعضها “صاروخي استراتيجي” وجّهه الى إسرائيل ، وبعضها الآخر تهْدوي و”مدجَّج” بالرمزيات حيال الوضع المحلي بامتداداته الخارجية.
ورغم نبرة “الصوت العالي” لنصرالله في إطلالتيْن متتاليتيْن خلال نحو 12 ساعة، فإن أوساطا متابعة لاحظتْ عبر صحيفة “الراي” الكويتية، أن نصرالله بدا وكأنه انْتَقَل من موقع الهجوم الى الدفاع ، وهو ما اعتُبر في سياق محاكاة المتغيرات ولا سيما في ظلّ اقتراب اكتمال “الكماشة” الأميركية من حول إيران وانكشاف الأزمة السورية على مزيد من فصول “اقتطاع النفوذ” بين اللاعبين الاقليميين والدوليين.
ورأت ان نصرالله ، الذي سَبَق ان “نعى” المشروع الأميركي في المنطقة متحدثاً عن هزيمته وأن إيران ومحورها انتصرا، قدّم مقاربة للتحديات الآتية عكستْ ان الهجوم الأميركي ما زال “في عزّه”، وصولاً الى دعوته قبل أسابيع قليلة من دخول إيران في “استحقاق كبير وخطير، هو بدء تنفيذ العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية” الى “الوقوف بجانبها سياسياً، وإعلامياً، وشعبياً، ومعنوياً وعلى كل صعيد”.
وتوقّفت الأوساط نفسها عند الطابع “الهجومي” في موقف نصرالله ، الذي يُتْقن فنّ الحرب النفسية، والذي توجّه فيه الى إسرائيل ومحاولاتها قطْع الطريق على حصول الحزب على الصواريخ الدقيقة معلناً “انتهى الأمر وتمّ الأمر وأُنجز الأمر وباتت المقاومة تملك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ومن الإمكانات التسليحية ما إذا فَرضت إسرائيل على لبنان حرباً ستواجه مصيراً وواقعاً لم تتوقعه في يوم من الأيام”.
ورأت أن من خلف تأكيد نصرالله المؤكد لجهة امتلاك حزبه صواريخ دقيقة واستراتيجية، تطلّ أبعادٌ ردعية – دفاعية تعكس خشيةً من إمكان استغلال إسرائيل “تشرين الثاني العقوبات” على إيران وما بعده للاندفاعة في حربٍ قد تجد فيها الفرصة الملائمة، مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض والخطوط الحمر الروسية في سوريا ، للتخلص من الترسانة الصاروخية لـ”حزب الله”، وإن كان تَعمُّد الكشف “الرسمي” عن وصول الصواريخ الإيرانية الكاسرة للتوازن الى مخازن الحزب من شأنه تسليح واشنطن وتل أبيب بورقة لممارسة المزيد من الضغط على لبنان وتعريضه تالياً لمخاطر كبرى ولا سيما في ظل سيف العقوبات الأميركية المصلت.
ولم تقلّ مواقف نصرالله من الواقع اللبناني أهميةً سواء لجهة المأزق الحكومي أو سياسة النأي بالنفس التي كرّس “الاستقالة الرسمية” لحزبه منها، أولاً بتأكيد “أن “حزب الله” باقٍ في سوريا حتى بعد التفاهمات في إدلب ، وهذا الوجود رهن بقرار الدولة السورية»، وثانياً بإعلان “اننا مع نأي الحكومة اللبنانية بنفسها من موقعها الرسمي عما يجري من حولنا”، وهو ما يناقض مُلْحَق التسوية السياسية الذي كان أكد “التزام الحكومة بكل مكوّناتها النأي بالنفس عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب”.
وفيما أكمل نصرالله هذه المقاربة بمعاودة الهجوم على السعودية والبحرين، انطوى كلامُه عن الوضع الحكومي في لبنان أهمية كبيرة وتحديداً قوله “نجد التعطيل والجمود وبالحدّ الأدنى بحسب معطياتي هناك غباشة في شأن التشكيل، فلا شيء سيظهر لا في القريب ولا في البعيد ومن الممكن أن يعيد الناس النظر في موقفهم خلال أيام أو شهور أو سنوات”، داعياً “الى الحفاظ على جو الحوار لأن هذا شرط للتفاهم الداخلي، وفي النهاية كل العالم سيشكّل حكومة بعضها مع البعض ولا أحد قادِرٌ على إلغاء الآخَر”.
واعتبرتْ الأوساط السياسية ان موقف نصرالله الذي عَكَس تسليماً من “حزب الله” بالتكيّف مع مرحلة طويلة من دون حكومة مردّه الى معادلةٍ بالغة الحساسية: فهو ليس في وارد القبول بصيغة التوازنات التي تعبّر عنها طروحات الرئيس سعد الحريري من جهة، وغير قادر على الإطاحة به من جهة أخرى، لأن