عبّر “الاحتفاءُ” السياسي في بيروت بالفوز التاريخي الذي حقّقه منتخب لبنان في كرة السلة (ليل الخميس) على نظيره الصيني في التصفيات الآسيوية المؤهّلة لبطولة العالم و”الإسقاطاتُ” التي أُعطيتْ له على أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، عن مدى “الخواء” الذي أصاب مجمل الواقع اللبناني الذي بات رهينة المأزق الحكومي الذي تقاربه غالبية الأطراف كلٌّ من ضمن “سلّةِ” أهدافها.
وفيما تلاقتْ كل القوى السياسية على تهنئة “منتخب الأرز” بانتصاره المدوّي على “التنين الصيني” واقترابه من نهائيات كأس العالم، ذهب رئيس البرلمان نبيه بري أبعد في مقاربة هذا الإنجاز الرياضي والإطلالة من خلاله على الواقع الداخلي المأزوم معلناً “هي روحية العمل كفريق واحد والجهد الجماعي دائماً تثمر إنجازات… وحبذا لو نقارب أزمتَنا السياسية الراهنة التي تكاد تدخل مرحلة الاستعصاء بنفس الروحية والجهد الرياضييْن، حتماً عندها سنضيف إنجازاً للبنانيين بات مطلباً ملحاً”.
وبدا “النزوح السياسي” نحو الحدَث الرياضي، معطوفاً على “هبّة الفرَح” اللبنانية على مواقع التواصل الاجتماعي، بمثابة “وقتٍ مستقطع” في العنوانيْن الأهمّ اللذين يختصران المشهد الداخلي: الأوّل مسار تأليف الحكومة الذي يقترب من دخول شهره الخامس في 24 الجاري بلا ملامح انفراج وشيك، والثاني مسار اختتام جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تتولى النظر باغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي أَنْهى معها فريقُ الإدعاء أمس مرافعاته الختامية لتبدأ مرافعات وكلاء المتضررين وبعدها فريق الدفاع عن المتهَمين الأربعة من “حزب الله” (ابتداءً من الاثنين)، على أن تنطلق مع نهايةِ هذه المرحلة المذاكرةُ التي قد تستمرّ أشهراً قبل إصدار الأحكام القابلة للاستئناف.
ففي الملف الحكومي، ورغم موقفه الاحتوائي ومن لاهاي للارتدادات المحتملة لما انطوتْ عليه المرافعات الختامية للادعاء بقضية اغتيال والده على الوضع اللبناني ولا سيما تشكيل الحكومة، فإن الرئيس المكلف سعد الحريري ماضٍ في إصراره على إدارة هذا الملف تحت سقف الحفاظ على صلاحياته والثوابت التي يتمسّك بها لحكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ بتوازناتِ التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي، لا يملك فيها فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (مع حصة الرئيس) الثلث المعطّل منفرداً ولا غالبية الثلثين مع “حزب الله” وحلفائه، في مقابل إصرار عون – الحزب على حكومةٍ بتوازنات الانتخابات النيابية التي فاز فيها هذا التحالف بالأكثرية.
وإذ قال الحريري انه “بالرغم من الاختلافات والتباينات بين الأطراف السياسية، نأمل من خلال تعاطينا الهادئ والمسؤول مع الجميع، وتَحَلِّينا بالصبر ان نصل في النهاية الى تأليف الحكومة، والمباشرة بحل المشاكل التي تواجه البلد (…)”، فإن “بورصة” التشكيل لم تحمل أي جديد في ظلّ استعدادات لـ”تزييت الماكينات” لمرحلة “تَوازُن سلبي” طويلة، عبّر عنها شعار رئيس الجمهورية “لستُ مستعجلاً ولن أتراجع عن معاييري” وما يُحكى عن تحضير بري لتدشين جلسات تشريعية للبرلمان ولو بلا حكومة “كاملة المواصفات”، الى جانب احتفاظ الحريري بـ”ورقة” العودة الى مقرّه في السرايا الحكومية لإدارة مرحلة تصريف الأعمال.
وتأتي هذه المراوحة في الحلقة المفرغة وبِلا “مانِعة صَواعق” على وقْع انتهاء فريق الادعاء في اغتيال الحريري من ربْط حلقات قضيّته عبر جمْع “فسيفساء الأدلة” التي ترتكز على “داتا” الاتصالات للمتَّهمين و”قائدهم” و”العقل المدبّر” للجريمة مصطفى بدر الدين (أُسقطت الملاحقة عنه بعد مقتله في سوريا) الذي أشرف على مجموعة المراقبة ومجموعة الاغتيال (منسّقها المتهم سليم عياش) ووحدة التضليل بقيادة المتَّهَم حسن مرعي والتي ضمّتْ المُتَّهَمان حسين عنيسي وأسد صبرا (كلفت بترتيب إعلان المسؤولية زوراً عن الجريمة بعد خطف أحمد أبوعدس الانتحاري المزعوم).
ويمكن اختصار الخط البياني لمرافعات الادعاء التي استمرّت أربعة أيام بأنها وبمعزل عن الجانب الإجرائي العملاني للجريمة، ركّزتْ على ربْط المتَّهَمين تنظيمياً وسياسياً بـ”حزب الله” عبر القيادي البارز في الحزب بدر الدين وصولاً الى المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل (غير مشمول بقرار الاتهام)، في إطار تعزيز صدقية “الدافع السياسي” (لاغتيال الحريري) الذي تمحور حول الحزب والنظام السوري، اللذين يشي المسار الذي اعتمدَه الادعاء بأنهما، ورغم عدم اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان بملاحقة أحزاب او مجموعات او كيانات او دول، سيكونان بحال حصول إدانة للمتَّهَمين بمثابة “مُدانَيْن” ولو بلا حُكْمٍ.