خبر

لبنان رهن مرافعات المرحلة الأخيرة من قضية اغتيال رفيق الحريري

تبدأ المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري مراحلها الأخيرة ابتداء من الثلثاء، على أمل أن يصدر القضاة لاحقا أحكامهم بحق المتهمين في ارتكاب جريمة سببت زلزالا سياسيا في لبنان لم تنته ارتداداته حتى اليوم.

وستكون قاعة غرفة الدرجة الأولى في المحكمة، في لايدسندام في ضواحي لاهاي، محط أنظار الإعلام اللبناني والدولي لمتابعة وقائع إحدى أهم المحاكمات الدولية في العقود الأخيرة. وتدخل محاكمة المشتبه بهم وجميعهم من عناصر حزب الله، في قضية الاغتيال، في مرحلتها الأخيرة مع بدء المرافعات الختامية.

واستغرق الوصول إلى هذه المرحلة 13 عاما. وأطلقت المحاكمة بناء على قرار صادر عن مجلس الأمن حظي بإجماع المجتمع الدولي في سعي لمواجهة الجريمة السياسية كأداة من أدوات الصراع السياسي الداخلي في لبنان أو في أي بلد آخر.

ولقي الحريري في أكتوبر 2004، حتفه في 14 شباط 2005 عندما فجر انتحاري شاحنة صغيرة مليئة بالمتفجرات لدى مرور موكبه في جادة بيروت البحرية. وأصيب نحو 226 شخصا بجروح في عملية الاغتيال التي أثارت ردود فعل قوية أدت إلى انسحاب القوات السورية بعد زهاء 30 عاما من الوجود على الأراضي اللبنانية.

وبدأت المحكمة الخاصة بلبنان مداولاتها عام 2009 في ضواحي لاهاي، وباتت أول محكمة جنائية دولية تسمح بتنظيم محاكمة في غياب المتهمين الممثلين بمحامين.

وعلى الرغم من أن المحكمة الدولية وجّهت التهمة إلى عدد من المتهمين وطالبت باعتقالهم، إلا أن حزب الله، الذي ينتمي المتهمون إليه، رفض مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة ورفض تسليم المتهمين، انطلاقا من عدم اعترافه بشرعية المحكمة الدولية واختصاصها في هذه القضية.

ولا تملك الحكومات اللبنانية أي إمكانات لاقتفاء أثر المتهمين. وأبلغت المحكمة بعدم توصلها إلى أمكنة المطلوبين، كما أنها لا تملك القدرة والإرادة على مواجهة حزب الله، حتى لو عرفت الأجهزة اللبنانية مكان تواجد المتهمين.

وترجح مصادر أمنية أن يكون المتهمون اللبنانيون خارج الأراضي السورية، فيما تحدد مصادر أخرى إيران كبلد لجأ إليه هؤلاء المتهمون دون أن تتمكن المحكمة من الحصول على أي إثباتات في هذا الصدد. وأوقفت المحكمة ملاحقة مصطفى بدرالدين، الذي يصفه المحققون بأنه “العقل المدبر” للاغتيال بعد الإعلان عن مقتله في سوريا في 13 أيار 2016.

وتحاكم المحكمة سليم عياش (50 عاما) المتهم بقيادة الفريق الذي تولى قيادة العملية، ورجلين آخرين هما حسين العنيسي (44 عاما) وأسعد صبرا (41 عاما) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” يدّعي المسؤولية نيابة عن جماعة وهمية. كما يواجه حسن حبيب مرعي (52 عاما) عدة تهم بما في ذلك التواطؤ في ارتكاب عمل إرهابي والتآمر لارتكاب الجريمة.

وينقسم لبنان منذ اغتيال الحريري حول مسألة المحكمة الدولية. ففيما اعتبر تحالف 14 آذار أن القضاء اللبناني بما يعانيه من تدخلات خارجية وداخلية لا يستطيع أن يمثل عدالة محايدة في قضية حساسة من هذا النوع، وقف فريق 8 آذار بقيادة حزب الله ضد إنشاء المحكمة باعتبارها تدخلا خارجيا منحازا. وأدى هذا الاعتراض إلى استقالة الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة عام 2006.

وتبقى مسألة تسييس المحكمة الدولية محورية في النقاش السياسي الداخلي في لبنان. وربطت بعض التحليلات مؤخرا بين ما سيصدر عن المحكمة من أحكام وتأخر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

غير أن خبراء القانون يرفضون هذه المسألة مذكرين بأن أمام المحكمة الدولية عدة أشهر قبل أن تصدر حكمها وأن معوقات تشكيل الحكومة لا علاقة لها بما قد يصدر عن المحكمة في شباط أو آذار من عام 2019.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لمح إلى ارتباط تأخر تشكيل الحكومة بما سيصدر عن المحكمة الدولية، محذرا بعض الفرقاء اللبنانيين من “اللعب بالنار”. وقلل نصرالله من شأن المحكمة الدولية وقال “لا تهمنا”.

ورأى مراقبون في هذا التحذير مناورة هدفها شد عصب جمهور حزب الله حول لهجة التصدي لـ”مؤامرة تستهدف المقاومة” بعد حالة ارتخاء أصابت هذا الجمهور وأظهرت تشققات داخله من خلال تنامي ظواهر التبرم من سياسات الحزب.

ويتحدث خبراء القانون عن أن مرافعات لاهاي ما بين ادعاء ودفاع وما يليها من مذكرات تستغرق عدة أشهر، وأن صدور الأحكام لن يكون قبل آذار المقبل، وأن مرحلة الاستئناف بعد ذلك ستستغرق حوالي العامين، وبالتالي فإن نهائيات أحكام لاهاي لن تصدر قبل عام 2020.

على الرغم من الطابع التقني القضائي لعمل المحكمة، إلا أن المرافعات التي قد تستغرق حوالي أسبوعين تعيد تسليط الضوء على مسؤولية حزب الله في اغتيال الحريري في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية ضده.

وعلى الرغم من أن المحكمة تحاكم المتهمين بصفتهم الشخصية دون أن تربط ذلك قضائيا بالحزب الذي ينتمون إليه، إلا أن ما سيصدر عن المحكمة سيثير ردود فعل سياسية دولية ضد الحزب كما ضد نظامي الحكم في دمشق وطهران اللذين عمل الحزب خلال العقود الأخيرة مستفيداً من دعمهما ورعايتهما.