لا يختلف اثنان على أن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري برئيس التيار الوطني االحر الوزير جبران باسيل ضخ بعضا من ايجابية باتت ضرورية في أجواء التشكيل، على وقع “داء الشلل” الذي تحكم بالمفاوضات في خلال الأسابيع القليلة الماضية. غير أن هذه الاجواء المطبوعة بالتفاؤل لم تلق الترجمة العملية لدفع قطار التأليف قدما.
ففيما قطع الرئيس الحريري من على منبر قصر بعبدا تحديدا الطريق على ضم ممثل عن “المعارضة السنية” إلى صفوف حكومته المنتظرة منذ 24 أيار الماضي، لا يزال المعنيون بالعقدتين المسيحية والدرزية متمترسين خلف مواقفهم الحكومية المعروفة. بدليل أن الاشتباك حول الحصة المخصصة للقوات اللبنانية عاد لينفجر، في موازاة استمرار المواجهة المفتوحة على خط ميرنا الشالوحي- المختارة ، في ظل تمسك التيار الوطني الحر بتوزير رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال إرسلان.
وإذا كان النائب هادي أبو الحسن أعاد التأكيد على تمسك الحزب التقدمي الاشتراكي بحصة ثلاثية درزية “صافية” في الحكومة، فإن مصادر مراقبة تعتبر عبر “المركزية” أن استمرار معركة عض الأصابع بين الطرفين ليست قصة “رمانة” وزارية بين النائب السابق وليد جنبلاط والوزير جبران باسيل، بل قضية قلوب انتخابية مليانة انطلقت شرارتها مع نجاح باسيل في اتمام تحالف انتخابي مع إرسلان، أفضى إلى نجاح الأخير في تزعم كتلة نيابية رباعية تضم نواب التيار الوطني الذين كسبوا المنازلات الانتخابية في دائرة الشوف- عاليه، المعقل الجنبلاطي الأهم، بما يفسر التصلب الاشتراكي في مواجهة “من يحاول تحجيمنا”.
غير أن المصادر نفسها تذهب بعيدا في تشخيص أبعاد وأهداف السجال بين التيار والاشتراكي، مشيرة إلى أن إذا كانت القوى السياسية كلها مجمعة، ولو ضمنا، بأن أحدا لن يستطيع الامساك بورقة “الثلث المعطل”، إنطلاقا من رغبة جامعة في عدم تكرار تجربة “السقوط المباغت” التي منيت بها حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، عام 2011، فإن التيار العوني يعتبر أن وصول المختارة إلى مبتغاها في “احتكار التمثيل” الدرزي قد يعطيها ورقة أخطر من الثلث المعطل، هي الميثاقية الدرزية، التي قد تطيح الحكومة إذا جرت الرياح الوزارية بما لا تشتهي السفن الجنبلاطية.
في المقابل، تؤكد أوساط التيار الوطني الحر أن التيار يخوض معركة توزير إرسلان ليس من منطلق الاصرار على تحدي جنبلاط في ساحته، بل من كون رئيس الحزب الديموقراطي حليفا للتيار الذي سجل هدفا انتخابيا مهما في مرمى جنبلاط، وإن كان البعض يعزو هذا النجاح إلى النسبية التي فرضها القانون الانتخابي الجديد.
أما المقربون من جنبلاط، فلا يزالون مصرين على عدم “الرضوخ” لما يسمونها “ديكتاتورية باسيل” في الملف الحكومي، وهو ما عبر عنه بوضوح أيضا الوزير مروان حمادة قبل أيام، مؤكدين في الوقت نفسه استعدادهم للتعاون مع الرئيس المكلف لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يطالب بها الجميع، ما يفترض التسليم لجنبلاط بأحقية مطالبه، بوصفها الانعكاس الأهم لنتائج الانتخابات النيابية التي كرست المختارة، مجددا، معقل الزعامة الدرزية في لبنان.