خبر

غياب خطط السلامة يزيد ضحايا حوادث السير في لبنان

تفيد غرفة “التحكم المروري” التابعة لمديرية السير في وزارة الداخلية اللبنانية أن حوادث السير حصدت 115 قتيلاً و729 جريحاً منذ بداية عام 2018 وحتى مطلع الشهر الحالي. وذلك في غياب استراتيجية وطنية شاملة للسلامة المرورية، من شأنها أن تضع حلولاً للأزمات التي تعاني منها شبكة الطرق في لبنان.

ويقول مدير الأكاديمية اللبنانية – الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم لـ”الشرق الأوسط” بأن “نسبة الحوادث مرتفعة في لبنان قياساً إلى عدد السكان، حيث تبلغ 22 ضحية لكل 100 ألف مواطن، في حين تتراوح بين 6 إلى 8 ضحايا في الدول الأوروبية لكل 100 ألف مواطن. والنسب في اتجاه تصاعدي. وهناك تقاعس على كل الصعد المتعلقة بالسلامة المرورية، كما أن هناك تفاوتا بين أعداد الضحايا المسجلين لدى الجهات الرسمية وأولئك المسجلين لدى منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى سقوط 280 ضحية سير منذ مطلع العام”.

ولا يمكن إغفال جهود “هيئة إدارة السير والآليات والمركبات” في وزارة الداخلية التي تهتم بتطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالسير. لكن هذه الجهود لا يمكن أن تؤدي إلى النتائج المرجوة لجهة الحد من حوادث السير ما لم تدعمها استراتيجية حكومية تعطي الأولوية للخطط الكفيلة بتدني نسبة الموت على الطرق.

وتتولى 17 مفرزة سير مسؤولية الطرق في لبنان، في حين تتولى شرطة بيروت مسؤولية السير في العاصمة. لكن هذا القطاع يفتقد إلى التخصصية، إذ يتم بناء قدرات الضباط والعناصر من خلال دورات مهنية لتنظيم السير، لكن سرعان ما يتم نقل من تدربوا إلى قطاعات أخرى في قوى الأمن. ولا تستفيد مفارز السير من الاستثمار في خبرتهم. ورغم التجهيزات الحالية للقطاع، لا يزال بحاجة إلى مزيد من التجهيزات واستخدام متطور أكثر للمكننة.

والأهم أن هيبة شرطي السير منتهكة على الطرق. ويمكن لأي كان أن يلاحظ الأمر ويلمس عجز الشرطي عن قمع المخالفين الذين يرتكبون المخالفات تحت نظره ولا يتورعون عن تهديده في أغلب الأحيان إذا حاول ردعهم.

ويقول أحد رجال الشرطة لـ”الشرق الأوسط”: “غالباً ما نوقف مخالفاً فيتصل بأحد المسؤولين الذي يطلب إلينا غض النظر. أو يهددنا المخالف بأنه مسنود. بالتالي لا قدرة لنا على تطبيق القانون لأن لا أحد يحمينا”.

ويتجنب المسؤولون في هذا القطاع الحديث عن الأسباب الحقيقية للتجاوزات والمتعلقة بعدم احترام نسبة لا يستهان بها من المواطنين القوانين والأنظمة بسبب السلوكيات السائدة والقائمة على الفوضى والمحسوبيات والتي تكشفها القيادة غير المسؤولة على الطرق، سواءً بتجاوز السرعة المخصّصة، والتجاوز الخاطئ، وعدم التقيّد بأولويات المرور، إضافة إلى القيادة في الاتجاه المعاكس للسير، وعدم مراعاة آداب المرور عند التعامل مع الركاب والمشاة، من دون إغفال القيادة تحت تأثير الكحول.

ويقول كامل إبراهيم: “تغيب الخطط لمعالجة هذه المشكلة، لأن سلامة الإنسان وواقع السير ليسا أولوية لدى الجهات الحكومية. ولا صيانة علمية للطرق أو تعزيز لثقافة السلامة المرورية. والأمر يحتاج إلى استراتيجية حكومية. كما يحتاج تنسيقا بين وزارتي الداخلية والأشغال، وعوضاً عن تكامل التنسيق لا نشهد سوى تراشق باتهامات التقصير”. ويضيف: “عندما وضع قانون السير عام 2015. تم إنشاء المجلس الأعلى للسلامة المرورية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية الوزراء المعنيين، ولكن لأن لا خبرة لدى هذا المجلس بشؤون السير والسلامة المرورية تقرر استحداث أمانة سر من ذوي الخبرة، وحتى اليوم لم يتم تفعيل هذا القرار”. ويوضح أن قانون السير الجديد فتح باب الخدمات ولم يردع المواطنين عن انتهاكه وارتكاب المخالفات. ويلفت أن الازدحام المروري يخفف من الحوادث، مشيراً إلى ضرورة التوفيق بين تخفيف الازدحام وتقليص عدد الحوادث.

وتشير التقارير إلى أن أحوال الطرق لا تزال دون المستوى المطلوب في لبنان. والبنية التحتية للنقل لم تظهر سوى القليل من التحسن مقارنة بالبلدان الأخرى خلال السنوات الست الماضية. ومنذ نهاية الحرب خضعت شبكة الطرق في لبنان لإعادة التأهيل لتصل إلى حالة مقبولة. لكن يمكن القول بأن الطرق لا تزال تعمل في ظروف سيئة وحرجة جراء عدم الصيانة والتأهيل مع ارتفاع عدد المركبات وكثافة حركة السير، مما يتسبب في آثار سلبية على السلامة وتشغيل المركبات.

ويشير إبراهيم إلى أن معالجة الطرق في لبنان تتم وفق مبدأ “الزفت الانتخابي” الذي لا يراعي السلامة المرورية. ويلفت إلى أن “توسيع الطرق من دون تأمين وسائل الحماية يزيد من نسبة الحوادث. كما أن عدد الضحايا من المشاة في لبنان هو من النسب الأعلى عالمياً، ويلفت إلى أن الطرق في بيروت غير آمنة للكبار في السن من المشاة، في حين تشكل طرق عكار خطراً على الأطفال”.

ويوضح إبراهيم أن “كل الإجراءات الحالية للسلامة المرورية تأتي نتيجة حوادث مؤسفة تحصد الأبرياء وتترافق مع ضغط إعلامي، وليس على ضوء دراسات وأبحاث عليمة تتعلق بهذا الملف لأن لا قرار سياسيا للمعالجة”.

ويشدد إبراهيم على ضرورة إنشاء مرصد وطني يعد تقريراً سنوياً عن حوادث السير ويوضع بمتناول الخبراء والإعلام والجامعات ليصار من خلاله إلى وضع الدراسات والخطط التي من شأنها أن تخفف من هذه الحوادث. ويرى أن “رفع الغرامات بشكل خيالي، يدفع بشرطي السير إما إلى الإشفاق على المخالف وغض النظر عنه، أو يدفع بالمخالف إلى السعي لرشوة شرطي السير لأن الرشوة أقل كلفة مالية من الغرامة”.

وتحتل حالة المركبات “المتردية” مكانتها في التسبب بحوادث السير القاتلة. وفي حين يسجل وجود ما يقارب مليون و800 ألف مركبة في لبنان، يقول إبراهيم: “ثلث المركبات في لبنان، أي نحو 600 ألف مركبة لا تخضع للمعاينة الميكانيكية ولا تستوفي شروط السلامة العامة، كما أن نسبة لا يستهان بها من السيارات المستعملة المستوردة تكون على اللائحة السوداء في دول الاستيراد لأنها لا تستوفي شروط السلامة العامة، ومع هذا يستوردها تجار لبنانيون لتدني أسعارها، ولأن لا معايير رقابة مفروضة على الاستيراد، وهناك أيضا مشكلة الشاحنات ومشكلة الدراجات النارية والسرعة واستعمال الهاتف الخليوي والكحول وما إلى ذلك. ولا إدارة لتنظيم كل هذه الأسباب المؤدية إلى الموت على الطرق في لبنان”.