خبر

مخاطر التوافق الروسي – الأميركي على لبنان

مرلين وهبة – الجمهورية

دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة على مستوى النزاع الجيوسياسي بعد قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الأميركي والروسي. وبرأي المحللين فإنَّ الروسي بات يعمل في المنطقة وكأنه هو من يضع الأجندة في الملف السوري، وهو من يُنفذ.
دخل الروسي الساحة السوريّة وقلب المعادلة كما يشاء ميدانيّاً وسياسيّاً، أما اجتماعياً فهو اليوم يقود سفينة عودة اللاجئين بخطى ثابتة، في الساحتين الأردنية واللبنانية. وإذا ربطنا ما حدث في هلسنكي مع ما يحدث في ملف اللاجئين، نجد أنَّ الملف اللبناني دخل مرحلة التنفيذ بالنسبة للخارجية الروسية، من هنا أتت المبادرة الروسية في ملف النازحين والتي ستكون حاسمة ومحرجة في آنٍ معاً.

فهي حاسمة من جهة صاحبة الطرح (الخارجية الروسية) والتي تُعتبر الدولة المقررة وصاحبة النفوذ الأكبر في الملف السوري والإقليمي، ومُحرِجة للجانب اللبناني المُتخبّط في أخذ قرار على مستوى هذا الملف، فجميع الفرقاء لهم حساباتهم الخاصة فيه، وكذلك في السياسة الداخلية اللبنانية التي لها حساباتها الخاصة فيه، بالإضافة إلى ملف النزوح السوري الذي سيُدخل الساسة اللبنانيين دوامة الإحراج.

امّا الجديد في هذا الإطار احتمال كبير لإعادة فتح ملف الإتفاقية العسكرية بين الجيش الروسي والجيش اللبناني، والتي لا تقل أهمية عن ملف النزوح ويعطيها الجانب الروسي اهتماماً كبيراً لأنها تدخل في أبعاده الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

إنطلاقاً من كل ما تقدم، يتوقع ان يكون هناك ارتدادات كبيرة لكل ما حدث بعد القمة الأميركية الروسية في هلسنكي على المنطقة بشكل عام، وعلى لبنان البلد المحازي لأكبر وجود عسكري روسي خارج الأراضي الروسية.

السفير الروسي يتحرك
ومن أهم الانعكاسات للتطورات الدولية على الداخل اللبناني سيكون تسريع البت في ملف النازحين سواء تشكلت الحكومة أم لم تتشكّل، فيما يتوقع المحللون أن يخرج الملف من أيادي السياسيين غير المتفاهمين ليدخل في الحيّز الأمني، وهنا يأتي دور الأمن العام اللبناني الذي سيترتّب على عاتقه حمل الثقل اللوجستي في الملف.

وكما هو معلوم، إنّ الدول الكبرى لا تنتظر التوافقات الداخلية. وبالتالي، لا يُستبعد في المراحل القادمة توجّه الخارجية الروسية عبر سفيرها في لبنان الذي تسلّم رئاسة اللجنة المختصة في عودة النازحين، القيام بالتحركات الموجبة لبت الملف مع الجهات الأمنية المختصة لتأمين خروج النازحين من لبنان، بالإضافة إلى التنسيق المباشر مع المنظمات الدولية من دون الرجوع المباشر إلى الساسة اللبنانيين.

أمّا الترددات الأخطر للتوافق الروسي الأميركي على الملف اللبناني فهي التي ستكون على مستوى وجود مخرج لموضوع الوجود العسكري لـ»حزب الله» في سوريا، فالجانب الروسي يعتبر الحزب الحليف المساند على الأرض السورية في وقتٍ تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية. هنا سيكون عرّاب التسوية هو الجانب الروسي الذي أثبت عدم تخلّيه عن حلفائه الذين تجمعه معهم أبعاد جيواستراتيجية كبرى تتعلق بالبعد الجيوإقتصادي للخارجية الروسية.

وبالتالي، من الواضح أنَّ عقداً كبرى ستدخل في ملف التسوية الروسية الأميركية التي من الضروري التنبّه أنها لم تدخل أي حيّز حتى الآن غير اللقاء الشخصي بين الرئيسين الروسي والأميركي، ولا يوجد حتى الآن أي نص مكتوب في هذا الإطار. كما يجب العودة لكلام الرئيس بوتين خلال المؤتمر الصحفي وقراءته بتأنٍ، حيث أكد أنّ بلاده كما الولايات المتحدة لها مصالح خاصة بها ستحافظ عليها، كما أنّ هناك مصالح مشتركة بين البلدين بدأت مناقشتها في هذا اللقاء، وستُستتبع لاحقاً في ما يتناسب ومصلحة كل دولة.

أما بالنسبة للأبعاد الإيجابية للقمة الروسية الأميركية بالنسبة للداخل اللبناني فهي متعلقة حصراً بعبء ملف النزوح السوري على الداخل اللبناني، بالإضافة إلى القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تشكيل الحكومة اللبنانية والتي سيشارك فيها «حزب الله» حكماً، والثقل الروسي في دعم عملية تسوية قضية «حزب الله» على المستوى الإقليمي. لذلك، سيكون لتجاوب الداخل اللبناني مع المبادرة الروسية دعم إضافي للإستقرار في لبنان، خاصة على صعيد التعقيدات التي يمكن أن يفرضها أي ضغط دولي على تشكيل الحكومة اللبنانية.